في ندوة أقيمت بإحدى المدن الشمالية ببلدنا العزيز نهاية الأسبوع المنصرم، حول موضوع الثقافة في وسائل الإعلام المغربية، كانت مختلف مداخلات المدعوين للمشاركة تتسم بالموضوعية، غير أن واحدة من هذه المداخلات، بدا واضحا أن صاحبها قد طوح به خياله بعيدا عن الواقع.
كنت أتمنى وهو يتحدث عن الملاحق الثقافية بالجرائد الوطنية – بلغة العارف الذي لا يشق له غبار- أن يلتزم الواقعية والموضوعية؛ فلا يدعي أن الجرائد غير التابعة للأحزاب، من قبيل الجريدة التي يعمل متعاونا فيها، هي التي لا تزال محافظة على الوجود الثقافي بين صفحاتها، في حين أن الجرائد الحزبية تراجع حضور الثقافي فيها.
وحتى عندما اختار أن يذكر أمام الملأ أسماء بعض الملاحق الثقافية النشيطة حاليا في ساحتنا الإعلامية، محملا نفسه عناء ذلك، أصر بنية مبيتة على أن يذكر تلك التي يشرف عليها هو نفسه وبعض الجرائد غير المنتمية للأحزاب، في حين ذكر على مضض وفي آخر القائمة، عنوانا أو عنوانين من الجرائد الحزبية.
وأبى أمام استغراب العديد من الحاضرين إلا أن يقوم بإقصاء الملحق الثقافي لجريدة بيان اليوم من الأمثلة التي جرى ذكرها على لسانه الذي يحمل السم، واضعا نفسه في حرج؛ لأنه من المخجل عدم ذكر هذا العنوان باعتباره واحدا من العناوين الحاضرة والنشيطة في الساحة الإعلامية المغربية بامتياز، وارتأى أن يقول لكي يخرج من الورطة التي وضع نفسه فيها:
“وملاحق أخرى..”.
غير أن صاحب القلب الأبيض الذي كان يجاوره على منصة الندوة، وشوش له اسم جريدة بيان اليوم، وكأنه يقول له في خاطره:
“عيب عيب .. أن تتجاهل الملحق الثقافي لبيان اليوم، هذا الملحق بالذات..”.
فما كان من الخطيب المفوه، صاحب الخطاب المهيأ بنية مبيتة إلا أن يستسلم لحقيقة الأمر، ويستدرك قائلا وهو يلوح بيده في ارتباك:
“والبيان الذي توقف ثم عاد بشكل آخر..”
بشكل آخر؟
ثم لأن شيئا ساكنا في صدره، يجعله لا يعرف كيف يتصرف برزانة وتعقل، أصر على أن يضيف:
“توقف هذا الملحق وعاد، مما يظهر الارتباك الذي تتخبط فيه الجرائد الحزبية”.
يا سلام
وقبل أيام قليلة من تلك الندوة، كان قد نشر زميل له في الجريدة التي يتعاونان فيها، ملفا حول الموضوع نفسه، وأسقط اسم الملحق الثقافي لبيان اليوم من قائمته، لا بل اعتبره متوقفا هو الآخر.
ليطمئن قلبك، ليطمئن قلبكما، الملحق الثقافي لبيان اليوم لم يتوقف قط، وليس هناك أي ارتباك، بل إن الثقافة تشغل حيزا هاما في الجريدة كل يوم، صفحتان يوميتان، إضافة إلى أربع صفحات للملحق الثقافي كل جمعة ومثلها للملحق الفني كل سبت، وليس كما هو الحال بالنسبة لجريدتكما التي تصدر صفحتين يتيمتين في الأسبوع بصرف النظر عن قيمة ما ينشر في هاتين الصفحتين.
أطمئنكما: لم يحدث أن تم التفكير في تهميش الثقافة أو تغييبها من أي عدد من أعداد الجريدة، جريدة بيان اليوم طبعا، منذ الإصدار الأول الذي يعود إلى أواسط السبعينيات من القرن الماضي، عودا إلى الأرشيف فهو متوفر.
أطمئنكما: لقد كان لدى الجريدة وعي منذ البداية بأهمية الجانب الثقافي في تحقيق التنمية وتكريس القيم الحضارية النبيلة في المجتمع، ولهذا تم الحفاظ على حيز قار لكل ما هو ثقافي وفني ضمن الصفحات اليومية للجريدة.
أطمئنكما مرة أخرى: لقد تم تتويج هذا الحضور بإصدار ملحق ثقافي أسبوعي منذ السنوات الأولى لنشأة الجريدة، مما يعني أن ملحقها الثقافي يعد من الملاحق الرائدة في ساحة النشر ببلادنا، ولا يزال محافظا على حضوره إلى يوم الناس هذا، بالقوة والزخم نفسهما.
أطمئنكما..
لا؟ يكفي؟
حسنا يكفي، لكن ذلك الشيء الساكن في صدركما، يمنعكما من أن تكونا موضوعيين وواقعيين. الله يشفيكما على كل حال.
عبد العالي بركات