في ذكرى ميلاده الرابعة والتسعين، وقع الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي الوزير الأول في حكومة التناوب التوافقي، أول أمس الخميس بالرباط، مذكراته التي تحمل اسم “أحاديث فيما جرى” وسط حضور سياسي وديبلوماسي وازن.
عبد الرحمن اليوسفي الذي ألقى كلمة بالمناسبة، في اللقاء الذي احتضنه مسرح محمد الخامس بالرباط، قال إن ما تتضمنه الأجزاء الثلاثة من كتاب “أحاديث فيما جرى”، الذي أشرف الكاتب والحقوقي امبارك بودرقة على إعداده، يشكل بعضا من خلاصات تجربة سياسية خاضها من مواقع مختلفة، سواء في زمن مقاومة الاستعمار، أو في مرحلة بناء الاستقلال، وسواء من موقع المعارضة أو من موقع المشاركة في الحكومة.
وأوضح اليوسفي أن الكتاب يتضمن، في جزئه الأول، شذرات من مذكراته وسيرته، معتبرا أن ذلك “يشكل فرصة لتجديد العهد بيننا جميعا وأيضا لنذكر بعضنا بالقيم الوطنية والدروس النضالية التي عبدتها أجيال من المغاربة، في الدولة والمجتمع، منذ تأسيس الحركة الوطنية في الثلاثينات من القرن الماضي”، وفق تعبيره. متابعا “وهي القيم التي لاتزال تشكل السماد الخصب، لإتمام مشروع بناء مغرب اليوم والغد، مغرب الحريات والديمقراطية ودولة المؤسسات وأيضا حماية وحدتنا الترابية تحت قيادة عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس”.
إلى ذلك أعرب اليوسفي عن يقينه أن مادة هذه الأجزاء الثلاثة تشكل جزء من إرث مغربي غني “نعتز أننا جميعا نمتلكه عنوانا عن ثروة حضارية صنعتها أجيال مغربية متلاحقة”، يقول المتحدث. مشيرا إلى أنها ستكون مجالا لاشتغال أهل الاختصاص من علماء التاريخ والسياسة والقانون والاجتماع، مثلما ستشكل أيضا مادة لتأويلات وتفسيرات إعلامية متعددة. داعيا الأجيال الجديدة بالمغرب إلى التمسك بالتاريخ من أجل المستقبل. حيث أكد الوزير الأول زمن حكومة التناوب أن الأجيال الجديدة “تعلم جيدا أن قوة الأمم قد ظلت دوما كامنة في تصالحها مع ماضيها وفي حسن قراءتها لذلك الماضي وذلك الحاضر، حتى يسهل عليها بناء المستقبل بأكبر قدر ممكن من النجاح والتقدم”، معبرا عن يقينه بأن هذه الأجيال الجديدة “ستحسن صنع ذلك المستقبل ما دامت مستوعبة لكل دروس وقيم ماضينا وحاضرنا، قيم الوطنية وقيم الوفاء والبذل والعطاء”، يقول اليوسفي.
اللقاء الذي حضره مستشارا جلالة الملك أندري أزولاي، وعبد اللطيف المانوني ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني، والوزراء الأولون السابقون وعدد من وزراء الحكومة الحالية والحكومات السابقة، وقيادات الأحزاب السياسية ضمنهم قيادة حزب التقدم والاشتراكية برئاسة أمينه العام محمد نبيل بنعبد الله ورئيس مجلس الرئاسة إسماعيل العلوي وعدد من أعضاء الديوان السياسي واللجنة المركزية، عرف تقديم نبذة عن أهم مكونات الأجزاء الثلاثة لمذكرات اليوسفي “أحاديث فيما جرى” على لسان كاتبه امبارك بودرقة “عباس”. الذي قال، في هذا الإطار، “إن الأجزاء الثلاثة تجميع لمداخلات وحوارات ترصد المسار الفكري والسياسي لليوسفي منذ توليه قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد رحيل رفيق دربه عبد الرحيم بوعبيد.
وذكر امبارك بودرقة، في هذا الكتاب، الذي أشرف على إعداده وتجميعه بمساعدة بعض أصدقائه ورفاقه، بالخصال التي يتمتع بها عبد الرحمان اليوسفي بكونه من الأوفياء لرفاق دربه (ذكرى المهدي بنبركة، تأبين الراحل علي يعتة، أربعينية المفكر محمد عابد الجابري، تكريم الإعلامي الراحل محمد باهي، أربعينية المقاوم محمد سعيد بونعيلات…)، وكذلك بكونه من المؤمنين بأن الدفاع عن الحاضر والمستقبل يتطلب التعرف على الماضي، مشيرا إلى دعوته لتسمية الشوارع في البلدان المغاربية بأسماء مقاومين أفذاذ من قبيل التونسي حافظ إبراهيم اعتبارا لدوره في تحرير بلدان شمال إفريقيا.
