مع زحف كورونا وموت المعنى:هي سنة سوداء مكسوة بالبياض..

معلوم أن الألوان – كل الألوان- لا تحمل في كينونتها أي دلالة، وأن الناس هم من اختاروا لكل لون دلالة.
هذا يعني أن اللون لا يحمل معنى ذاتيا، وإنما ذوات الناس هي الحاملة للمعنى، وأن هاته الذوات ليست على قلب رجل واحد في أكثر من معنى.
في المغرب عندنا اللون الأبيض حمال لمعنيين متنافرين، فهو لون السعادة والفرح، وهو لون لباس الحداد، وفي المشرق العربي فإن لحظات حداد يميزها السواد.
ومع ذلك، ومن باب التجاوز، يجوز القول إن  هذا التنافر في المعاني، لا يحول دون سيادة منطق “الخير والشر” في التعامل مع اللونين المذكورين.
وهكذا – وفي كل الأحوال – ستبقى “الحمامة البيضاء” رمزا للسلام، وسيبقى “الثعبان الأسود” رمزا لكل الشرور والأهوال.
لكن ماذا بالإمكان القول في هذا الظرف الكوروني، وأساسا أي لون يليق بوصف سنة 2020؟
قد يذهب البعض – إن لم نقل الكل-  دون تردد إلى وصفها بالسنة “السوداء”، وهي حقا سوداء إذا ألبسنا السواد معنى المأساة، وإنها حقا سنة مأساة ما كان لها مثيل حتى في أقوى تراجيديات الأدب الإغريقي العريق.
لكن ما دامت معاني الألوان مجرد نتيجة إسقاط إنساني، فلم لا نذهب إلى أقصى طرف الخيط، ونقول: “هي سنة بيضاء”؟
والحقيقة أنها من فرط سوادها أصبحت سنة بيضاء،  نعم، هي بيضاء – وقد تكون ناصعة البياض – إذا انحزنا إلى المعنى الاصطلاحي للبياض في القاموس اليومي الحديث.
كيف؟!؟!
لحظة من فضلكم:
هي سنة بيضاء، وبياضها قد شمل العالم في كل مفاصل الحياة، فلا التعليم عن بعد حقق سنة دراسية سليمة، بل جعلها في العمق سنة بيضاء، لكن بأعلى نسب النجاح والانتقال إلى المستويات الأعلى !!!
ولا ملاعب الرياضات الأكثر شعبية استقبلت مجانين المستديرة، حيث غاب من يسمونه بـ “اللاعب الثاني عشر”، فكانت الانتصارات بنفس طعم الهزيمة حين غاب عنها ذاك اللاعب الذي يعطي للفوز وللانكسار “معنييهما” في الزمن والمكان.
أليست هاته سنة رياضية بيضاء، رغم رفع عميد البايرن الكاس الأكثر تأثيرا بعد كاس العالم؟، أمام مدرجات خاوية على عروشها، وتحت خلفية أصوات وهتافات مسجلة على طريقة دبلجة مسلسلات الأتراك والمكسيكيين و……؟
وهل استطاعت آلاف الأغاني ومئات المسرحيات التي غطت ساعات اليوم على مدار أشهر الحجر وبعد رفعه التدريجي، – هل استطاعت – عبر تقنيات التواصل الحديث، أن تصنع بعض لحظات “معنى الحميمية” التي قد يحققها مجرد عرض مسرحي لفرقة مبتدئة، أو حفل موسيقي لمجموعة من الفتيان مازالت إلى يومنا تردد أغاني “ناس الغيوان”، في قاعة بئيسة في دار للشباب – دار في حالة شيخوخة – بقرية من قرى المغرب المنسي أمام جمهور مشدود بحبل سري إلى سحر العلاقة بين الخشبة والقاعة؟
أراها حقا أنها سنة بيضاء، وخطورة بياضها تكمن في أن العالم فقد فيها معاني الأشياء.
 نعم، إن الناس من فقراء الأرض يتسامرون ليلا عند عمود ضوء في عمق زقاق لا تصله الدوريات، وهم بذلك يسعون إلى القبض على المعنى الضائع، كما أن علية الناس يبحثون عن ذاك المعنى في سياق آخر فضاءاته قد تكون مسامرات تحت قبب مزينة بثريات  تضاهي ما جاء وصفها في “ألف ليلة وليلة”.
لكن هل تم القبض على ذاك المعنى في الحالتين؟
وكيف يتم ذلك، والمعنى كائن زئبقي؟؟؟  
وقد كان كبيرنا الذي علمنا من سحر الأدب والمسرح، الأستاذ “عبد الكريم برشيد”، يقول لنا منذ أربعة عقود: سيظل البحث مضنيا عن “حيوية الحياة، ومدنية المدينة، وإنسانية الإنسان”. وها هي أزمنة كورونا تدفعنا لمواصلة  ذاك البحث، وبثمن غال وقاس جدا، وكأننا “سيزيف” أمام جبل وليس صخرة فقط.
وهكذا نكون فعلا نعيش سنة سوداء مكسوة بالبياض..

سلا يوم 23 غشت 2020

Related posts

Top