أكد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، استعداد الحكومة لاستئناف الحوار الاجتماعي مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، والذي توقف منذ حوالي الشهر، وأنها حريصة على ذلك من أجل مواصلة المشاورات على أساس أن مشروع الاتفاق الذي اقترحته لازال قائما، بل يعد أرضية معقولة في أفق مواصلة النقاش حول باقي القضايا، والتوصل إلى اتفاق شامل مؤداه اعتماد ميثاق اجتماعي جديد يمتد على مدى ثلاث سنوات يؤسس لمرحلة أخرى لتعزيز السلم الاجتماعي، نافيا وجود أي تعثر في الحوار الاجتماعي بين الأطراف الثلاث (الحكومة والمركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب).
وقال رئيس الحكومة خلال جوابه على السؤال المحوري الثاني ضمن الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس النواب، والذي خصص ل”نتائج الحوار الاجتماعي”، “إن باب الحكومة لازال مفتوحا لمواصلة الحوار الاجتماعي بل هي حريصة على مواصلته وانتظامه مهما كانت الظروف، ومهما كان الاختلاف في المواقف والتصورات والتقديرات بين أطراف الحوار”، موضحا بشأن جولات الحوار الاجتماعي التي جرت بين الأطراف الثلاث على أنه طبعها جو من الجدية والتفاهم وتبادل الآراء وأن عدم التوصل إلى اتفاق لايعني التعثر، بل فقط تأخر ، حيث طلبت المركزيات النقابية تأجيل التوقيع على اتفاق إلى ما بعد فاتح ماي وإتاحة المزيد من الوقت لها لتعميق النقاش بشأن مضامين العرض الذي اقترحته الحكومة .
وأضاف، مشددا على “أن الحكومة مقتنعة اقتناعا جازما عميقا بالحوار الاجتماعي كآلية أساسية لتطور التعاون بينها وبين الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين وأيضا كوسيلة من وسائل تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للموظفين والعمال والشغيلة وتحقيق وتعزيز السلم الاجتماعي، وأنها أي الحكومة، كانت حريصة على هذا النهج منذ اللحظة الأولى لتنصيبها، وهو ما تترجمه مضامين البرنامج الحكومي، ”
وطمأن رئيس الحكومة المركزيات النقابية، بالتأكيد على أن الحكومة تعتبر أن للنقابات تضطلع بدور أساسي في هذا الإطار، وتعد شريكا ووسيطا في عملية الحوار الاجتماعي، وأنه من هذا المنطلق، تبقى غاية الحكومة هي تقوية النقابات وتعزيز دورها في تمثيل واسع وحقيقي للشغيلة وإسماع صوتها والدفاع عن حقوقها، وبناء أسس الثقة المتبادلة بين مختلف الفرقاء الاجتماعيين والاقتصاديين.
هذا واستعرض رئيس الحكومة ، تفاصيل عن مسار الحوار الاجتماعي الذي أولته الحكومة منذ تنصيبها، كامل الاهتمام، حيث عملت على إرساء الآليات الخاصة بالحوار الاجتماعي، وقامت في هذا الإطار بجملة من الخطوات التمهيدية لعقد الجولة الأولى للحوار تمثلت، بالأساس، في إصدار منشور لرئيس الحكومة بتاريخ 5 يونيو 2017 لتنظيم حوارات اجتماعية قطاعية ورفع تقارير عنها، وعقد اجتماع تمهيدي لرئيس الحكومة مع رئاسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب بتاريخ 18 شتنبر 2017، ثم عقد اجتماع تمهيدي لرئيس الحكومة مع الأمناء والكتاب العامين للمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية.
وأبرز أن هذا العمل التمهيدي، أفضى إلى عقد الجولة الأولى للحوار الاجتماعي بتاريخ 9 أكتوبر 2017، وهي الجولة التي كانت تخصص تقليديا لعرض التوجهات العامة والكبرى لقانون المالية والاستماع لمقترحات المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، وذلك ما تم ، مشيرا أن هذا النقاش الأولي تمحور حول منهجية تدبير الحوار الاجتماعي، حيث سجل تباين واضح بين الطرفين في هذا الشأن، وتم الاتفاق على إبقاء الاجتماع مفتوحا في أفق تقريب وجهات النظر.
