(1)
في وحدة القوى اليسارية والديمقراطية
■ منذ انطلاقته، واليسار الفلسطيني الجديد(الجبهة الديمقراطية) يدعو ويعمل لأجل وحدة القوى اليسارية والديمقراطية، انطلاقاً من قناعته المبنية على التحليل العلمي، أن واقع الحالة الفلسطينية، في تشتت شعبها، وتوزعها داخل الوطن وخارجه، وفي ظل عوامل اجتماعية وعربية وإقليمية، نشأت في الحالة الفلسطينية تعددية للقوى اليسارية والديمقراطية، يجمعها الهدف الوطني الواحد، لكنها تختلف فيما بينها في بناها التنظيمية وأدواتها التحليلية والمعرفية، وآلياتها النضالية، والأبعاد البرنامجية والتكتيكية لمواقفها السياسية، فضلاً عن نظرتها إلى طبيعة الحركة الجماهيرية، وطبيعة العلاقة المفترض أن تقوم بين الأحزاب السياسية اليسارية والديمقراطية والطليعية، وبين مكونات الحركة ومؤسساتها الوطنية الجامعة، أو الخاصة، ببناها الاجتماعية المعبرة عن واقع البنية الشعبية نفسها، داخل الوطن، بشقيه، [48+67] والشتات، وتجمعات اللاجئين وسواها.
ومن المنطلق نفسه، خلص اليسار الجديد(الجبهة الديمقراطية) إلى أن الوصول إلى وحدة القوى اليسارية والديمقراطية الفلسطينية، لابد أن يمر بالعديد من حالات المخاض، وأن يخوض العديد من التجارب، التي من شأنها أن تراكم في التجربة، وأن تزيدها نضجاً، وأن تعمق الوعي بعوائقها وعناصر تعطيلها، وأن تعمق الوعي بكيفية إزالة هذه العوائق، بآليات وتفاهمات ديمقراطية، تقدم نماذج جديدة في ساحة العمل الوطني للوصول إلى أشكال من الوحدة الوطنية، خارج مفاهيم وقيم النزعة الفئوية، أو تمييز الذات، أو نظرة الاستعلاء على الآخرين وتهميشهم.
كما سادت لدى اليسار الجديد(الجبهة الديمقراطية) قناعة، أن صيغ وحدة القوى اليسارية والديمقراطية، لابد أن تكون متنوعة، بحيث تخدم الهدف الذي من أجله نشأت هذه الصيغة وتحقيق أهدافها. كما سادت لديه قناعة أن كل صيغة لابد أن تؤدي واجبها، الذي من أجله نشأت، ثم لا بد أن تنشأ ظروف جديدة، إما تتطلب تطويرها، أو تقود إلى إنهاء وظيفتها. دون أن يعني هذا أن الباب بات مقفلاً أمام ابتداع صيغ جديدة، تتطلبها بالضرورة تطورات الحالة الفلسطينية. ودون أن يكون الإطار التوحيدي، أو التنسيقي، للقوى اليسارية والديمقراطية، مجرد هدف تكتيكي. بل يجب إدراجه في التوجهات الاستراتيجية التي لا رجوع ولا عودة عنها، ولا بد من طرق هذا الباب، كلما توفرت الفرصة والعوامل والعناصر لإنجاح التجربة وتعميقها، وصولاً إلى خطوات أرقى، تقود إلى التقارب التدريجي، الذي يفتح على احتمالات أكثر نجاحاً وأكثر تقدماً.
من هنا، خاض اليسار الجديد (الجبهة الديمقراطية) غمار تجارب توحيد اليسار والقوى الديمقراطية، أو بناء أطر تنسيقية بين أطرافه، منذ سبعينيات القرن الماضي حتى اللحظة الراهنة، أي منذ قيام تحالف القوى الديمقراطية حتى قيام التجمع الديمقراطي الفلسطيني، مروراً بتجارب القيادة الموحدة والمشتركة لاحقاً(بين الجبهتين الديمقراطية والشعبية لتحرير فلسطين).
وهذه، بطبيعة الحال، مسؤولية تاريخية، ملقاة على عاتق القوى والفعاليات اليسارية والديمقراطية المنخرطة في الفصائل، أو في تجمعات وأطر مجتمعية ذات طبيعة مستقلة تنظيمياً. على غرار التجربة الحالية للتجمع الديمقراطي الفلسطيني.
لذلك لا يؤذي اليسار وقواه الديمقراطية في الحالة الفلسطينية تلك الانتقادات الجائرة، التي لا هم لها سوى رجم التجارب بالنقد الجارح، والتنبؤ المسبق بفشل هذه التجارب، على غرار المواقف المسبقة التي تنبأت بفشل تجربة «التجمع»، حتى قبل الإعلان عن برنامجه، وعن لائحته الداخلية الناظمة له. أو تلك الآراء التي حاولت أن تتصيد بعض المحطات لأطراف في «التجمع»، كالموقف من تشكيل الحكومة «الفصائلية»، أو السؤال عن الأسباب التي حالت دون اتفاق القوى اليسارية والديمقراطية في موسكو على البيان الختامي. ما يجب توضيحه هنا، أن الصيغ القائمة لا تعني أن اليسار والقوى الديمقراطية قد توحدت كلها في حزب واحد، يفترض أن تكون خطواته ومواقفه كلها موحدة وعلى نسق واحد.
