نتانياهو يتعهد بمواصلة القتال على مختلف الجبهات في الذكرى السنوية لاندلاع الحرب

تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ”مواصلة القتال” حتى تحقيق أهداف الحرب التي اندلعت في قطاع غزة وامتدت إلى لبنان، وتخوض إسرائيل حربا منذ عام مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، وصعدت في الأسبوعين الماضيين غاراتها الجوية في لبنان ضد أهداف لحزب الله، وصولا إلى شن عمليات برية في جنوب البلاد. كما تتعرض لإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة من اليمن والعراق، وتوعدت بالرد على هجوم صاروخي إيران استهدفها الأسبوع الماضي.
وتثير هذه المواجهات مخاوف من نزاع واسع النطاق وطويل في الشرق الأوسط.
وقال نتانياهو في كلمة مسجلة “ما دام العدو يهدد وجودنا وسلام بلادنا، سنواصل القتال”.
أضاف “طالما بقي رهائننا في غزة، سنواصل في القتال (…) لن أستسلم”.وتابع “لقد حددنا أهداف الحرب ونحن في طور تحقيقها: القضاء على حماس (في غزة)، إعادة كل الرهائن، الأحياء منهم والأموات. هذه مهمة مقدسة، لن نتوقف ما لم ننجزها”.
وشدد على أن للحرب أهداف أخرى هي “القضاء على كل تهديد مستقبلي ضد إسرائيل من قطاع غزة”، و”إعادة كل السكان إلى الجنوب والشمال بأمان إلى منازلهم”، في إشارة إلى الذين نزحوا جراء القتال في الجنوب حيث قطاع غزة، والشمال حيث الحدود مع لبنان.
وأتت كلمة نتانياهو خلال مراسم مسائية في تل أبيب مع عائلات وأقارب الأشخاص الذين قتلوا أو خطفوا خلال هجوم حماس
وأقيمت أول أمس الإثنين تجمعات ومراسم في إسرائيل لإحياء الذكرى السنوية منذ بداية الحرب، شارك فيها مسؤولون وأفراد عائلات الضحايا. في المقابل، أقيمت تظاهرات في أنحاء العالم مؤيدة للفلسطينيين في ذكرى الهجوم الذي أسفر عن 1206 قتلى معظمهم مدنيون.
وكانت أبرز المراسم الإسرائيلية في كيبوتس رعيم، في موقع مهرجان نوفا الموسيقي.
وتزامنا مع إحياء الذكرى، شنت إسرائيل غارات على غزة ومناطق في لبنان خصوصا جنوب البلاد والضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله. في المقابل، أطلق خصومها صواريخ في اتجاهها من الشمال والجنوب واليمن، متوعدين بمواصلة القتال رغم تكاليف باهظة تكبدوها خلال الفترة الماضية.
وحضت الولايات المتحدة أول أمس الإثنين إسرائيل على عدم شن أي هجوم على مطار بيروت أو الطرق المؤدية إليه، في وقت يوجه فيه الجيش الإسرائيلي ضربات مكثفة ضد حزب الله في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر في مؤتمر صحافي “نعتبر أنه من الأهمية بمكان ليس فقط أن يبقى المطار مفتوحا، بل أن تظل الطرق المؤدية إليه مفتوحة أيضا” وذلك خصوصا من أجل تمكين الراغبين بمغادرة لبنان من رعايا أميركيين ورعايا دول أخرى، من أن يفعلوا ذلك.
وفي ذكرى السابع من أكتوبر، تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس عن “وحشية” و”فظاعة” هجوم حماس، لكنهما أبديا تعاطفا مع معاناة المدنيين الفلسطينيين جراء الحملة العسكرية الإسرائيلية المدمرة على القطاع التي خلفت نحو 42 ألف قتيل معظمهم مدنيون، وفق وزارة الصحة.
وفي الفاتيكان، ند د البابا بـ”عجز الأسرة الدولية المخزي وكذلك أقوى الدول، عن إسكات الأسلحة ووضع حد لمأساة الحرب”.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو من القدس موقف باريس بأن “القوة وحدها لا تكفي لضمان أمن إسرائيل”.
من جانبه، كتب المفو ض العام للأونروا فيليب لازاريني “اثنا عشر شهرا من المعاناة التي لا توصف للرهائن في غزة” مضيفا أن الحرب حولت غزة أيضا إلى “بحر من الأنقاض لا يمكن التعرف عليه ومقبرة لعشرات الآلاف من الناس”.
وفي الساعات التالية، باشر الجيش الإسرائيلي هجوما عنيفا على قطاع غزة يهدف الى “القضاء” على حماس.
وأعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) مسؤوليتها عن إطلاق صواريخ استهدفت “تحشدات الاحتلال” عند معبر رفح وكرم أبو سالم وكيبوتس حوليت قرب الحدود مع غزة. ولاحقا، أعلنت إطلاق صواريخ على تل أبيب.