معطيات مشروع الاتفاق
وبخصوص المعطيات الخاصة بمشروع هذا الاتفاق الذي تقدمت به الحكومة، وسلمته لمختلف الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين المعنيين بالحوار الاجتماعي، أفاد رئيس الحكومة، أن العرض تضمن غلافا ماليا يقدر ب 6 مليار درهم، بحيث بالنسبة للقطاع العام ، تم اقتراح الزيادة في رواتب الموظفين المرتبين في السلاليم ما دون الرتبة 5 من السلم العاشر بمبلغ صافي شهري قدره 300 درهم يصرف على مدى ثلاث سنوات ابتداءا من يوليوز 2018، والرفع من التعويضات العائلية ب100 درهم عن كل طفل لتشمل ستة أطفال بالقطاعين العام والخاص ابتداء من فاتح يوليوز 2018.
كما تضمن ذات العرض مقترحا بإحداث درجة جديدة للترقي بالنسبة للموظفين المرتبين في السلمين 8 و9 ، والرفع من منحة الازدياد عن المولود من 150 درهم حاليا إلى 1000 درهم ابتداءا من يوليوز 2018، والعمل على تحسين شروط الترقي بالنسبة لأساتذة التعليم الابتدائي وملحقي الاقتصاد والإدارة وكذا الملحقين التربويين المرتبين في الدرجة الثانية والذين تم توظيفهم لأول مرة في السلمين 8 و9، هذا مع الشروع في تفعيل التعويض عن العمل في المناطق النائية، والبالغ قدره 700 درهم شهريا، هذا فضلا عن حث القطاع الخاص على الزيادة المنتظمة في الحد الأدنى للأجر بما يحافظ على القدرة الشرائية للمأجورين.
أما فيما يتعلق القطاع الخاص، فقد تضمن مشروع الاتفاق مجموعة من البنود، من ضمنها تعزيز الحريات النقابية، و تعزيز آليات المفاوضة وتسوية النزاعات،و تحسين الحماية الاجتماعية ووضع آليات للتشاور بخصوص مراجعة تشريع الشغل، وإعداد مشروع القانون الخاص بالنقابات المهنية، كما تضمن مشروع الاتفاق اقتراح جدولة زمنية محددة لمواصلة الحوار حول بعض القضايا العالقة التي تهم القطاع الخاص بالخصوص وموزعة على أربع محطات رئيسية تمتد من ماي 2018 إلى شتنبر 2019.
وأردف على أن مشروع الاتفاق بالنسبة للقطاع العام، ركز على مراجعة شاملة لمنظومة الوظيفة العمومية من خلال ملاءمة الإطار التشريعي وإرساء نموذج جديد للوظيفية العمومية يقوم على تدبير الكفاءات والوظائف مع الحفاظ على الحقوق المكتسبة للموظفين ونهج مبدأ التدرج في الإصلاح ، إضافة إلى تعميم جمعيات الأعمال الاجتماعية على مختلف الإدارات الحكومية .
كما تضمن مقترحا بإصلاح منظومة التقاعد من خلال إطلاق الإصلاح الشمولي في أفق إرساء القطبين الخاص والعام بناء على خلاصات اللجنة الوطنية ودراسة جديدة تشرف على إنجازها بها وزارة الاقتصاد والمالية ، هذا فضلا عن التشاور حول أسس ميثاق اجتماعي ، حيث اقترحت الحكومة بهذا الخصوص إطلاق مشاورات لصياغة هذا الميثاق بما يحقق التماسك والسلم الاجتماعيين ويرسي قواعد تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة.
هذا واعتبر العثماني، الذي أبدى استغرابا من طلب النقابات تأجيل توقيع الاتفاق، على أن المطلب الذي رفعته هذه الأخيرة بشأن الزيادة في أجور جميع الموظفين، أقرته سلفا الحكومة، حيث أن الزيادة التي اقترحتها الحكومة تهم الزيادة في أجور الموظفين المدنيين بما يوازي الاقتطاع من الأجور المرتقب من الأجور برسم الإصلاح المقياسي لنظام المعاشات المدنية في بداية 2019، وهي نسبة 1 في المائة من الأجر ، موضحا أن الحكومة اقترحت أن تكون الزيادة في الأجر بنسبة 1 في المائة بالنسبة للجميع، والتي تصل إلى 8 و10 في المائة، وهي تهم جميع السلاليم .
