عززت وزارة الداخلية انكبابها على ملف «مدن الصفيح»، وما يشهده هذا الميدان من فضائح في العديد من مناطق المملكة، ونقلت الصحف أخبارا عن إجراءات زجرية اتخذت في حق رجال سلطة على خلفية تورطهم في التجاوزات. المسألة لكونها ترتبط بحرص الأسر على التوفر على مسكن، فهي بقدر ما تمثل مطلبا شعبيا، وتحمل حاجيات متزايدة لدى الناس، فهي أيضا تجعل هؤلاء المساكين فريسة لعدد من رجال السلطة والمستشارين الجماعيين، حتى بات هذا الميدان منظومة اقتصادية ريعية قائمة الذات…
في أغلب مدننا، تنقل مجالس الحديث تفاصيل ما يجري على هذا الصعيد، وتكاد الحكايات تكون واحدة، والفاعلون هم أنفسهم، والنتيجة ماثلة في أحزمة البؤس والفقر التي تحيط، وأحيانا تتوسط، الكثير من مدننا، وتهدد قاطنيها إما بغرق في فصل الشتاء أو بحريق في فصل الصيف، وفي كل الفصول بكثير من البؤس وغياب الكرامة الإنسانية.
لسنا من دعاة العدمية هنا، وبالفعل تحققت إيجابيات كثيرة في المنجز الحكومي للسنوات الأخيرة، إنما هناك أيضا مشاريع أعلنت أو انطلق فيها العمل، وتوقفت فورا، وظلت العديد من الأحياء التي قيل إن الهيكلة وصلتها، أو المناطق التي قيل إنها فتحت للسكن، من دون بنيات أساسية (الواد الحار، الماء والكهرباء، الطرق والإنارة العمومية…)، وتسبب هذا الواقع لمئات الأسر في الكثير من الأزمات واستمرار بؤس العيش.
وفي الوجه الآخر من الصورة، الكل يعرف أشخاصا راكموا ثروات هائلة من وراء بؤس الناس، سواء أثناء توزيع البقع، باستلام العشرات منها وإعادة بيعها لحسابهم، أو من خلال توقيع رخص البناء غير القانوني، أو التغاضي عن عمليات غير مشروعة تتم ليلا وحتى نهارا جهارا، وطبعا بمقابل، وثم من خلال استثمار مثل هذه المناطق وساكنتها كخزانات للأصوات الانتخابية، وكل هذا الفساد هو الذي أنتج لنا كوارث عمرانية في مناطق مختلفة من المملكة، وجعل كل البرامج الحكومية تتوقف بمجرد الإعلان عنها أو فور وضع حجرها الأساس…
وعندما تعلن وزارة الداخلية اليوم إعادة تقوية حضورها في هذا المجال، فذلك من باب التأكيد على صرامة التعامل مع ما استشرى فيه من فساد، ولهذا فإن للكوارث المسجلة مسميات وأسماء وعناوين، والكل يدركها، والحاجة ملحة إلى استهداف المشاكل في عمقها من دون كثير تمطيط أو دوران.
المسألة فيها حق مغاربة هذه الأحياء في سكن لائق يصون آدميتهم، وفيها أيضا احترام إرادة عاهل البلاد وتقدير مبادراته، وفيها ثالثا السعي إلى فك العزلة عن غيتوات يعشش فيها الإجرام والانفلات الأمني والتطرف، وفيها في الأول وفي الأخير، دفاع عن سمعة البلد الذي لم يعد مسموحا له في القرن الواحد والعشرين أن يقبل باستمرار مثل هذه الكوارث.