لا للاحتجاج بإحراق الذات

تعددت حالات الاحتجاج بإحراق الذات، أو محاولة القيام بذلك، وقد باتت الظاهرة فعلا لافتة للانتباه، وتستدعي اهتمام الكل..
ليس هينا أن ننبري بمثل هذا الكلام لأسر مكلومة بفقدان فلذات أكبادها جراء اختيارهم الإحراق الذاتي، لكن مع ذلك لابد من القول بأن اختيار الانتحار بهذه الطريقة كشكل من أشكال الاحتجاج على الظلم الاجتماعي هو أسلوب مرفوض، وحتى في أقسى سنوات الجمر والرصاص لم يعمد المناضلون إلى هذا الأسلوب، ولم يصل التطرف إلى درجة التضحية بالحياة كأسمى حق يكافح المرء من أجله.
من حق الناس أن تحتج ، وأن تمارس حقها في إيصال صوتها ومظالمها إلى المسؤولين، لكن نرفض جعل الاحتجاج مقترنا بإحراق الذات، وبالانتحار، وأيضا بركوب بعض الجماعات العدمية على الظاهرة وتسييسها، أو تشجيعها بالدعاية وبالتلميح وبالدعم الميداني.
إن تحقيق المطالب الاجتماعية والاقتصادية يتم عبر النضال السياسي الواعي، ومن خلال العمل المنظم، ويتم أيضا من خلال الانخراط الميداني والحقيقي لمواجهة الفساد والمفسدين، ومساندة القوى الديمقراطية المناضلة، ويتم من خلال التعبئة السياسية والجماهيرية للتأثير في ميزان القوى السياسي والانتخابي، وبالتالي فإن تحقيق المطالب يتم عبر التشبث بالحياة وليس التضحية بها، وعبر وضوح النظر وليس من خلال العدمية والعمى والإلقاء بالنفس إلى… النار.
وفي السياق نفسه، وجب التنبيه إلى أن الظاهرة، على خطورتها وعلى ما تحمله من يأس وعدمية، فهي تحيل كذلك على مستوى اليأس الذي دب وسط شبابنا وفقراء شعبنا، وفي نفس الوقت تفرض جعل المسألة الاجتماعية على رأس أولويات الزمن المغربي الجديد.
يتطلع المغاربة اليوم إلى إنجازات ملموسة في مجالات: التشغيل، السكن، الصحة، التعليم، وفي محاربة الفساد وتعزيز دولة القانون في المجالين السياسي والاقتصادي، وإن النجاح في هذه الرهانات في مدى زمني معقول هو الذي من شأنه التخفيف من درجة الاحتقان الاجتماعي، وإعادة الأمل لشبابنا…
إنها مسؤولية الحكومة، ومؤسسات الدولة كي نؤمن لبلادنا مسارها الإصلاحي المستقر، وحتى لا نضيع الوقت، ويكون التدخل بعد ذلك متأخرا أو غير مجد.
ومن مسؤولية وسائل الإعلام أيضا والفاعلين السياسيين والاجتماعيين والمؤسسات الدينية والباحثين، استنفار جهدهم الفكري والتوعوي والميداني للتحسيس بأهمية قيمة الحياة، والحيلولة دون استشراء ظاهرة إحراق الذات وسط الشباب والمحتجين، أو أن يتحول الأسلوب إلى شكل احتجاجي «مقبول»، وحينها سنفقد الحياة في المجتمع ووسط شعبنا، ولا يمكن أن نبني مجتمعا ديمقراطيا وحداثيا ومواطنا بشعب يبخس قيمة الحياة، ولا يتردد أبناؤه في الانتحار وإحراق الذات.
[email protected]

Top