مصنع رونو في طنجة

شكل مصنع (رونو- نيسان طنجة)، الذي ترأس جلالة الملك مراسيم تدشينه، الحدث الاقتصادي الأبرز في المغرب في الأيام الأخيرة، وقد سجل المختصون أنه يمثل أهم بنية صناعية في الحوض المتوسطي، كما أنه يعتبر رافعة مهمة في الإستراتيجية الاقتصادية للبلاد، وسيضع المغرب ضمن خارطة البلدان المؤهلة لاستقطاب استثمارات أجنبية كبيرة، وسيساهم في تحسين ميزانه التجاري ورفع حجم صادراته الصناعية، فضلا على أنه يعزز الجهد التنموي والتأهيلي لمنطقة الشمال المغربي.
وعندما نفحص تفاصيل المشروع وانعكاساته المتوقعة، وعندما نتابع أيضا ما يثيره اختيار شركة      (رونو) على الصعيد الإعلامي والسياسي الفرنسي من ردود فعل، نخلص إلى أن الثقة في المغرب وفي استقراره السياسي وفي موقعه الاستراتيجي هي التي نجحت اليوم، وهي التي برزت كورقة مغربية رابحة في زمن المصاعب المالية والأزمات الاقتصادية التي تحيط بكل العالم.
لكن مع ذلك، فإن العمل الحقيقي يجب أن يبدأ الآن، أي بالتسويق الجيد للمنطقة ولمؤهلاتها، وباستقطاب فاعلين آخرين من حجم (رونو) وأكثر، وأيضا بتسريع تطوير منظوماتنا الاقتصادية والتدبيرية والإدارية والبنكية والقضائية والتكوينية، وذلك بما يقوي تنافسية بلادنا، ويجعل مصنع رونو بداية فقط لقصة نجاح أكبر تستطيع تحويل طنجة ومنطقتها إلى عاصمة دولية وإقليمية لصناعة السيارات والصناعات الأخرى المرتبطة بها.
من جهة ثانية، فإن إقناع مستثمرين كبار، أجانب ومغاربة، بإنجاز مشاريع ضخمة في البلاد هو السبيل لتوفير أكبر عدد من فرص الشغل، شريطة الانكباب الجدي والمستعجل على معالجة كل اختلالات نظامنا التعليمي والتكويني، وجعل المملكة بذلك تنافس من خلال توفير موارد بشرية مؤهلة وملائمة لحاجيات هذه الدينامية الاقتصادية والتنموية.
إن حماية استقرار البلاد إذن واستدامته عبر تعزيز الديمقراطية والحرية والانفتاح السياسي واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة، من شأنه أيضا تقوية ثقة الفاعلين الاقتصاديين في بلادنا وفي أهمية الاستثمار فيها، ومن ثم، فإن إنجاح الانطلاقة الاقتصادية وتمتين الإقلاع التنموي يفرض جدليا النجاح في رهاناتنا السياسية، إلى جانب النجاعة التدبيرية والتسويقية وجودة مناخ الأعمال.
وإن التقدم كذلك في تحقيق المطالب الاجتماعية لشعبنا في الشغل والسكن والصحة والتعليم وتقوية الانفتاح السياسي والتخليق ومحاربة الفساد والريع، كل ذلك سيساهم في تمتين الجبهة الداخلية، وبالتالي تعزيز انخراط الشعب في الدفاع عن استقرار بلاده، والمساهمة في توفير مناخ مناسب لتطور المشاريع والاستثمارات المحلية والأجنبية.
مصنع رونو في طنجة يمثل اليوم تحية من فاعل صناعي عالمي له وزنه، ومسؤوليتنا كلنا اليوم أن نرد التحية بأحسن منها، أي بمواصلة التغيير وبتعميق الإصلاحات الاجتماعية والسياسية، وتعزيز الديمقراطية والانفتاح والحرية، وأيضا بتكريس دولة القانون في المجال الاقتصادي، وتقوية جاذبية البلاد.
[email protected]

Top