عبد الرزاق بوغنبور: طي ملف الانتهاكات الجسيمة والانتقال الفعلي إلى مغرب ما بعد دستور 2011

> بمناسبة حلول اليوم العالمي لحقوق الإنسان، ما هو التقييم الذي يمكن وضعه لواقع حقوق الإنسان راهنا بالمغرب؟

< يحتفل العالم اليوم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 دجنبر 1948٬ وهو مناسبة لتقييم واقع حقوق الإنسان بالمغرب من خلال مساءلة الدولة بجميع مكوناتها، من أعلى مؤسسة تدبر شان البلد، إلى أدناها، هذه المساءلة ينبغي أن تعتمد على سند إنه دستور 2011 بالمقارنة مع الدساتير السابقة فهو  ذا حمولة حقوقية كبيرة جدا، حيث تضمن في فصوله صبيبا حقوقيا مهما، وهو ما يلمسه الأكاديميون والحقوقيون والباحثون والمهتمون٬ وتحديدا من الفصل 19 الى الفصل 40 ضمن الباب الثاني المخصص للحقوق والحريات.
لأول مرة نجد أنفسنا أمام وثيقة دستورية، في بابها الثاني عنوان للحقوق والحريات، في حين أن الدساتير السابقة كانت تتحدث عن الحقوق والحريات، و لكن ضمن أبواب مختلفة وغير واضحة، كما أن الدستور الحالي ارتقى بالقضاء إلى مستوى اعتباره سلطة قضائية مستقلة، لكن ما يلاحظ عامة أن هناك فرق كبير بين النصوص القانونية المعلنة والتطبيق الفعلي لها.
لقد وعدت الحكومة المنتهية ولايتها في برنامجها ب ” ترسيخ دولة الحق والقانون والجهوية المتقدمة والحكامة الرشيدة الضامنة للكرامة والحقوق والحريات والأمن والقائمة على المواطنة الحقة وربط المسؤولية بالمحاسبة والحقوق بالواجبات”، لكن واقع الحال يؤكد مقولة “الردة في المجال الحقوقي”، على اعتبار التراجعات الخطيرة التي مست الحقوق والحريات، من خلال المس بالحريات النقابية ومصادرة حرية التعبير والحق في التظاهر السلمي  والحق في التنظيم ( التعاطي السلبي مع احتجاجات المعطلين و مع احتجاجات مجموعة من النقابات العمالية…). إضافة إلى اقتطاع أيام الإضراب، في غياب إطار قانوني ينظم العملية رغم أن هذا الحق مكفول دستوريا.
فالملاحظ أن المواطن البسيط لم يعد المستهدف بهذه الانتهاكات فقط ، بل استهدف التضييق والمنع معظـم الجمعيات الحقوقية الوطنية و من طرف معظم  المؤسسات الحكومية وفي مقدمتها وزارة الداخلية .كما أن المتتبع للشأن الحقوقي بالمغرب، لابد أن يسجل المحاولات المتكررة للمسؤولين – مهما اختلفت درجاتهم – لمحاصرة عمل المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتحجيم أدوارهم في الاضطلاع بمهام الدفاع عن الحقوق والحريات المكفولة بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والنهوض بها، في انتهاك سافر للإعلان العالمي لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان وللمبادئ التوجيهية ذات الصلة ، نسجل أن السلطات الادارية وممثلي السلطة المركزية لازالوا يمارسون الشطط والتعسف في استعمال السلطة فيما يتعلق بحق تأسيس الجمعيات، حيث يمتنعون عن تسليم وصل الايداع المؤقت بشكل فوري وآني ، وأحيانا يرفضون تسلم الملف بشكل مطلق، وهي ممارسة متناقضة مع ما ينص عليه القانون.
كما نسجل تعاطي السلطات الأمنية المكلفة بفض التظاهرات، بشكل تعسفي في تطبيق القانون فيما يخص المساطر القانونية المتعلقة بالإخبار أو المنع المكتوب والمعلل ـ إزاء التظاهرات التي ينظمها المواطنون والمواطنات من أجل التعبير عن آرائهم ومطالبهم في قضايا مرتبطة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ومواجهة احتجاجاتهم السلمية   بشكل تعسفي ومتناقض مع القانون.