وأكد المتحدث باسم القسام أبو عبيدة في كلمة مصورة “قرارنا وخيارنا وهو الاستمرار في المواجهة في معركة استنزاف للعدو طويلة وممتدة ومؤلمة ومكلفة له بشدة، طالما أصر العدو على استمرار العدوان والحرب”.
وتوجه إلى الإسرائيليين بالقول “نقول لجمهور الاحتلال كان باستطاعتكم أن تستعيدوا جميع أسراكم أحياء منذ عام (…) حالة الأسرى المتبقين المعنوية والصحية باتت في غاية الصعوبة. لا نستبعد إدخال ملفهم إلى نفق مظلم”.
ولم تقتصر الإطلاقات الصاروخية على غزة. إذ أعلن الجيش ليل أول أمس الإثنين تفعيل صفارات الإنذار في وسط إسرائيل بعد رصد إطلاق صواريخ من لبنان.
وكان الجيش أعلن بعد الظهر اعتراض صاروخ أرض-أرض أطلق من اليمن باتجاه وسط البلاد.
وتبنى الحوثويون المدعومون من طهران، إطلاق صاروخين بالستيين وطائرات مسيرة في اتجاه إسرائيل أول أمس الإثنين.
كما دوت صفارات الإنذار في الشمال حيث توسع إسرائيل عملياتها ضد حزب الله.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أربع مناطق في شمال البلاد “مناطق عسكرية مغلقة” اعتبارا من ليل أول أمس الإثنين.
وأكد الجيش أنه هاجم أكثر من 120 هدفا لحزب الله في جنوب لبنان “خلال ساعة” واحدة، بينما أشار إلى أنه سيستهدف قريبا “المنطقة البحرية” في جنوب لبنان، مطالبا الصيادين ورواد البحر بالابتعاد عنها حتى إشعار آخر.
وبعد إضعاف حركة حماس، نقلت إسرائيل عملياتها إلى الجبهة الشمالية، وكثفت غاراتها على لبنان اعتبارا من 23 سبتمبر مستهدفة حزب الله المدعوم من إيران. وأعلنت في 30 منه بدء عمليات برية محدودة ضد الحزب.
وتعرضت عشرات البلدات والقرى في جنوب لبنان لغارات إسرائيلية، على ما أفاد الإعلام الرسمي، فيما استهدفت غارة أخرى محيط مطار بيروت، حسب ما أفاد مصدر أمني وكالة فرانس برس.
واستهدفت سلسلة غارات جوية إسرائيلية على الأقل مناطق في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفق الإعلام الرسمي، بعد إنذارات جديدة بالإخلاء أصدرها الجيش الاسرائيلي.
وتكررت الغارات الجوية العنيفة على الضاحية الجنوبية خلال الليل في الأيام الماضية، ما يتسبب بدمار هائل.
في المقابل، أعلن حزب الله إن مقاتليه استهدفوا تجمعات لجنود إسرائيليين داخل بلدتين حدوديتين في جنوب لبنان هما مارون الراس وبليدا.
كما أكد أنه استهدف للمرة الثانية في يوم واحد مناطق تقع شمال مدينة حيفا.
وأعلن حزب الله أنه استهدف قاعدة تابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قرب تل أبيب، وذلك بعيد إعلان الجيش الإسرائيلي تفعيل صفارات الإنذار وسط البلاد بعد رصد صواريخ أطلقت من لبنان.
وكان الحزب أعلن قبل عام فتح جبهة “إسناد” لغزة عند الحدود الشمالية لإسرائيل. ووجهت الدولة العبرية سلسلة ضربات للحزب في الأسابيع الماضية، كان أبرزها اغتيال أمينه العام حسن نصرالله في غارة جوية في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 سبتمبر.
وقتل أكثر من ألفي شخص وأصيب قرابة عشرة آلاف بجروح في لبنان منذ بدء التصعيد بين حزب الله وإسرائيل قبل عام. تجاوز عدد القتلى في التصعيد الأخير 1100 شخص، بحسب السلطات اللبنانية.
أما عدد النازحين فتجاوز المليون و200 ألف شخص، وفق الأرقام الرسمية.
أعلنت وحدة إدارة مخاطر الكوارث التابعة للحكومة اللبنانية أن أكثر من 400 ألف شخص عبروا إلى سوريا، غالبيتهم سوريون، في غضون أسبوعين.
بعد عام من الحرب وفشل كل محاولات التوصل إلى وقف إطلاق نار، تستكمل إسرائيل عملياتها في قطاع غزة حيث أعلن الجيش صباح أول أمس الإثنين أنه قصف مستشفى الأقصى في دير البلح (وسط)، قائلا إنه يضم مراكز قيادة لحماس.
وقالت نازحة تدعى إسراء أبو مطر (26 عاما) “ينتابك شعور بأن العالم توقف في 7 أكتوبر” مضيفة “أنا أتقدم في السن وأرى أطفالي يتضورون جوعا وخائفين ويرون كوابيس ويصرخون ليل نهار بسبب ضجيج القصف”.
في غضون ذلك، تتواصل التهديدات بين إسرائيل وإيران على خلفية الهجوم الصاروخي الذي شنته الجمهورية الإسلامية على الدولة العبرية يوم الثلاثاء الماضي، والذي توعدت إسرائيل بالرد عليه.
وحذرت طهران من أنها سترد بقوة على أي هجوم إسرائيلي على أراضيها، لافتة إلى أنها لا تسعى إلى حرب أوسع نطاقا في المنطقة.

