يحدث في … قطر

اهتمت أوساط سياسية وديبلوماسية إقليمية ودولية عديدة، فضلا عن كبريات وسائل الإعلام عبر العالم، بالأخبار القادمة من العاصمة القطرية الدوحة بشأن اعتزام أمير البلاد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني تسليم السلطة إلى نجله ولي العهد الشيخ تميم، وإجراء تعديل وزاري مهم قد يؤدي إلى فقدان الرجل القوي في الإمارة رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني منصبه، أو على الأقل حقيبة وزارة الخارجية التي يتولاها أيضا.
إن الاهتمام المذكور ليس مرده فقط إلى القوة المالية لهذه الإمارة الخليجية، ولا إلى الحسابات الداخلية، سواء داخل الأسرة الحاكمة وبين أمرائها، أو من حيث النفوذ القوي الذي يتمتع به رئيس الوزراء الحالي، ولكن الاهتمام مرده إلى كثير رهانات سياسية وإستراتيجية كبرى، تجعل قطر اليوم في صدارة أحداث وتحولات تشهدها المنطقة الأكثر سخونة وحساسية في العالم.
من المؤكد أن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قد نجح في الانتقال ببلده الصغير جدا من وضع إلى وضع آخر لا علاقة له بما كان عليه البلد على عهد والده، وذلك إن على صعيد الصورة العامة للبلاد ومنظوماتها العمرانية والتدبيرية، أو أيضا على مستوى البنيات الاقتصادية والاجتماعية، وكذا من حيث الحضور السياسي والاستثماري الدولي الذي تمتلكه قطر اليوم في العالم كله، لكن، في نفس الوقت، ففي قطر لا تجد من ينشغل بضرورة التوفر على برلمان مثلا، أو على انتخابات، كما أن الأحزاب غير موجودة في البلاد أصلا، وكذا النقابات والجمعيات، ولا أحد بإمكانه التظاهر في الشارع أو الاحتجاج، وحتى وعد الأمير بانتخاب مجلس شورى في البلاد عند متم العام الجاري، بدل تعيينه، لا أحد يعرف اليوم مصيره، وكل هذا، جعل الإمارة الغنية بالنفط والغاز تحيا داخل مفارقة كبيرة وصارخة جراء دعمها الكبير للثورات والحراكات التي عاشتها بعض البلدان العربية، وفي المقابل لا حديث عن أي تململ ديمقراطي ولو في حده الأدنى بالنسبة للداخل القطري.
الإعلان اليوم عن نقل السلطة إلى ولي العهد، وبغض النظر عن موعد انجاز ذلك، وأيضا عن غياب جواب قانوني في الدستور وفي نظام حكم الدولة للشكل المناسب لتنفيذ ذلك، يفتح باب الأسئلة حول ما إذا كان ذلك سيؤسس لبداية تحول سياسي ومؤسساتي داخلي يقطع مع نظام المشيخة التقليدية، أم أنه لن يعدو كونه إعادة ترتيب لأوراق السلطة والنفوذ داخل الأسرة الحاكمة، خصوصا أن الكثيرين يتحدثون، في بلدان مجلس التعاون الخليجي وخارجها، عن إعجاب ولي العهد بالإخوان المسلمين وفكرهم…
في كل الأحوال، فان ما يعتمل داخل قطر يبين أن دينامية التحول يمكن أن تصل حتى إلى داخل إمارات الخليج المعروفة بانغلاقها الشديد، وبأن المطالب يمكن أن تطفو على السطح هنا أيضا، وبأن كل هذا يجعل كافة البلدان في العالم مجبرة اليوم على الإنصات إلى نبض شعوبها، والحرص على الترسيخ المستمر للديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان…
في الأفق تحولات أخرى قادمة.

Top