>عند تبني دستور 2011، اعتبر بأنه صك حقوقي بامتياز، ماهي ملاحظاتكم بشأن أجرأة هذه الوثيقة في الجانب المتعلق بحقوق الإنسان؟

< لقد كان الاعتقاد السائد أن المغرب بعد دستور 2011 وما تضمنه من إشارات ” ذات صبغة حقوقية ” أنه سينتقل إلى مرحلة جديدة يجسد فيها دولة الحق والقانون ويقطع مع الممارسات السابقة المتجلية في الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والتضييق على الحريات العامة، لكن بعد مضي ما يقارب الخمس سنوات لا شيء تغير في المجمل، بل إن أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب لم تعرف ذلك الاستقرار المنشود، والذي يعتمد على الاحترام الفعلي لهذه الحقوق، وتنزيل الخطاب الرسمي للدولة المغربية للممارسة.
وتبين أن التصديق على عدد كبير من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، لا يتناسب مطلقا مع التفعيل الكامل لمقتضياتها، واقعا وتشريعا وممارسة، وأن ما يتضمنه دستور يوليوز 2011، من تأكيد على احترام حقوق الإنسان في الفصل المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، يختلف تماما على الممارسة اليومية.
 وكمنظمة حقوقية نسجل عددا من الملاحظات في هذا الصدد، فهناك بطء كبير في مجال أجرأة الشق الحقوقي في الدستور، وضعف واضح في بعض القوانين التي صدرت خلال الدورة التشريعية الاخيرة من ولاية هذه الحكومة، خاصة منها  القوانين المرتبطة بحرية التعبير والصحافة والنشر، والقانون المنظم للمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة ومشروع القانون التنظيمي لهيئة المناصفة ومكافحة جميع اشكال التمييز  والقانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والقانون التنظيمي الخاص بالمجلس الوطني للغات والثقافة في المغرب والقانون الاطار المتعلق بحقوق الاشخاص في وضعية إعاقة وغيرها.
 ناهيك عن عدم إشراك الحركة الحقوقية أو إشراكها صوريا أثناء إعداد هذه المشاريع، أما فيما يتعلق بالآليات الوطنية لحماية حقوق الإنسان، تسجل العصبة باستياء كبير التأخر الواضح في تحيين وإصدار القوانين لعدد من المؤسسات الدستورية المكلفة بالحماية والنهوض بحقوق الانسان، نذكر منها المجلس الوطني لحقوق الانسان، الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، مؤسسة الوسيط، مجلس المنافسة وغيرها …
أما على مستوى الالتزام الدولي، لا زلنا نسجل إبقاء الدولة المغربية على عقوبة الإعدام في قوانينها الجنائية، وذلك بالامتناع عن التصويت – لخامس مرة – لصالح القرار المتخذ من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة والداعي الى وقف تنفيذ عقوبة الاعدام.  

> بصفتكم عضوا في الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، في آخر لقاء جمع بين بعض من مكونات هذا الاتئلاف ووزير العدل والحريات مصطفى الرميد، تم خلال التوافق خلاله حول إرساء آلية مؤسساتية للحوار بين الوزارة والائتلاف، وفق مقاربة حقوقية تشاركية، فأين وصل هذا الأمر؟

< لقد سبق لنا في إطار الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، أن عقدنا سلسلة من الاجتماعات واللقاءات مع وزير العدل والحريات، إما بطلب منه أو بطلب منا لمناقشة مجموعة من القضايا الحقوقية المستعجلة، وأعتقد أن هذا في حد ذاته شيء إيجابي، لكن ما يؤسف له أن حل بعض القضايا يبقى بعيد المنال لغياب إرادة سياسية لذلك، وإلا ما الجدوى من إصدار أحكام قضائية باسم الملك ضد الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية ولا تنفذ وهذا ما يسيء فعليا لدولة الحق والقانون.