< أ ف ب

****

الحرب عبء جديد يثقل كاهل اللبنانيين بعد أزمات متلاحقة

بعدما أنهكتهم أزمات متلاحقة على مدى سنوات، يجد اللبنانيون أنفسهم راهنا تحت رحمة حرب تلقي بظلالها على صحتهم النفسية، إلى درجة بات كثر منهم “غير قادرين على التحمل”، وفق ما يحذ ر مختصون.في رسم كاريكاتوري بعنوان “حلوى لبنانية”، يصور اللبناني برنار حاج تراكمات اختبرها اللبنانيون في السنوات الأخيرة على أنها قالب حلوى من طبقات عدة، تمثل كل واحدة منها محنة: الانهيار الاقتصادي، وباء كوفيد، انفجار مرفأ بيروت، الأزمة السياسية، اكتئاب جماعي. وتأتي الحرب لتشكل حبة الكرز التي تزين أعلى قالب الحلوى.
ويلخص الرسم أزمات يعيشها اللبنانيون منذ الأزمة الاقتصادية التي بدأت في خريف 2019، مرورا بوباء كوفيد وانفجار مدمر في مرفأ بيروت في صيف 2020. وتصف المعالجة النفسية كارين نخلة تلك التراكمات بأنها “صدمات جماعية متلاحقة لم تتوقف أبدا”.
ونخلة مسؤولة في منظمة “إمبرايس”، التي تعنى بالصحة النفسية وأنشئت عام 2017 للحد من الانتحار. ويتلقى العاملون في المنظمة “المدربون والمؤهلون بشكل كبير” اتصالات على مدى 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع.
وتقول نخلة إنهم يتلقون حوالي خمسين اتصالا يوميا من “أشخاص تحت الصدمة، يعانون من الهلع، كثر منهم يتصلون من مناطق تتعرض للقصف، يتساءلون فقط ما الذي ينبغي عليهم فعله”.
وأدى القصف الاسرائيلي على جنوب لبنان وشرقه وعلى ضاحية بيروت الجنوبية، معاقل حزب الله، إلى مقتل أكثر من 1100 شخص خلال 15 يوما، ونزوح أكثر من مليون شخص في أنحاء مختلفة في لبنان، وفق السلطات اللبنانية.
في بيروت التي تستقبل عشرات الآلاف من العائلات النازحة، تبدل المشهد سريعا في غضون أيام، فأصبحت ملجأ لعائلات توجهت إلى مراكز إيواء مؤقتة أو لدى أقارب أو شقق مستأجرة، إضافة إلى زحمة سير خانقة كبلت شوارعها.
خلال ساعات الليل، تجبر سلسلة من الغارات التي تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية عائلات على الفرار، على وقع دوي انفجارات ضخمة، تهتز بسببها النوافذ، وتندلع منها روائح البلاستيك ومواد محترقة.
توقظ هذه التجربة مجددا في نفوس اللبنانيين صدمات قديمة وجديدة، بينها انفجار المرفأ وحرب يوليو 2006 بين حزب الله واسرائيل، والحرب الأهلية اللبنانية الدامية (1975-1990).
يتخطى القلق المناطق التي تحولت إلى ساحة حرب، ليدفع الثمن مدنيون خائفون بعيدا عن خطوط النار.
