تجري امتحانات الباكالوريا هذا العام على إيقاع مشاهد وأخبار الغش الذي يلجأ إليه التلاميذ، وما تنقله مواقع التواصل الاجتماعي ومجالس الحديث عن”التقنيات” المستعملة في ذلك، وأيضا مساعي السلطات والوزارة الوصية لمحاربة هذه الآفة.
بالرغم من لغة الأرقام والنسب التي تعتمدها بلاغات الوزارة، وتأكيدها على أن ظاهرة الغش تراجعت، وأن الحالات التي ضبطت في اليوم الأول بلغت ما يزيد عن سبعمائة، وذلك مقابل أزيد من ألف وثمانمائة حالة غش جرى ضبطها عقب اليوم الأول من امتحانات السنة الماضية، فإن الظاهرة، بحسب ما تتناقله مختلف الأطراف، باتت مقلقة فعلا، وتفاقمها يسيء لمصداقية الشهادة الوطنية وصورتها العامة.
عبر مواقع التواصل الاجتماعي جرى تسريب الأسئلة وصور أوراق الامتحان، وذلك كما لو أن الأمر يحمل تحديا للقرارات الزجرية التي هدد بها الوزير حصاد، وشاهدنا أيضا تصريحات بعض التلاميذ لم يترددوا في الدفاع عن “الغش”، وعن “حقهم” في إقترافه، كما نقلت إلينا بعض الأخبار تعرض مدرسين ومراقبي الامتحان إلى الاعتداء الجسدي في حق الأساتذة والمراقبين، ووقع أيضا اعتداء على مؤسسة تعليمية وخربت ممتلكاتها…
إن أجواء امتحانات الباك وظواهر الغش من لدن التلاميذ، تكرسان الوضع المتدهور والخطير الذي بلغه تعليمنا المغربي، والدرك الأسفل الذي وصلت إليه مدرستنا الوطنية.
لا يتعلق الأمر هنا فقط بإقدام التلاميذ على تحدي إجراءات الوزارة، ولجوئهم إلى تطوير أساليب الغش، ولكن الأخطر يبقى هو العقلية، وأيضا “القناعات” المترسخة في عقول هؤلاء الفتية والشباب، والقائمة على أن الغش في الامتحان هو “حق” لهم، كما يجب على الوزارة، بحسبهم، وضع أسئلة الامتحان بشكل ميسر ويتيح لهم إدراكها وإيجاد الأجوبة بسهولة، ثم إنهم لا يترددون في الإقدام على أي شيء مقابل تحقيق ما يحلمون به، وذلك إما بالاعتداء البدني على المدرسين والمكلفين بالحراسة أو بتخريب المؤسسة وممتلكاتها أو حتى بمحاولات الانتحار …
وإذا أضفنا هذه العقلية المتفشية وسط التلاميذ إلى المستوى العام للتلاميذ في أغلب المواد، والضعف المهول في مستوى التعلم لديهم، وفي مستوى امتلاك المعارف والمهارات، فإن الأمر يصير ذَا خطورة أكبر، ويهم جيلا بكامله يمشي نحو الضياع.
عشرات الآلاف من التلاميذ يعانون اليوم من الضعف الخطير في مستوياتهم المعرفية والتعلمية، والتكوين في المدرسة المغربية صار في الدرجة الصفر على صعيد الجودة والنجاعة، علاوة على نوع من التطبيع والتصالح مع الغش يبدوان واضحين اليوم عند التلاميذ، وكل هذا يضع مصداقية الباكالوريا المغربية في عمق السؤال.
الوضعية إذن تقتضي اليوم مخطط عمل شمولي ومستعجل، ويكون هدفه المركزي العام هو إنقاذ المدرسة المغربية، وإحداث تغيير ناجع وفعلي في القطاع، وذلك من دون أي تضييع للوقت أو حلول جزئية وترقيعية.
إطلالة قصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، وأيضا الاستماع إلى ما يقوله التلاميذ عبرها، يجعلاننا ندرك حقيقة الوضع الكارثي الذي وصله تعليمنا اليوم، ومن ثم لم يعد مسموحا لبلادنا تضييع المزيد من الوقت في الكلام، وانما صار جد مستعجل اليوم إعلان إجراءات ملموسة لإصلاح التعليم، وأن تستعيد المدرسة المغربية جودتها وجاذبيتها، وأن يتم وقف النزيف.
محتات الرقاص