نقاش حقيقي في البرلمان

نجح مجلس النواب هذه المرة في التأسيس لنقاش جدي وعميق حول مشروع القانون رقم01 .12  المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة لعسكريي القوات المسلحة الملكية، وخصوصا من خلال الجدل والاعتراض الخاصين بالمادتين السابعة والثامنة من النص الذي تتواصل دراسته داخل لجنة الخارجية والدفاع والأوقاف والشؤون الإسلامية بالغرفة الأولى.
مناقشات البرلمانيين جاءت متفاعلة أيضا مع آراء عبرت عنها منظمات حقوقية وطنية، ومع قراءات تدوولت في وسائل الإعلام وفي الأوساط القانونية، ما أدى بالمداولات النيابية إلى السير في اتجاه طلب رأي استشاري من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وربما الوصول إلى توافق بشأن تعديل المادتين موضوع الاعتراض.
الأمر هنا لا يتعلق بالدفاع عن الوطن وحوزته الترابية، كما أنه لا يمس في شيء التقدير الكبير الذي يكنه كل المغاربة وكافة القوى السياسية والمجتمعية للقوات المسلحة الملكية، وإنما هو يتعلق أساسا بمنظومتنا الجنائية والقانونية الوطنية، ويندرج ضمن مسيرة المجتمع لتمتين دولة القانون، وللتنزيل الديمقراطي لمقتضيات الدستور الجديد.
لم يعترض أحد على ما حمله المشروع من ضمانات قانونية للعسكريين في مجال التوظيف، والاستفادة من الحقوق والحريات الأساسية التي يضمنها الدستور لكافة المواطنين، فضلا عن الحماية القانونية والاجتماعية، وتوفير الضمانات اللازمة للمسار الإداري…
ولكن الجدل أثير حول مضمون وصيغة المادة السابعة بالخصوص، وأجمعت مناقشات البرلمانيين واعتراضات الفاعلين الحقوقيين على أن دستور المملكة يمنع التمييز، بما في ذلك القائم على أي وضع شخصي مهما كان، كما أنه يشدد على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وينص على أن كل الأشخاص، ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمام القانون، وملزمون بالامتثال له، فضلا على أن القانون الأسمى للبلاد نص على دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي ألحت على دولة القانون والمؤسسات، وعلى الحكامة الأمنية، وعلى واجبات الأجهزة الأمنية المكلفة بتنفيذ القوانين، وعلى ضرورة السعي لعدم تكرار ما عاشته البلاد في سنوات الرصاص من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وعلى تحريم الإفلات من العقاب، وعلى إعلاء المرجعية الكونية لحقوق الإنسان.
وبالإضافة إلى أحكام الدستور، هناك أيضا القوانين الوطنية الأخرى ذات الصلة، والتي جاءت بعض مواد المشروع متناقضة معها، ثم هناك الالتزامات الحقوقية الدولية للمغرب التي تفرض عليه ترسيخ المساواة في الحقوق والواجبات، ورفض التمييز أمام القانون.
بصفة عامة، فإن النص المعني يجب أن ينتظم في السياق الحقوقي والسياسي الحالي للبلاد ومحيطها الإقليمي والدولي، كما أنه يجب أن يدعم الدينامية الجارية في البلاد وليس العكس، ومن هذا المنطلق، فإن الحوار الثري الذي شهدته لجنة الخارجية بمجلس النواب يستحق فعلا التثمين، مثله مثل التعبئة التي عبرت عنها الحركة الحقوقية في التفاعل مع مناقشات المؤسسة التشريعية، وهو ما يجب أن يشمل قوانين ومحطات أخرى تهم التشريع وتقييم السياسات العمومية، والتنزيل الديمقراطي للدستور.

Top