من جهته، قال الديبلوماسي الجزائري، الأخضر الإبراهيمي، إن “المغاربة والمغاربيين ينتظرون ما جاء في المجلدات الثلاثة، بعضها معروف وبعضها غير معروف لديهم”، منوها بأجزاء الكتاب التي “تحمل حقائق تاريخية حافلة للمغرب ونضالات الشعوب المغاربية وما تخللها من نجاحات وعثرات أيضا”.
وذكر الأخضر الإبراهيمي، في ذات اللقاء الذي حضره عدد من الديبلوماسيين والحقوقيين، بعدد من الوقائع التي جمعته باليوسفي قبل سنوات، ومنها الهواجس المشتركة حول المشروع المغاربي الذي ما زال مطروحا، و”قضية فلسطين التي يتعين أن تبقى أم القضايا العربية”، يقول الإبراهيمي، مشيرا إلى أن هذا الحفل التكريمي يشكل فرصة لمجموع محبي اليوسفي للالتفاف حوله.
وعن الاتحاد المغاربي أكد الإبراهيمي “أنه لا مناص من مواصلة الحلم والسير على نفس الطريق من أجل تحقيق الأمل المنشود للمنطقة المغاربية المتمثل في بناء صرح مغرب عربي”، معبرا عن اعتزازه بالصداقة التي جمعت بينه وبين اليوسفي، وعن إعجابه بما قدمه وما يستمر في تقديمه للمغرب ولدول المغرب الكبير ومجموع البلاد العربية والإفريقية.
بدوره أبرز فيليبي غونزاليس، رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، أن اليوسفي الذي كان رفيقه في منظمة الاشتراكية الأممية، كان، أيضا، مقاوما كبيرا من أجل الاستقلال والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والوحدة الترابية لبلاده، مشيرا إلى أنه يلح على الحفاظ على الذاكرة من أجل تشييد المستقبل، ويؤمن بما يقول، ويسعى إلى تحقيقه.
وأعرب الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، عن اعتقاده أن الاشتراكية الديمقراطية ما زالت تشكل حلا في ظل الأزمات الكبرى التي يشهدها العالم، مشيرا إلى أنه لا يمكن النجاح إذا تم تعطيل نصف ذكاء المجتمع الذي تشكله النساء وقدراتهن وطاقاتهن الخلاقة.
إلى ذلك اعتبر المناضل الحقوقي المصري محمد فايق، أن لحظة التكريم هذه “تم انتظارها بعد أن توج الكتاب كل أعماله وعطائه الوطني اللامحدود، خاصة وأن اليوسفي لا يتحدث عن نفسه إلا أن بودرقة استطاع أن يخرج ذاكرته إلى النور”.
وأضاف فايق، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر، أن “معظم الناس يعرفون اليوسفي محاميا بارعا وحقوقيا، لكن من يعرفه عن قرب يكتشف أكثر من ذلك بكثير، إذ اتسعت مهامه وامتدت إلى الوطن العربي ككل عبر الحركات التحررية التي دعمها”، وأشار إلى أن اليوسفي، الذي تعرف عليه سنة 1959 عن طريق المهدي بنبركة، كان “نجما في أفريقيا وفاعلا في كل عمل قومي عربي، ومن أوائل الذين عرفوا معنى حقوق الإنسان كقيم لتحقيق العدالة”.
جدير بالذكر أن حفل التوقيع الذي احتضنه مسرح محمد الخامس سير أ طواره القيادي في الاتحاد الاشتراكي والوزير السابق فتح الله ولعلو الذي تحدث بدوره عن الخصال الإنسانية لرفيقه عبد الرحمان اليوسفي، فضلا عن تذكيره بالنضالات التي خاضها طيلة حياته من أجل ترسيخ المسار الديمقراطي منذ عقود مضت.
يذكر، أيضا، أن اللقاء تخلله معرض لصور تؤرخ لمسار عبد الرحمن اليوسفي والتي قدمها المصور الفوتوغرافي محمد مرادجي.
محمد توفيق امزيان