> ين وصل موضوع مسألة احتضان المجلس الوطني لحقوق الإنسان لمهام الآلية المستقلة للوقاية من التعذيب التي كان وزير العدل قد أكد حسم الحكومة في اضطلاع المجلس بمهامها، وهل شرعتم في النقاش حول الصيغة التي على أساسها سيتم اضطلاع المجلس الحقوقي بمهمة هذه الآلية؟

< لقد أثمرت جهود الحركة الحقوقية المغربية بمصادقة المغرب على  البروتوكول الإختياري الملحق  باتفاقية مناهضة التعذيب، و بتصويت  البرلمان المغربي بالموافقة عليه في فبراير 2013 ليتم نشره لاحقا في  الجريدة الرسمية في شهر يوليوز عام 2013، وليتم إيداع أوراق التصديق لدى الأمم المتحدة في نونبر من سنة 2014، لكن ما يعاب على الدولة المغربية هو التأخر في الاعلان عن إحداث ” الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب وزيارة أماكن الاحتجاز “، بل وحتى في فتح نقاش حولها بين مكونات الجهات التي يمكن أن تكون فاعلة فيها ، بل – حسب المعطيات المتوفرة لدينا – أنه قد تم إسنادها فعليا للمجلس الوطني لحقوق الانسان في مشروع القانون المنظم له .
هذا في حين أن الحركة الحقوقية التي اشتغلت على هذا الملف منذ التسعينيات من القرن الماضي لها وجهة نظر أخرى ، ونحن في العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان نستحضر مجموعة من الاعتبارات لإنضاج  الشروط الكفيلة بإحداث هذه الآلية ،  لكي تتوفر لها كافة الضمانات الكفيلة بإنجاح عملها والنهوض بمسؤولياتها في الحد من ممارسة التعذيب وغيره ﻣﻦ ﺿﺮوب اﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ أو اﻟﻌﻘﻮﺑﺔ اﻟﻘﺎﺳﻴﺔ أو اﻟﻼ إﻧﺴﺎﻧﻴﺔ أو اﻟﻤﻬﻴنة، والقطع النهائي مع  إفلات مرتكبيه من المساءلة و العقاب

> ما طبيعة هاته الاعتبارات التي تعتبرون أنه ينبغي توفرها لإنضاج شروط إحداث الآلية الوطنية؟

< نعتبر أن الموضوع يستدعي بالخصوص، وجوب الوضوح في الأهداف المتوخاة من إحداث الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، والمتمثلة في حماية الحق في الحياة والحق في السلامة البدنية والأمان الشخصي للمواطنين والمواطنات، وهو ما سيرفع عنهم الخوف من ممارسة حقوقهم الأساسية التي تصون إنسانيتهم وكرامتهم.
وإجراء تعديل على التشريعات التي تجرم التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة لملاءمتها مع المعايير الدولية كما وردت في اتفاقية مناهضة التعذيب، والعمل في ذات الوقت على إلغاء أو تعديل الأحكام القانونية المتعلقة بجرائم الإرهاب التي تنتهك القانون الدولي، بما في ذلك مراعاة مبدأ القانونية في استخدام تعاريف فضفاضة وغامضة للإرهاب.
فضلا عن القيام في هذا الصدد، بتعديل قانون المسطرة الجنائية لضمان تماشي مواده مع القوانين والمعايير الدولية بشأن تطبيق العدالة وحماية المعتقلين، ولاسيما فيما يتعلق بالاتصال بالمحامين وبعائلاتهم وبإجرائهم فحوصات طبية مستقلة والتأكد من احترام، في الممارسة، الضمانات القانونية الموجودة في الاتفاقية الأممية لمناهضة التعذيب التي التزم المغرب بإعمال أحكامها.
وإنشاء سجل وطني لمراكز الاعتقال وللأشخاص المعتقلين يمكن للجميع الاطلاع عليه ولاسيما من قبل عائلات المعتقلين ومحاميهم.
وكذا إلغاء أو تعديل حكم تجريم “التبليغ الكاذب” و”الوشاية الكاذبة” لضمان عدم توجيه مثل هذه التهم إلى من يتقدمون بشكاوى ضد التعذيب والانتهاكات الأخرى. وإذا ما تم الإبقاء على مثل هذه الأحكام، ينبغي أن تجرِّم فقط الأقوال الكاذبة التي يتم الإدلاء بها بسوء نية وتؤدي إلى إلحاق الأذى على نحو يتجاوز سمعة المبلَّغ عنه، على أن تخضع مثل هذه المخالفة للقانون للمقاضاة المدنية. ومن الأنسب التعامل مع أي جريمة تتعلق بالإدلاء ببلاغ كاذب أمام السلطة القضائية، كما هو متضمن حالياً في المادة 264، بموجب الأحكام المتعلقة بشهادة الزور في “مجموعة القانون الجنائي”.
بالإضافة إلى إقرار تشريع يجرم الاعتماد على أقوال يثبت أنها انتزعت تحت وطأة التعذيب أو سوء المعاملة كأداة في أية إجراءات، إلا ضد شخص متهم بممارسة التعذيب أو سوء المعاملة.
علما أننا نسجل أن هذه الآلية ليست بهيئة قضائية، وبالتالي لا ينبغي أبدا أن ينظر إليها على أنها بديل لقضاء مستقل، محايد، كما أنها لا تشكل بديلا عن إنفاذ القانون أو سلطات التحقيق الجنائية الأخرى التي تفرض القانون وتتابع المحاكمات الجنائية وتقدم مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان إلى العدالة، فالقضاء على الإفلات من العقاب والنضال من أجل المساءلة هما الاداة القوية والوحيدة لمواجهة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.

