عكس ما يضنه الكثير، تشكل النقابات والعمل النقابي أهم ما يحافظ على السلم الاجتماعي في دول العالم فأي تحرك في الدول المتقدمة التي تعتبر نقاباتها مستقلة وغير متحكم فيها، يعتبر مؤشرا على وجود خلل ،يجعل صاحب العمل في القطاع الخاص أو الدولة ملزمون على التفاوض والإنصات و إيجاد حلول ترضي جميع الأطراف إما الاستجابة إن كانت المطالب معقولة ومنطقية أو الرفض إن أثبتت الدولة أو صاحب العمل أن المطالب فوق طاقتها بالأرقام والدلائل أو تحقيق جزء من تلك المطالب، وأي تلاعب أو استهانة أو تحكم في العمل النقابي سواء من الحكومة أو النقابيين أنفسهم لن يصب في صالح الهدوء والسلم الاجتماعي.
ولمعرفة الدور المحوري للنقابات والأحزاب عموما، يمكن الاستفادة من ما يقع بدول الجوار و خصوصا بالجارة الجزائر وتونس، ففي الجزائر أجمع المحللين أن الإشكال الحالي التي تعيشه الجارة الشرقية هو من يستطيع أن يخلف “بوتفليقة” الذي يجري حاليا فحوصات في سويسرا، فقد غيبت النخب وتلاعب بالأحزاب من طرف من يحكم على أرض الواقع من جنرالات وشبكة نفوذ ممتدة إلى مستعمر قديم لا يزال يرسم سياسة المنطقة اقتصاديا، حتى الحزب الحاكم وما يملكه من رمزية تاريخية لم يعقد مؤتمره وتحيط به إشكالات عدة أما النقابات فلا يسمع لها أثر. إنها نتيجة التحكم في الواقع السياسي لكثير من الدول العربية والإسلامية إنه لعب بالنار إنه السكون جراء أدوية تسكن ولا تداوي الألم، أما تونس فهو الضوء الوحيد في المنطقة والكل شاهد كيف جنب إتحاد الشغل في تونس رفقه نخب كانت جراء طبقة متوسطة متنورة ، نخبة جنبت تونس الانجرار إلى الفوضى والدليل هو حصول النقابة رفقة فاعلين آخرين جائزة نوبل للسلام.
لا يختلف اثنان على أن دور النقابات هو تأطير الشغيلة وخلق نخب قادرة على التفاعل والمشاركة السياسية، وملمة بالحقوق والواجبات ، أما من أراد أن يحسب عدد الأنشطة الحزبية أو النقابية في المغرب مقارنة مع الملايير التي تأخذها من خزينة الدولة فقد يصاب بالذهول ، فهناك نقابات حتى الجموع العامة لا تعقدها أو تؤجلها ،فالقانون الأساسي والمؤتمرات الوطنية تشكل كوابيس لرؤساء بعض النقابات الدين يعتقدون أنهم خالدون .
أي متتبع للشأن الحزبي والنقابي بالمغرب يلاحظ ضعف الأنشطة النقابية الخاصة بالتأطير وغياب الندوات جهويا ومحليا ،وعدم خلق منتديات فكرية و تنضيم محاضرات مهنية وعلمية حول سبل تطوير الكفاءات لزيادة المردودية والتكوين المستمر و توجيه أي تحرك من قبل الشغيلة واليد العاملة وما يلزمه من إجراءات قانونية تحافظ على السير العام للمرافق من إشعار للسلطات قبل أي وقفة أو تحرك وضبط الشعارات وتحديد مسار المسيرات و غيرها من الأمور التي تجعل من أي تحرك هادف ويصب في صالح الجميع .
