قال المؤلف والكاتب المسرحي الأمازيغي سعيد أبرنوص، إن الحل الأساسي والرئيسي للنهوض بالمسرح الأمازيغي، هو أن تحظى الثقافة بدعم كبير، وأن تحظى باهتمام بالغ خصوصا من حيث العناصر التي تظهر ثقافة المغرب الغنية والمتنوعة.
وأضاف أبرنوص في حوار أجرته معه «بيان اليوم»، أن المخططات والسياسات التي يتم نهجها يجب أن تشمل، بالموازاة مع تشييد المسارح الكبرى، خلق تكوينات موازية من شأنها أن تغني المسارح بالأنشطة، عوض العروض الموسمية، حيث أوضح أن الأعمال اليومية والتدريبات تجعل من الفضاء المسرحي فضاءً حيا.
الكاتب المسرحي الأمازيغي يستعرض في هذا الحوار نبذة من تجاربه الفنية والمسرحية، كما يعود بنا إلى بداياته، بالإضافة إلى أنه يقدم رأيه بخصوص العديد من القضايا التي تتعلق بالمسرح الأمازيغي.. وفيما يلي نص الحوار:
< تحدث لنا عن تجاربك؟ في أي سنة دخلت غمار التأليف والكتابة المسرحية؟
> لن أتحدث عن البدايات المحددة، سوف أقتصر في هذا الجانب على الحديث عن أواسط سنة 2005 والتي بدأت فيها بالاحتكاك مع مجموعة من الفرق التي تحتاج إلى التأليف. كانت أول تجربة لي آنذاك عبر مسرحيات الأطفال والتي لقيت اهتماما كبيرا وحصدت جوائز وشاركت في مهرجانات، بعدها اشتغلت مع فرقة “ثفسوين” التي تهتم بمسرح الكبار والتي اشتغلت معها على العديد من العروض منها “عروس من حجر” والتي لقت نجاحا كبيرا سنة 2007 ثم “فاروق أزناط”، كانت هناك مجموعة من الأعمال رفقة هذه الفرقة، قبل أن أشتغل كذلك مع جمعية أريف والتي اشتغلت معها على العرض المسرحي “من أحرق الشمس” والتي فازت بجائزة المهرجان الوطني للمسرح بتطوان سنة 2016.
أذكر أنني خلال 11 سنة الماضية اشتغلت على ما يزيد عن ثماني مسرحيات، وذلك بدعم من وزارة الثقافة، وأغلب هذه المسرحيات التي ألفت توجت بجوائز وطنية ودولية.
< بنظرك ما هي الإشكالات التي تعترض وتواجه المسرح الأمازيغي اليوم؟
> أعتقد أن المشكل الكبير اليوم هو عدم وجود سياسة ثقافية تصل إلى عمق المسرح لتشمل جل تيارات المسرح المغربي ومن بينها المسرح الأمازيغي، كما أن هناك ضعفا أو غيابا شبه كامل لمراكز التكوين ودور الشباب التي تربي الشباب على الإبداع وتترك لهم حرية الاشتغال على المسرح، كما أن هناك ضعفا في التشخيص في المراكز القليلة الموجودة، بالإضافة إلى ضعف السنوغرافيا والإخراج خصوصا إخراج الأعمال المسرحية الأمازيغية. والإشكال الكبير ليست هناك تقنية في قوة المسرح الأمازيغي، من أجل أن يكون مسرحا قائم الذات، ومن أجل أن يصل إلى مستوى العالمية، إذ أن هناك مسرح أمازيغيا وفق الأهواء. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الفنان الأمازيغي يبذل مجهودات كبيرة في تكونيه الشخصي، خصوصا مع غياب أي تكوين مستمر يهم تطوير الابداع على مستوى المسرح الأمازيغي.
< بناء على ما سبق، ما هي برأيك الحلول المناسبة للنهوض بالمسرح بشكل عام والمسرح الأمازيغي بشكل خاص؟
> أعتقد أن الحل الأساسي والرئيسي اليوم هو أن تحظى الثقافة بدعم كبير وأن تحظى باهتمام بالغ خصوصا من حيث العناصر التي تظهر ثقافة المغرب الغنية والمتنوعة، فالمخططات والسياسات التي يتم نهجها يجب أن تشمل، بالموازاة مع تشييد المسارح الكبرى، خلق تكوين مستمر وخلق تكوينات موازية من شأنها أن تغني المسارح بالأنشطة، عوض العروض الموسمية، حيث أن الأعمال اليومية والتدريبات تجعل من الفضاء المسرحي فضاءً حيا. ومن الضروري كذلك ان يتم وضع سياسة متميزة لإعطاء المغرب قوة أكبر وصورة متميزة، هذه الصورة يمكن التعبير عليها بالمسرح باعتباره وجها من أوجه الثقافة.
