نجاح المؤتمر…

يشترك مناضلات ومناضلو التقدم والاشتراكية اليوم في القناعة بنجاح مؤتمرهم الحادي عشر، الذي أقيم ببوزنيقة، ولا يخفون اعتزازهم بذلك، ويعرضون أكثر من مؤشر للدلالة على هذا النجاح.
الجميع يدرك ما يلف الحقل الحزبي والممارسة السياسية من تراجعات وتجليات تدني، وأيضا ما يسود في مجتمعنا من لامبالاة وعزوف واختلالات السلوك والممارسة في السياسة…
وإذا أضفنا إلى هذا مصاعب الظرفيات الاقتصادية والمجتمعية، وما يحياه العالم كله من تبدلات، مست كذلك القيم والتمثلات والعلاقات ومستويات الالتزام، فإن مجرد انعقاد المؤتمر في توقيته، وبلوغ مرحلة افتتاح أشغاله، يعتبر، في حد ذاته إنجازًا ومؤشرا أولا على النجاح.
لقد عقد حزب التقدم والاشتراكية مؤتمره الوطني الحادي عشر في التوقيت اللازم، وفي احترام لأحكام ومساطر القانون المنظم للأحزاب، وفي انسجام مع أنظمة وقوانين الحزب، وبدأت أشغاله بالمصادقة على تقرير لجنة الانتداب.
وقبل لحظة الافتتاح مساء الجمعة ببوزنيقة، كان الحزب قد نجح في الإعداد المادي واللوجيستيكي المتعلق بالمؤتمر، ومكن ذلك مئات المؤتمرات والمؤتمرين من اللقاء في بوزنيقة، كما نجح أيضا في التحضير السياسي والأدبي والتنظيمي للمؤتمر، وذلك وفق المنهجية المعهودة لدى الحزب على هذا المستوى، وكان أيضا قد نجح في تفعيل نقاش حزبي وعمومي حول مختلف مشاريع الوثائق المعروضة على المؤتمر، وتعددت المبادرات التواصلية والإشعاعية ذات الصلة بذلك…
هذه أيضا مؤشرات عملية وملموسة للتأكيد على نجاح المؤتمر، ومن لا يقدر أهميتها لا يعرف حجم ما تمثله من صعوبات وضغوط عملية.
لقد تميز مؤتمر التقدم والاشتراكية كذلك بسلاسة إنجاز مهماته، وعرف مصادقة واسعة على مختلف مقرراته ووثائقه، كما أن لجان المؤتمر، وخصوصا لجنة الوثيقة السياسية ولجنة القانون الأساسي، تميزت بمناقشات عميقة وجادة، ساهمت في بلورة الآراء والاقتراحات داخل المؤتمر، ما أفضى إلى تشكل خارطة طريق للمستقبل، عبر تصويت المؤتمر عن التفاف الحزب حولها، والاتفاق على العمل لتنفيذها، والسير بشكل وحدوي ومنسجم وفق أهدافها وتطلعاتها.
وحتى الحساسيات التي تفرزها أحيانا عمليات تشكيل الهياكل التنظيمية، بقيت محدودة، ولم تؤثر على السير العام للمؤتمر أو على خلاصاته.
لا يعني ما سبق، أن المؤتمر كان يمشي بشكل خطي رتيب أو بلا تباينات في التقدير، أو أيضا بلا حدة في التعبير، ولكن أجواء الحماسة والثقة وسط المؤتمرات والمؤتمرين هي التي أتاحت لمختلف مراحل المؤتمر العبور بسلاسة، والخروج من بوزنيقة بتطلع جماعي إلى المستقبل.
مؤتمر التقدم والاشتراكية ببوزنيقة يعرض أمام المتابعين والمهتمين والرأي العام الوطني: التقرير السياسي الذي تلاه الأمين العام في الجلسة الافتتاحية، النص الكامل للوثيقة السياسية، وهي أيضا أطروحة برنامجية، تعديلات القانون الأساسي، البيان الختامي للمؤتمر…، وهذه أدبيات مركزية تجسد منظومة الرؤية الفكرية والسياسية والتنظيمية للحزب، وهي التي يجب أن تحضى اليوم بالقراءة والتحليل والنقد والتطارح لإغناء الإنتاجية السياسية العامة في بلادنا، ولتمتين القدرة الاقتراحية للأحزاب الجادة.