وخير دليل على غياب وعي نقابي وضبابيته في المغرب هو ما اتضح من خلال خروج التلاميذ في إضرابات جراء إقرار التوقيت الصيفي على طول العام ،والحمد لله أن الأمور عادت إلى طبيعتها ، وكذلك الإضراب الأخير للأطر التربوية المتعاقدة وغيرها وما رافقه من ارتجال وتخبط بعض النقابات من حيت المشاركة تم الخروج عن التنسيق . و السبب هو الغياب والتغييب المتعمد أحيانا للأحزاب و النقابات والجمعيات المواطنة، التي لم تعد قادرة على العطاء وفقدت دورها في التأطير و إسماع صوت القوى العاملة و تبنى همومها عبر المراسلات و تبني الملفات قضائيا في إطار إستقلال تام للسلطة القضاءية عن التنفيدية والتشريعية وهو مؤشر يحدد درجة تقدم الشعوب و رقيها، وإنشاء مراصد حقوقية للتدوين والوساطة النزيهة بين العمال وأرباب العمل و تسليط الضوء على الإشكالات إعلاميا تم التحرك بما يسمح به القانون لتخفيف الاحتقان وإقناع الأطراف المتضررة بأن هناك من يدافع ويتبنى الهموم و عدم ترك الساحة للمجهول و للاحتجاج الغير المنضبط .
تحرك التلاميذ الأخير ضد إقرار التوقيت الصيفي على طول العام و احتجاجات شباب بعض مناطق المغرب والذي شكلت له فرق برلمانية للتحقيق، جاء نتيجة فشل الأحزاب والنقابات و ضعفها أو في أحسن الأحوال أنها تعرف هامش التحرك الخاص بها ، وحتى النقابات لم تعد كما كانت، فإما أدرع نقابية لأحزاب سياسية تتجاذب كما الحكومة والمعارضة أو نقابات هرمة هم رؤسائها التمديد والبقاء وإهمال الشباب، ولعب خبيث على وتر السلم الاجتماعي مقابل التستر على ملفات الكل عالم بخباياها وغياب الشفافية في تدبير ملايير من ميزانية الدولة، واقع مرير ترك الساحة فارغة للمجهول فحتى نقابات التعليم التي كانت نسبيا رائدة وحققت أشواط من النضال الرزين بدأت تخفت وحمل المشعل من طرف تنسيقيات تضم الكل ولا تنصت لبعض القيادات المتجاوزة ونموذج تنسيقية المتعاقدين خير نموذج
احتجاجات التلاميذ الأخيرة أمام البرلمان مؤشر على غياب النقابات عن الساحة ،فقد فشلت النقابات وغاب دورها لتخفيف الاحتقان الذي أحس به الآباء وبالطبع من وراءهم الأبناء وترك الأمر للمجهول ،ولكن تحرك التلاميذ يجب أن يدرس بتمعن جيد بعيد عن المزايدات واستحضار مصلحة الوطن ولا شيء غيره، إضراب التلاميذ ووقفتهم أمام المدارس وداخلها وأمام المؤسسات الأكثر رمزية كالبرلمان ،كان جراء عدم وجود فكر نقابي ولضبابية المشهد عموما.
أما من بين أفات العمل النقابي في المغرب هو غياب القانون المنضم للإضرابات ، و الذي أصبح ورقة تستعمل من طرف الجميع للمقايضة و الابتزاز،وهو موجود و معد في يد الحكومة ،فالأخيرة عندما تريد تمرير رؤيتها للحوار الاجتماعي أو الضغط ، تستعمل ورقة قانون النقابات الذي يتضمن بنود لن ترضى عليها حتما جل نقاباتنا في المغرب خصوصا الشق المتعلق بمراقبة الدولة للأموال التي تقدم من جيوب دافعي الضرائب، إضافة إلى تحديد فترة ولاية الزعماء الخالدون إلى غيرها من النقط التي تحرج بعض النقابات الكبرى بالمغرب ،والنقابات نفسها تريد قانون الإضراب لعدم ترك المجال للتنسيقيات أن تقوم بالإضراب لتبقى لنفسها ورقة الإضراب للمقايضة ، أما ما نراه مناسبا هو تشجيع التنسيقيات والاستماع إليها وإشراكها والإنصات إليها كجمعيات مجتمع مدنى وشبابي لان أغلب كوادرها من من لم تعجبهم قواعد اللعب الخشن والفاسد أحيانا .
< باهي نورالدين