< موازاة مع ذلك، كيف ترى دور الاعلام في التعريف بالفن المسرحي الأمازيغي؟
> بكل صراحة وجرأة، مايزال تعامل الإعلام تعاملا بئيسا وكارثيا، لا أفهم ما هي الصورة التي يريدون تسويقها للمغاربة، خصوصا وأنه نرى أن هناك شبه تجاهل للأعمال الجدية وتجاهلا تاما للمسرح وخصوصا المسرح الأمازيغي بشكل عام. لذا يجب على المسؤولين عن الاعلام إعادة برمجة العلاقة التي من المفترض أن تكون بين الاعلام من جهة وبين المسرح من جهة أخرى. يجب أن يتم تشجيع الثقافة المسرحية وتكريسها لدى المتلقين عبر عرض مسرحيات تثقيفية وتنويرية، خصوصا وأن المسرح يتميز بذلك. فمع كامل الأسف، إعلامنا الآن لا يهتم بالمسرح كثيرا، وعلى سبيل المثال، فالقناة الأمازيغية تشتري 3 مسرحيات بالأمازيغية في السنة، وهذا رقم هزيل وضعيف جدا، خصوصا وأن هناك 56 أسبوعا في السنة، فمن المنطقي ومن المفترض أن يتم عرض مسرحية كل أسبوع على الأقل.
< وبالنسبة للحديث عن التكوينات، هل يستفيد المسرح الأمازيغي من تكوينات لفائدة طلبة جدد؟
> بالحديث عن التكوينات، فالمسرح يعنى به فقط معهد واحد هو معهد التنشيط الثقافي والابداع الفني، وأعتقد أن ما يقدمه هذا المعهد من تكوين هو كاف، خصوصا وأنه تكوين لا يؤخذ بعين الاعتبار اللغة، حيث يكون الطلبة في التشخيص والأداء والسينوغرافيا والإخراج وما إلى ذلك، وذلك في وسط أنثروبولوجيا وتنوع ثقافي. وكما يرى الجميع، فهذا المعهد تتخرج منه سنويا كفاءات وأطر رفيعة المستوى، لكن السؤال المطروح حقا، هو هل باستطاعة أبناء القرى والريف الأمازيغيون أن يلتحقوا للدراسة بهذا المعهد وسط العاصمة الرباط، وهل تسمح بذلك ظروفهم المادية، لأنني كما قلت، الإشكال لا يرتبط بالتكوين لأن المعهد مشهود له بالكفاءة، بل الإشكال مرتبط بالأوضاع الاجتماعية. لا سيما وأن ظروف الحياة صعبة. وأعتقد كذلك، أن المشكل اليوم هو من حيث خلق تكوينات، وقد ذكرتها سابقا، إذ من المفروض خلق شعب للمسرح بالجامعات من أجل أن يصل المسرح إلى عدد أكبر من محبيه ومن أجل يخرج كفاءات أكثر.
< حدثنا عن بعض أعمالك الحالية والمستقبلية؟
> حاليا، اشتغل إلى جانب المخرج أمين ناسور” في مسرحة “باركيغ” مع الفرقة المسرحية “ثفسوين” والتي سننطلق بها في جولة، كان من المنتظر أن تنطلق هذه الجولة من مدينة الحسيمة وأن تعرض بها، لكن الأوضاع بالمنطقة حالت دون ذلك، هناك أيضا عروض وجولات سنقوم بها وسنعمل على برمجتها، وهناك دعوات أيضا من مهرجانات دولية أخرى، من قبل مهرجان تيزي وزو بالجزائر. وبالمناسبة، كنا قد حضرنا في محافل دولية أخرى، أذكر منها مهرجان المسرح المغاربي قبل ست سنوات، تجربة المهرجان العربي للشباب الذي نظم بوجدة وحصدنا خلاله أربعة جوائز، عن مسرحية “بريكولا” الأولى جائزة التأليف المسرحي ثم جائزة السينوغرافيا إنارة وجائزة السينوغرافيا المتكاملة للطارق الربح و جائزة البحث المسرحي للمخرج أمين ناسور..
< ختاما، ما هي الآمال التي تعلقونها على المسؤولين عن الثقافة للنهوض بالمسرح الأمازيغي؟
> الجميع مطالب اليوم كمؤسسات رسمية وفرق محترفة، أن تساهم وتتعاون في النهوض بالمسرح بشكل عام والمسرح الأمازيغي بشكل خاص، هذه هي الآمال، فنحن نأمل أن نرى مسرحنا متطورا، لأن المسرح هو الذي يقدم صورة عن أي بلد أو ثقافة، وفي هذا الإطار اشير إلى أن الأمازيغية هي الضامن الوحيد لتميز المغرب على الصعيد العالمي، وذلك لما تتوفر عليه من رصيد غني ثقافيا سواء من حيث الموسيقى والتقاليد والابداع وبما في ذلك المسرح، فالاشتغال بالموروث الثقافي المغربي والأشكال التعبيرية المكونة لثقافته هو الذي سيساهم في إشعاع المغرب على الصعيد العالمي.
حاوره: محمد توفيق أمزيان