احتفت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية مؤخرا بالأستاذ محمد الأزهر، من خلال قراءات في كتابه السردي؛ شرطي ودراجة (يوميات شرطي) قام بها باحثون من مختبر السرديات والخطابات الثقافية، في إطار الدورة الثانية من ربيع الكتاب تحت شعار “دور الكتاب في خلق وعي مجتمعي”. حيث افتتح أشغال هذه الندوة الاحتفائية عبد النبي غزال الذي تحدث عن تقاطعات الواقعي بالتخييلي في شكل السرد عموما، ثم أعطى الكلمة لعميد الكلية الذي شكر مختبر السرديات في شخص رئيسه شعيب حليفي والباحثين بالمختبر على العمل الذي يقومون به في مجال البحث الأكاديمي في تخصصهم فهو من المتابعين لأنشطتهم، ثم أشاد بمجهودات الأستاذ الأزهر داخل الكلية من خلال أسلوبه المتميز في تدريس الوحدات القانونية والحقوقية. بعد ذلك أخذ الكلمة محمد فالح الذي قدم ورقة بعنوان مداخل في قراءة المنجز السردي لمحمد الأزهر؛ فأشار لغواية السرد التي أضحت تستقطب مشتغلين من حقول معرفية متعددة كالتاريخ والفقه والحقوق، حيث يمزجون تخصصهم بالتخييل في شكل الكتابة السردية والرواية عموما لما تتيحه من إمكانيات للبوح وتغيير التمثلات. كما اعتبر الباحث أن محمد الأزهر الذي تدرج في سلك الشرطة قبل أن يصبح أستاذا للتعليم العالي، حركه على فعل الكتابة رغبته في تغيير تمثلات المجتمع تجاه الشرطي الذي يصوره جلادا لا رجلا يضمن أمن البلاد، كما تناول الباحث المنجز السردي من خلال خروجه عن الميثاق الأجناسي، مما يفتح تعددية القراءة من حقول ومناهج متعددة كما تعرض لبنية النص التي رغم أنها تعتمد نظام الفصول تضمن اللحمة الحكائية للمتن، من خلال قدرة محمد على السرد، وفي نهاية الورقة اعتبر الكتابة سبيلا للبوح وتغيير التمثلات والكشف عن نظرة الشرطي لأفراد المجتمع.
أما عبد العالي الدمياني الذي قدم ورقة بعنوان “السخرية والسلطة في شرطي ودراجة”، عاد من خلالها إلى الأصول الأولى للسخرية في الثقافة العربية مع الجاحظ، واعتبرها تمثل رؤية للعالم، ويمثل كتاب “شرطي ودراجة” نمطا جديدا من السخرية، كون محمد الأزهر يسخر من السلطة من داخلها، وتناول المؤلف انطلاقا من ثلاثة محاور هي السخرية بالكلام الذي يعد مركزيا من خلال إسهامه في كشف طبيعة الشخصيات وما تنطوي عليه من خصوصية أو غرابة تحمل في عمقها صورة نسق السلطوي، وهو يجرد الإنسان من أهم خصائصه ليضمن سيرورته، أما المحور الثاني فوسمه بـ”السخرية بالهيئة” وتتجلى في نظره من خلال الصور الكاريكاتورية المرفقة والتي اتخذت هيئات الشخصيات مادة حية لبلورة شكلها الساخر، أما المحور الثالث والأخير وهو السخرية بالموقف، فقد رأى الباحث أن محمد الأزهر بنى مجموعة من المشاهد أو المواقف التي تحرض على الضحك في نهايتها وهو نفس النمط من السخرية الذي كان يعتمده الجاحظ، والهدف من هذا النمط من السخرية في نظر الباحث هو تعرية النسق الثقافي المضمر الذي يمارس سلطته على الأوعاء والنفوس، وقد حلل في نفس الإطار مجموعة من الشفرات اللغوية التي يتضمنها شرطي ودراجة.
ثم أخذ الكلمة محمد الأزهر المحتفى به، الذي فتح قلبه للحضور وتحدث عن خلفيات وحيثيات كتابته لهذا العمل، الذي لا يرقى في نظره إلى مستوى الرواية وإنما هو مرحلة سابقة ولج من خلالها عالم الكتابة الإبداعية، على أنه استفاد من بعض الهفوات في هذا العمل، في إنجاز روايته الجديدة التي ستصدر قريبا، وأطلع القاعة على بعض الأحداث الساخرة والمغامرات التي قام بها أو عاينها، وهو بسلك الشرطة، كما أشاد بدور الكتابة الروائية، والحث على ضرورة برمجة مادة الرواية والأدب عموما لطلبة كليات الحقوق، ثم فتح الباب أمام القاعة التي ضمت زملاءه وطلبته الذين أعربوا عن حبهم له وتفانيه في عمله.
وختم عبد النبي غزال هذا اللقاء الذي اعتبر التجربة الإنسانية لا تكتسب عمقا إلا حينما تروى وتصبح حكاية تتداولها الألسن.
إعداد: محمد فالح