حادث مأساوي آخر راح ضحيته خمسة عمال في مصنع للزيتون بتاوريرت، يعيد إلى الواجهة موضوع شروط العمل في المعامل والمؤسسات الصناعية… وفي انتظار ظهور نتائج التحقيق الخاصة بحادث تاوريرت، وتحديد الأسباب الحقيقية للمأساة، نتذكر بالمناسبة ما كان قد جرى بمصنع «روزامور»، وما تحمله بيانات النقابات وأخبار الصحف يوميا…
صحيح أن السلطات المعنية أقدمت في الفترة الأخيرة على بعض الخطوات، خصوصا عقب مأساة روزامور، ومن ذلك مثلا الإعلان الأخير عن إنشاء المعهد الوطني للحياة المهنية في الدار البيضاء، وتنظيم «اليوم الوطني للصحة والسلامة المهنية»، والشروع في تفعيل خطة العمل للوقاية من الأخطار والسلامة بوحدات الصناعة والخدمات، وإذا كان كل هذا يعد من ضمن المبادرات الإيجابية، فإن الواقع في الميدان وتكرار المآسي، يجعل كل ما أعلن عنه مجرد كلام جيد ونصوص مهمة من الناحية النظرية، لكن كل هذا لا ينعكس على أرض الواقع.
اليوم، القانون يجبر المعامل والمصانع والشركات على تمكين العمال من كل شروط الصحة والسلامة خلال العمل، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمؤسسات تستعمل في عملها مواد قابلة للاشتعال، ويلزمها بالتوفر على سيارة إسعاف وصيدلية، وتمكين عمالها من التأمين عن حوادث الشغل، لكن ترى كم عدد المؤسسات التي تحترم هذه المقتضيات القانونية، وما هي الإجراءات التي اتخذت في حق المخالفين؟؟؟
واستطرادا، فالقانون يلزم أيضا بانتخاب سنوي للجنة الصحة والسلامة من مناديب العمال، تتولى مراقبة مدى توفر شروط الصحة والسلامة، وأيضا احترام العمال لآليات ضمان السلامة التي توفرها المؤسسة.
هنا أيضا، كم عدد المؤسسات التي توفر مثل هذه الآليات العادية، وبالتالي تطبق القانون الذي يلزمها بذلك؟؟؟
الواقع أن موضوع الصحة والسلامة المهنية، إذا كان يعالج بشكل جيد في مؤسسات اقتصادية وصناعية كبرى، فإن الواقع عكس ذلك تماما في عدد كبير من المؤسسات الصغرى والمتوسطة في بلادنا، وداخل القطاع غير المنظم.
وعلى ضوء ما سلف، يطرح موضوع المراقبة نفسه بإلحاح، وهنا نشير إلى مسؤولية مفتشي الشغل في ضبط المؤسسات التي تخالف القانون، واتخاذ الإجراءات المناسبة في حقها، وفرض هيكلتها قانونيا وتوفير كافة شروط الصحة والسلامة بداخلها.
الأمر اليوم يرتبط بأرواح الناس، فإلى متى سيبقى الموت يحصد أرواح عمال فقراء في مآسي تهتز لها البلاد كلها، والجميع يتفرج على واقع أصبح يثير الرعب فعلا وسط العمال وأسرهم ؟؟؟؟
المسؤولية مركزية لدى السلطات الحكومية بفرض تطبيق القانون، وأيضا بالتصديق على ما تبقى من نصوص دولية مثل الاتفاقيات الثلاث لمنظمة العمل الدولية التي تهتم بالصحة والسلامة المهنية، وأيضا بتمكين مفتشي الشغل من الصلاحيات الضرورية وإمكانيات العمل للمراقبة ولفرض تطبيق القانون.