تقطن ريتا باروتا (45 عاما) قرب مدينة جونيه “الهادئة” ذات الغالبية المسيحية شمال بيروت. هناك، لا تسمع أصوات الغارات. لكنها رغم ذلك تقول إنها “لا تجد كلمات لوصف ما يجري الآن”.
وتضيف باروتا، وهي أستاذة جامعية “لا أعرف الشخص الذي كنته قبل 15 يوما، الأكل والنوم والاعتناء بنباتاتي، كل ذلك لم يعد موجودا”.
وتكمل “لقد أصبحت شخصا آخر، كل ما يهمني الآن هو كيف يمكنني أن أقدم يد العون”.
عبر هاتفها، تنهمك باروتا ليلا نهارا في البحث عن مأوى لأشخاص باتوا على الطرقات، ولترشدهم نحو مراكز إيواء يحتمون فيها، أو لتوفير أدوية تنقصهم.
وتروي “حين أتوقف عن العمل لخمس دقائق، يراودني شعور بالفراغ التام”، معتبرة أن مساعدة الآخرين هو السبيل الوحيد لتجنب الشعور بأنها “منهكة ومذعورة”.
وترى باروتا التي كادت تفقد والدتها في انفجار المرفأ وتحتفظ بذكريات حية عن حرب 2006، أن “ما يحدث اليوم ليس مجرد إيقاظ لصدمة قديمة، بل شعور هائل بالظلم”. وتسأل “لماذا نعيش هذا كله؟ لا أعرف ما إن كان ذلك الضربة القاضية”.
تفيد دراسة أعدتها منظمة “إدراك” غير الحكومية عام 2022، ونشرتها في سبتمبر، أن ثلثي اللبنانيين على الأقل يعانون من اضطراب نفسي.
يوصف رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى أوتيل ديو في بيروت رامي بو خليل الوضع الحالي بالقول “لسنا بخير جميعا، بشكل أو بآخر”، من اكتئاب وقلق واضطراب ما بعد الصدمة.
ويقول بو خليل “لدى اللبنانيين قدرة خارقة على الصمود”، لافتا خصوصا إلى الدور الذي يلعبه الدعم العائلي والمجتمعي والديني.
ويشرح “لكننا نتعامل مع ظاهرة تراكم التوتر، الذي يجعل الكأس يفيض(…)” مضيفا “لسنوات ونحن نحشد مواردنا الجسدية والنفسية والمالية. الآن، لم يعد الناس قادرين على التحمل”.
ويعرب بو خليل عن قلقه لرؤية مرضى “يتطلب وضعهم الدخول إلى المستشفى” لكنهم عاجزون عن ذلك لأسباب مادية، وآخرين يتدهور وضعهم لأنهم “غير قادرين على تحمل مزيد من الصدمات”.
يلاحظ الطبيب أيضا زيادة في تناول الحبوب المنومة. ويقول “يريد الناس أن يناموا”، ومن الأسهل تناول الأدوية عندما لا يتوفر لديهم المال أو الوقت لاستشارة الطبيب.
وتشير كارين نخلة أيضا إلى أن “كثرا لا يستطيعون الوصول إلى خدمات الصحة النفسية”، مع وصول كلفة الاستشارات النفسية الخاصة إلى قرابة مئة دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين.
وتراوح فترة الانتظار للحصول على استشارة مجانية في جمعية “إمبرايس” بين أربعة إلى خمسة أشهر.
وتقول نخلة “الحاجة الآن” للخدمات النفسية “هي أكبر من أي وقت مضى”.

أ ف ب

Top