> فما هو إذا بالتحديد التصور الذي ترون أنه يجب أن تكون عليه هذه الآلية؟

< نحن في العصبة نقترح وجوب أن تكون المنظمات غير الحكومية جزء في تركيبة الآلية وعنصرا أساسيا في عملية صنع القرار، وأنه لاينبغي أبدا أن يستخدم إنشاء الآلية الوقائية الوطنية كسبب لاستبعاد المنظمات غير الحكومية من القيام   بعملها المستقل في مراقبة أماكن الاحتجاز.
فمن اللازم أن يكون لهذه المنظمات غير الحكومية دور “المراقب” لعمل الآلية الوقائية الوطنية من خلال رصد فعاليتها واستقلالها الوظيفي في الممارسة العملية، ولهذا نعتبر أن أفضل طريقة لدعم الآلية الوقائية الوطنية تتمثل في ضرورة وصول المنظمات غير الحكومية إلى أماكن الاحتجاز.

> يسجل أن الهيئات الحقوقية تعتبر أن طي ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لايستقيم إلا بإقرار عدم الإفلات من العقاب وأجرأة الحكامة الأمنية، فكيف ترون تعاطي السلطات العمومية مع هذين المطلبين؟

<  في التجربة المغربية للعدالة الانتقالية -مع الأسف -نسجل غياب إستراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب، بل وأدى هذا الوضع إلى اعتباره انتهاكا مضاعفا لحقوق الإنسان في حد ذاته، فهو يحرم الضحايا وأقاربهم من الحق في إقرار الحقيقة والاعتراف بها، والحق في إقرار العدالة، والحق في الإنصاف الفعال والتعويض، وهو يطيل أمد الأذى الأصلي الذي لحق بالضحية من خلال السعي لإنكار وقوعه، وفي هذا انتهاك آخر لكرامة الضحية وإنسانيته.
 ونحن في العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الانسان نعتبر أن فشل الدولة المغربية في وضع استراتيجية وطنية لمناهضة الافلات من العقاب يعود بالأساس إلى غياب التحقيقات الكاملة والمستقلة، أو القيام بالتحقيقات أو إجراءات المحاكمة الطويلة أو غير الملائمة، و
 حرمان الضحايا من إمكانية الانتصاف لأنفسهم اعتمادا على التقاضي، فضلا عن الاستهانة بأحكام القضاء وعدم وجود مستويات مناسبة للعقوبات لمرتكبي الانتهاكات، إضافة إلى
إشكالية الحصانة التي استفاد منها بعض منتهكي حقوق الانسان إبان سنوات الرصاص.
ومع ذلك فالحركة الحقوقية الوطنية لازالت تترافع من أجل البحث عن مزيد من الضمانات القانونية لأجرأة عدم الإفلات من العقاب والحكامة الامنية ، وذلك بتفعيل ماورد في توصيات هيئة الانصاف والمصالحة ، فبالإضافة الى الترافع من أجل ذلك – الذي كان وراء تحقيق مجموعة من المكاسب الحقوقية – فنحن في اطار هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول  الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ننظم مسيرة سنوية بالمناسبة لتذكير الدولة المغربية بمطالب الحركة الحقوقية الوطنية في هذا المجال ومسيرة هذه السنة تتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الانسان، حيث ستنظم يوم 11 دجنبر الجاري، ستتلى فيها كلمة تذكر بمطالب الحركة الحقوقية لطي ملف الانتهاكات الجسيمة، وحتى لا يتكرر ذلك مستقبلا.  
 
*رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الانسان

اجرت الحوار: فنن العفاني

Related posts

Top