يتسلل التشاؤم لدى علماء الأوبئة والاقتصاديين من انعكاسات استمرار تفشي فايروس كورونا على معدلات المواليد حول العالم ومخلفات ذلك على خطط الحكومات في الخروج من أزماتها، التي ما فتئت تتزايد. والآن كيف ستواجه هذه المعضلة؟
من الطبيعي أن يؤثر تراجع معدلات المواليد بشكل مباشر وواسع النطاق على الأداء الاقتصادي في أي دولة، لأن عددا أقل من السكان يعني انخفاض معدلات الإنتاج والتوظيف، وتراجع مستويات الإنفاق الاستهلاكي فضلا عن انخفاض الضرائب، ولهذا يترك تراجع معدل المواليد الحالي بصمته.
وفي الوقت الذي ما زال ينتظر فيه المراقبون لكي يروا كيف سيؤثر الوباء في النهاية على معدلات المواليد حول العالم على المدى الطويل، فقد بدأت النماذج تظهر بالفعل. وقد انخفضت معدلات الولادات المبكرة في العديد من الدول، وذلك بشكل كبير أحيانا.
وكان من المرجح أن تتزايد أعداد المواليد خلال فترة الحجر الصحي والإغلاق الاقتصادي المترتبة على تفشي الوباء وخاصة في أكبر اقتصادين في العالم.
وبينما توقع البعض فقدان ما يصل إلى نصف مليون مولود بسبب ما حدث من شطب للوظائف، وحالة القلق السائدة بشأن الصحة العامة، يرى آخرون أن ثمة عوامل أخرى فريدة مصاحبة للوباء قد تؤدي إلى تعقيد الوضع.
وعندما ترددت شعارات “ابقوا في المنزل” خلال الربيع الماضي، كانت للبعض تكهنات ساخرة بشأن حدوث طفرة في أعداد المواليد أثناء فترة تفشي مرض كوفيد – 19.
كما تداول مستخدمو الشبكات الاجتماعية الاقتراحات في ما بينهم، حول الاسم الذي يجب أن يتم إطلاقه على الجيل الجديد من المواليد، حيث اقترح البعض اسم كورونيال في مستهل عمرهم، ثم اسم كوارانتينز وهي كلمة قريبة من كلمة كوارانتين الإنجليزية، التي تعني الحجر الصحي.
وفي يونيو الماضي، نشرت بروكينجز، وهي مؤسسة غير ربحية معنية بالسياسات العامة، تقريرا توقع حدوث انخفاض في أعداد المواليد بما يتراوح بين 300 ألف و500 ألف طفل، نتيجة لتفشي الوباء.
وللوصول إلى هذا العدد، نظر الباحثون في كيفية تأثر معدلات المواليد بعد حدوث كل من الكساد الكبير في عام 2008، وهو ما أدى إلى انخفاض بنسبة تسعة في المئة من إجمالي أعداد المواليد على مدار الأعوام الأربعة التالية، ووباء الإنفلونزا الإسبانية في عام 1918، ممّا أدى إلى حدوث تراجع بنسبة 12.5 في المئة.
وقال فيليب ليفاين، الذي شارك في كتابة التقرير إن “النظرية القائلة إن معدلات المواليد سترتفع بسبب الوباء، تتعارض مع اقتصاديات الخصوبة”.
وأوضح ليفاين، أستاذ الاقتصاد في كلية ويلسلي “قررنا التحقيق في الأمر واستخلاص استنتاجاتنا فتوصلنا إلى العكس تماما.. الخلاصة الرئيسية التي يجب أن نتوقعها من ذلك، هو حدوث انخفاض كبير في أعداد المواليد في العام المقبل”.
ويرى المختصون أنه من الممكن أن يجادل المرء في أن الوباء سيؤدي إلى انخفاض أعداد المواليد بصورة أكبر مما حدث بعد تفشي الإنفلونزا الإسبانية رغم أن النشاط الاقتصادي لم يتباطأ خلال فترة تفشي ذلك الوباء، لأن الولايات المتحدة كانت تخوض حربا، فكان من الضروري أن تظل المصانع مفتوحة لأنه “من الضروري إنتاج أدوات الحرب”.
وتقول جينيفر هورني، وهي أستاذة في علوم الأوبئة بجامعة ديلاوير، إن هناك عناصر متداخلة في الأمر. وتتوقع بالفعل انخفاضا في معدلات الخصوبة عندما يكون هناك انخفاض في التوازن بين العمل والحياة، وهو ما يراه الكثير من الناس، على الأرجح.
ولكن هناك أيضا معدلات متزايدة من الأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي في بعض الأماكن، مما يقودنا إلى الاعتقاد بأن الناس يمارسون الجنس غير الآمن على نحو متزايد، مع شركاء مختلفين.”
وبينما صنفت هورني كوفيد – 19على أنه حالة طوارئ صحية عامة، فإن طول فترة تفشي الوباء يجعله مختلفا تماما عن الكوارث الكبرى الأخرى، التي قامت بإجراء أبحاث بشأنها في الماضي، مثل الأعاصير، لكنها أكدت في المقابل أن الإجهاد والتأثيرات الصحية العقلية والجسدية الناتجة عن ذلك، ستكون طويلة الأمد بالفعل”.
وترى أليسون بلوم، وهي طبيبة معالجة في مؤسسة مين لاين للخصوبة في فيلادلفيا بالولايات المتحدة، أنه بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون للحصول على خدمات المساعدة على الإخصاب، فإن الطلب ظل ثابتا طوال فترة تفشي الوباء.
وقالت إن “الأشخاص الذين نعمل معهم ظلوا لسنوات وشهور يرغبون في حدوث حمل. وإن الانتظار لمدة شهر ليس خيارا بالنسبة إلى بعضهم. لذا فإن الأشخاص الذين يرغبون في تكوين أسرة لا يؤخرون العلاج.”
وعندما أوقفت مؤسسة مين لاين خدماتها بصورة مؤقتة في شهر مارس الماضي، فإن بعض المرضى الذين يتلقون العلاج هناك صاروا أكثر قلقا لأن المؤسسة باتت تتعامل مع فئة خاصة من المرضى، ورأت أنه من المهم أخذ ذلك بعين الاعتبار.
في ظل الوباء.. الاقتصاد العالمي يواجه مخاطر تراجع المواليد
الوسوم