مؤتمر التقدم والاشتراكية شهد، كذلك، في جلسته الافتتاحية، حضورا حاشدا وواسعا للطيف السياسي والمؤسساتي والنقابي والجمعوي ببلادنا، علاوة على فنانين ومثقفين وشخصيات أكاديمية وإعلامية ونضالية، وهذا الالتفاف المجتمعي يؤكد عراقة حزب مثل التقدم والاشتراكية يخلد العام الثمانين على ميلاده، ويؤكد مصداقيته واحترامه وجديته…
هذه محددات جوهرية لقراءة مجريات مؤتمر بوزنيقة، أما الإمعان في التنقيب عن خلافات، قد تكون حقيقية أو أنانية أو متخيلة، فهذا لا يقدم لحقلنا السياسي وممارستنا الحزبية أي قيمة مضافة، كما أن إعداد الوصفات التنظيمية الجاهزة من وراء شاشات الهواتف والحواسيب والتنظير الخارجي المتعالي لفرضها أو اعتبارها وحدها الصالحة لكل زمان ومكان، فهذا كله لا يعدو أن يكون تبسيطية بدائية، ذلك أن العملية التنظيمية تؤطرها قوانين وأنظمة ومرجعيات، وهي أيضا شأن الأعضاء قبل غيرهم، والنظر إليها وقراءتها تحتمل أكثر من زاوية أو وجهة نظر.
المهم اليوم هو أن حزبا مثل التقدم والاشتراكية نجح، من خلال مؤتمره الحادي عشر، في استمرارية وجوده، وفي اكتساب نفس جديد للمضي نحو المستقبل، بالرغم من عديد إكراهات ضاغطة في مجتمعنا ووسط الساحة السياسية الوطنية.
والمهم كذلك أن مؤتمر بوزنيقة نجح في تعزيز الالتفاف الحزبي الداخلي، وشهد حضور أجيال مختلفة من المناضلات والمناضلين، وفضلا عن أطر حزبية قضت داخل التنظيم أربعة أو خمسة عقود، حضرت طاقات حزبية جديدة وفعاليات عززت صفوف الحزب في السنوات الأخيرة، والتقى الجميع ضمن نسق تنظيمي وحدوي ومتطلع إلى المستقبل بالكثير من الحماسة والثقة.
مقررات المؤتمر الحادي عشر تسعى أن تبني مرحلة حزبية جديدة من خلال تجديد البنيان الهيكلي والتنظيمي للحزب، وتحديث أساليب العمل التنظيمي وبنيات الاستقبال، وتمتين النجاعة والفاعلية في الأداء، أي عبر إعمال أهداف خارطة الطريق التي تجسدها الوثائق التي أقرها المؤتمر.
المؤتمر كذلك قدم مدخلا لافتا جسده حضور القوى اليسارية والتقدمية والديموقراطية في جلسته الافتتاحية، وهو ما قد يؤسس لبداية مسار تفاعلي مختلف، ويستطيع البناء على مؤشراته لاقتراح مبادرات سياسية ونضالية في المستقبل.
ولقد تميز هذا المؤتمر بحضور أحزاب أجنبية عديدة، وأخرى بعثت رسائل دعم وتحية للمؤتمر لتعذر حضورها الفعلي، وهذا يجعل التقدم والاشتراكية يستعيد علاقاته العربية والإفريقية والعالمية التي عرف بها منذ عقود، وهي العلاقات التي بإمكانها المساهمة في خدمة القضايا الوطنية لبلادنا وشعبنا…
النجاحات التي حققها المؤتمر الحادي عشر لحزب التقدم والاشتراكية لم تكن فقط وظيفية أو تنظيمية داخلية أو مسطرية وإجرائية، وإن كان الأمر على هذا المستوى لا يخلو، طبعا، من أهمية كبيرة، ولكن النجاح كان سياسيا وفكريا، وكان أيضا إشعاعيا وديبلوماسيا، والأهم أنه شكل لحظة استعادة الثقة وسط مناضلات ومناضلي الحزب، وتجديد التعبير عن حماسهم النضالي ووحدتهم التنظيمية وتفاؤلهم بالمستقبل، وأعطى لشعبنا فرصة لتقوية أمله في تعزيز الثقة في السياسة وعمل الأحزاب، والإمساك بالمصداقية والنبل في العمل السياسي.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top