وشدد على أن القرار الذي اتخذته الحكومة من جانبها، بالزيادة في التعويضات العائلية بزيادة 100 درهم عن كل طفل ، فهو إجراء يهم أكثر من 387 ألف موظف في الإدارة العمومية بتكلفة تصل إلى 981 ميلون درهم أي ما يقرب من 1 مليار درهم، كما يهم 68 ألف موظف في الجماعات الترابية بتكلفة تبلغ 142 مليون درهم فضلا عن 129 ألف مستخدم في المؤسسات العمومية بتكلفة تصل إلى 320 مليون درهم ، موضحا على أن العملية ستهم أكثر من 450 ألف موظف مستخدم وأكثر من مليون طفل، معلنا أن هذا الإجراء سيدخل قريبا حيز التطبيق وتحديدا بعد المصادقة على القانون المالي .
وأعلن في الوقت ذاته، أن الحكومة ستدعو المجلس الإداري للصندوق الوطني الضمان الاجتماعي للاجتماع من أجل اتخاذ القرار المناسب لتفعيل هذا المقتضى بالنسبة لأجراء القطاع الخاص ، مجددا التأكيد على أن الحكومة عازمة على المضي قدما في التعجيل بتنفيذ مختلف التزاماتها الاجتماعية الواردة في البرنامج الحكومي، وإقرار الإصلاحات المهيكلة للحقل الاجتماعي، في اقتناع تام بأن تعزيز آلية الحوار الاجتماعي يعد مدخلا أساسيا لإنجاح هذا الرهان، ولا سيما مع المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، والاتحاد العام لمقاولات المغرب.
تنمية المناطق الحدودية
أكد سعد الدين العثماني أن الحكومة تمتلك إرادة ومشروعا، وكذا رؤية وبرامج يتم تطبيقها اليوم على الميدان بهدف تنمية المناطق المتواجدة على الشريط الحدودي.
وأبرز العثماني، في معرض رده على سؤال حول “تنمية الشريط الحدودي”، خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس النواب، أن الحكومة، وعيا منها بخصوصية هذه المناطق وبالإكراهات التي تعرفها الجماعات الحدودية، تولي اهتماما خاصا بهذه المناطق بهدف تنميتها وفك العزلة عن ساكنتها، من خلال إنجاز العديد من البرامج التنموية، همت بالأساس توفير التجهيزات الأساسية الضرورية من كهربة قروية وماء صالح للشرب وطرق ومسالك قروية وتجهيزات اجتماعية.
قضية الصحراء المغربية
وأكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على أن قضية الصحراء المغربية ما فتئت تسجل عددا من النقاط الإيجابية على مستوى مختلف المحافل الدولية، بفضل الدينامية المستمرة التي تطبع عمل الدبلوماسية المغربية في هذا الملف بتوجيهات سامية وانخراط شخصي من صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وسجل العثماني، في معرض جوابه على سؤال محوري حول “مستجدات القضية الوطنية ” باعتزاز التعبئة الشاملة والانخراط التام لكافة القوى الحية للأمة للدفاع عن الثوابت الوطنية للمملكة وفي مقدمتها القضية الوطنية العادلة، والتصدي لكافة مناورات أعداء وخصوم الوحدة الترابية للمغرب ودحض أطروحة الانفصال.
تنمية الأقاليم الجنوبية
وقال سعد الدين العثماني إن النسبة العامة لتقدم أشغال مشاريع برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية (2015-2021) بلغت، إلى حدود شهر مارس الماضي، ما يناهز 48 في المائة، متوقعا أن تصل هذه النسبة إلى حوالي 70 في المائة مع متم السنة الجارية.
وأكد العثماني، في معرض جوابه على سؤال محوري حول ” مستجدات القضية الوطنية ” خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس النواب، على العزم الثابت على مواصلة مسلسل التنمية الذي تعرفه المناطق الجنوبية للمملكة، من خلال تنزيل النموذج التنموي الواعد الذي يشكل رافعة أساسية لدعم المؤهلات الطبيعية والبشرية التي تزخر بها هذه الأقاليم، والذي يستلهم توجهاته الكبرى من المشروع الوطني للجهوية المتقدمة، باعتباره خيارا استراتيجيا للمغرب يتناغم مع حل الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب من أجل الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل، معتبرا أنه يعد أيضا خير جواب على الأطروحة البئيسة للانفصاليين ومن يدعمها.
> فنن العفاني