يقترن الحادي والعشرون من الشهر الجاري باليوم العالمي للتلفزة، ولعل هذه الذكرى تمنحنا الفرصة للحديث عن تلفزتنا، وإن كان الحديث حول هذا الموضوع ينبغي أن يستمر كل يوم بالنظر إلى أن وضع التلفزة المغربية لا يبشر بالخير، وكذا للأهمية التي لا يزال هذا الوسيط التواصلي يلعبها في حياتنا اليومية بالرغم من التحولات الثورية التي طرأت على ميدان الاتصال بصفة عامة.
***
لا شك أن العديد من المجايلين لي يتذكرون الشعار الذي كانت إدارة التلفزة المغربية قد رفعته في الثمانينات من القرن العشرين، والمتمثل في “التلفزة تتحرك” حيث كانت هناك قناعة بضرورة بث روح جديدة في هذه القناة التواصلية، لكن منذ تلك الفترة لم تعد تلفزتنا تتحرك، يحدث هذا بالرغم من قيام تطورات قوية في ميدان الاتصال الرقمي، وظهور القنوات الفضائية، وحيث صار لكل مواطن المجال متاحا لكي يصنع بنفسه تلفزته الرقمية الخاصة بدون أدنى تكلفة.
إن البرمجة اليومية للتلفزة المغربية، سواء في القناة الأولى أو الثانية اللتين تعتبران عموميتين، وحتى في قناة ميدي 1 تي في الشبه العمومية، هذه البرمجة بحاجة إلى إعادة النظر فيها بشكل جذري، لا بد من القيام برجة حقيقية في هذه المحطات الإعلامية العمومية لأجل تقديم منتوج إعلامي يقدم صورة مشرفة عن بلادنا.
عند إلقاء نظرة على ما تبثها قنواتنا التلفزية – وأنا هنا أتحدث بصفة أساسية عن القنوات العمومية، أي القنوات التي يمولها الشعب عن طريق دفع الضرائب، أما القنوات الخاصة من قبيل ماروك تي في وشذى وو.. فمن حق أصحابها أن يبثوا فيها ما يحلوا لهم ويتحملوا مسؤولية ما يبثونه- عند فحص ما يعرض على قنواتنا العمومية، فإن أول استنتاج يمكن للمشاهد الواعي أن يخرج به، هو أن الحصص الزمنية للبث سائبة بشكل مقرف، كيف ذلك؟
يتم الاعتماد في الغالب على إعادة بث برامج ومسلسلات درامية بصفة مستمرة بالرغم من أن هذه البرامج لم يكن قد مر على بثها للمرة الأولى سوى بضعة أسابيع، هناك كذلك اعتماد على الإنتاج الأجنبي، على سبيل المثال المسلسلات الدرامية التركية والمكسيكية المطولة التي يتم عرضها يا للحسرة في أوقات ذروة المشاهدة، في الوقت الذي كان من المفروض عقلنة من جهة الحصص الزمنية، ومن جهة أخرى المنتوج الإعلامي في حد ذاته وهو الأهم.
هناك جيش من الكفاءات سواء في القناة الأولى أو الثانية أو حتى في ميدي 1 تي في، لا أحد يعلم ماذا يفعلون في هذه المحطات التي نمولها من أموالنا الخاصة بالرغم منا، أجدر بالمسؤولين على هذه القنوات استثمار الكفاءات التي توظفها من أجل إنتاج برامج في ميادين شتى: الأدب، الفن، العلم، التاريخ، الطب، القانون، الحضارة.. إلى غير ذلك من العلوم والمعارف التي من شأنها أن تقدم صورة مشرفة عن بلادنا، خصوصا في زمن المنافسة على مستوى التواصل الرقمي، لكن عادة ما يختار المرء الطريق السهل الذي لا يتطلب أي مشقة، وهو استيراد المنتوج الأجنبي والاعتماد على تكرار بث إنتاجات بصرف النظر عن قيمتها.
***
إذا كانت التلفزة المغربية تتشدد في الحصص الزمنية الخاصة بالوصلات الإشهارية وتفرض عليها أسعارا جد مرتفعة لكل ثانية ولكل دقيقة؛ فيا ليتها تعمل بالمثل في ما يخص برامجها الأخرى، بحيث لا تبث إلا ما ينطوي على جودة ويكون وراءه مجهود في الإنجاز والبحث، مع الأخذ بعين الاعتبار الاستغلال الجيد والمعقلن للحصص الزمنية؛ فلا يتم الاستكانة إلى التكرار وما شابه ذلك.
عبد العالي بركات