يحل الثامن من مارس مجددا بالورود والتهاني والاحتفاء بنساء بلادي.. احتفاء مستحق وضروري وليس ترفا كما يعتقد البعض.. ومن يعتقد ذلك فليلق نظرة اليوم على جدول أعمال النساء اللواتي يعايشهن يوميا في محيطه الأقرب، سيجد أن أيا منهن لم تتخذ من هذا اليوم عطلة ولم يمنحها لها أحد، بل إنها ستصر على أن تجعل منه يوما حافلا بالعمل والعطاء مثل سائر الأيام وأكثر.. في البيت والمكتب والحقل والمعمل، في التظاهرات التي تنظمها وتسيرها النساء لإحياء هذا اليوم.. وفي كافة البرامج والخطط والمشاريع التي تشرف نساء على إنجازها ومتابعتها.. بحماس وإقبال أكثر على حسن الأداء، ومع نَفَس تفاؤل ومرح أكبر، وابتسامة رضا بالمكتسبات وتفاؤل بالمستقبل.
تواصل النساء المغربيات في هذا اليوم، كما في سائر الأيام، إذن، كفاحهن ونضالاتهن من أجل غد أفضل لأسرهن ولمجتمعهن، فلا مجال للكلل والملل، ولا مجال للتقاعس بمناسبة وبغير مناسبة.. مازال الكثير مما يمكن فعله ويجب عمله من أجل تعزيز الحقوق والمكتسبات.. وخلافا لما يمكن أن يعتقد البعض مرة أخرى، واهما، فهذا العمل، عند نساء بلادي، لا تحكمه رؤية أنانية ضيقة بقدر ما يحكمه مبدأ ومنطق “الخير للجميع”.. ينهل منها الصغير والكبير، والقريب والبعيد..
وعلى الرغم من كل ذلك، ومع أن حضور النساء وعطاءهن لم يعد في حاجة إلى إثبات، إذ هن حاضرات فاعلات في كل مكان.. فإنهن ما زلن يكافحن بمرارة من أجل إثبات ذواتهن وفرض بعض من الاحترام والتقدير لما يقمن به.. مازالت النساء يعشن ازدواجية مؤلمة بين حضور ملفت في كافة الميادين، وتغييب لكينونتهن الإنسانية خلف صور نمطية تختزلهن في صورة وجسد، في نظرة تقليدية تعيد المرأة، لن أقول إلى أزمنة غابرة، فكل زمن كانت له نساؤه اللواتي مازال التاريخ يحفظ بمداد فخر ما قمن به لأجل مجتمعاتهن ولأجل الإنسانية، بل التقليد هنا فقط في العقليات الذكورية التي كانت حاضرة أيضا في كل زمن وما تزال في زماننا تهيمن على نمط التعامل مع النساء في المداشر القروية القاصية، كما في أفخم المكاتب والفنادق المكيفة بالمدن الكبرى.
هذه العقليات المتحجرة في جهلها بالحقيقة وبالمعنى الوجوديين للنساء، الممعنة في تسفيه المرأة وتشييئها، وفي تنميط صورتها لتظل مختزلة في أنثى ضعيفة مستضعفة، تتجاذبها الأهواء والرغبات، تارة “مسخرة من قبل الشيطان لإغواء الرجل وإخراجه من الجنة، وأخرى في أحسن الأحوال مسخرة من السماء لإمتاعه وخدمته”، ولذلك، بالنسبة لحاملي هذه العقليات، فالمرأة تظل امرأة مهما بلغت من ذكاء وعلم، ومهما أثبت من كفاءة ومهما أعطت للرجل وللمجتمع.. ولذلك أيضا يحق لهذا الرجل الذي يمتلك سلطة وفضلا عليها – منحهما لنفسه ولم يمنحه إياهما أحد – ليتلاعب في مصيرها كيفما يشاء، يحولها إلى أميرة أو خادمة، إلى جلادة أو ضحية، إلى سبية أو عاهرة.. وذلك حسب الأحوال وحسب الأهداف التي يحق لهذا الرجل وحده أن يسطرها، ويجب على المرأة أن تمتثل لأداء الدور الذي يرتضيه لها، حتى وإن أضحت هي نفسها أداة لجلد ذاتها عبر تنميط مهين وتسخير مقيت.
لسوء الحظ، هذه العقلية ما تزال موجودة في مجتمعنا كما في سائر المجتمعات.. تفرمل تقدم النساء وتعيق تطور الدول، تطور لا يقاس بالمعايير المادية والاقتصادية فقط، بل بمدى تحضر ووعي الإنسان بإنسانيته، وبمقدار احترامه لحقوق جميع الفئات وعلى رأسها فئة النساء نصف المجتمع..
ولحسن الحظ أيضا، وكما في سائر المجتمعات، “يوجد الغث والسمين والرث والثمين”، فهناك اليوم امرأة ورجل من بلادي، لا يلتفتان لهذه الفرملة مهما بلغت قوتها، ولا يكترثان للتنميط مهما بلغت بشاعته، يضعان اليد في اليد ويمضيان قدما نحو غد أفضل، باحترام وتقدير متبادلين، وبتعاون وتضامن واضحين، يُعدِّلان السلوكات ويغيران الأفكار ويعيدان تركيب الصور، ليس بالكلام فقط بل أيضا بالعمل اليومي المشترك في كل المجالات.. ويحققان الهدف الذي وضعته الأمم المتحدة كشعار لليوم العالمي للمرأة لهذه السنة “تحويل الزخم العالمي من أجل المساواة والعدالة إلى أفعال ملموسة”..
هناك نساء مغربيات يقدمن اليوم صورة مشرفة لبلادنا، ولسان حالهن يقول “شُوفُوا المغربيات الحُرَّات علاش قادَّات”.. وهناك رجال كثيرون يساندونهن ويشجعونهن لأن القناعة والهدف الأسمى هما الوطن ومستقبل الوطن.. ولسان حالهم يقول كذلك “كفانا رجاء من صور نمطية ومعاملة أنانية ولاإنسانية تسيء إلى المجتمع ككل بنسائه ورجاله”.
بهذه الروح الإيجابية نحتفي اليوم إذن، نساء ورجالا، بعيد المرأة، ولسان حالنا يقول “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الْأرض”.
سميرة الشناوي