اليسار الجديد(الجبهة الديمقراطية)، يدرك أن الوصول إلى مواقف موحدة إزاء القضايا كافة، أمر يحتاج إلى جهد ونقاش وحوار، وأن الاختلاف إزاء بعض القضايا، لا يعني نهاية التجربة، بل يعني الذهاب أكثر فأكثر نحو الحوار والنقاش لتعميق الوعي المشترك للحالة، وبالتالي توفير الأرضية المفاهيمية المشتركة للوصول إلى أوسع دائرة من الخطوات الموحدة إزاء قضايا العمل اليومي.
وبالتالي إن الحلم بنجاح نسبته تصل إلى 100% من اليوم الأول، هو حلم غير واقعي، وغير عملي، فضلاً عن أنه غير علمي.
(2)
عن سقوط الاتحاد السوفييتي وتراجع دور اليسار
لا تخلو مراجعة لدور اليسار، هنا أو هناك، إلا وتمر بمحطة انهيار الاتحاد السوفييتي، وأثره على دور اليسار، وتراجع هذا الدور في الحالة الفلسطينية، كما في العربية؛ في محاولة للإيحاء أن اليسار الفلسطيني والعربي، بكل تنوعاته كأن صناعة سوفيتية، كان يستند إلى الاتحاد السوفييتي، وأنه بخسارة هذا السند الكبير فقد الكثير من مكانته، في غمز واضح من ضعف شعبية القوى اليسارية.
غير أن هذه المراجعات تجاهلت أمراً مهماً، وهو أن انهيار الاتحاد السوفييتي، شكل زلزالاً كبيراً، أحدث انقلابات كبرى في الفكر والوعي لدى مدارس عديدة، أهمها تلك التي تحدثت عن «موت الاشتراكية»، و«موت اليسار»، وأن التاريخ وصل إلى نهايته المحتومة، أي الرأسمالية، باعتبارها الخيار النهائي للإنسانية. وأن هذا الزلزال وجد له تداعياته وهزاته الارتدادية في كل أنحاء العالم دون استثناء، بما في ذلك، بل وخاصة في الشرق الأوسط. حيث أصابت القضايا العربية كلها حالة من التراجع أمام الهجمة الأميركية – الإسرائيلية.
كما أن هذه المراجعات تجاهلت أمراً هاماً على الصعيد الفلسطيني، وهو أن التراجع لم يصب قوى اليسار وحدها، بل أصاب القضية الفلسطينية كلها، وقواها كلها. فالعلاقة مع الاتحاد السوفييتي لم تكن تقتصر على القوى اليسارية والديمقراطية الفلسطينية، بل على القوى كافة دون استثناء، وأن الحصة الأكبر في العلاقة كانت مع حركة فتح، ومع قيادة م.ت.ف. والوقائع والأرقام، في ميادين المساعدات المختلفة تؤكد ذلك.
ونعتقد أنه لولا تراجع دور الاتحاد السوفييتي وانهياره لاحقاً، لما سار التاريخ في مساره الذي نعيش الآن تداعياته، أي مؤتمر مدريد، ثم مفاوضات واشنطن، ثم قناة أوسلو الخلفية، ثم ما تلاها من نتائج وتداعيات امتدت حتى اللحظة الراهنة.
وأن من آثار الانهيار الكبير، أن عدداً من القوى التي كانت تقترب رويداً رويداً من الفكر الديمقراطي والاشتراكي بتأثير دور الاتحاد السوفييتي، سرعان ما انكفأت، بل وذهبت باتجاهات دينية، تلبية لحاجات، تخدم تحالفاتها وسياساتها الجديدة. كما أن صفاً من الأحزاب الشيوعية انكفأت هي الأخرى نحو البحث عن «تجربة جديدة»، بعضها رأي الحل في تغيير الاسم والانتقال من الفكر الماركسي إلى «كل ما هو متقدم في الفكر الإنساني السياسي»، وبعضها الأخر استعاد موقعه القومي السابق في الحالة العربية.
غير أن عدداً مهماً من الأحزاب اليسارية، في أوروبا، وباقي القارات، وفي المنطقة العربية، صمد في وجه الزلزال، واجتهد في البحث والدراسة، واستخلاص الدروس المهمة لهذه التجربة الغنية، والتي وإن انتهت إلى الانهيار، فإنه لا يمكن تجاهل ما رسمته من مسارات للتاريخ في اسناد ثورات الشعوب المظلومة في ظل الاستعمار الغربي والعدوان الأميركي. بما في ذلك إسناد الدول والشعوب العربية في نضالها ضد الاستعمار وقوى الإمبريالية والصهيونية والعدوان والاحتلال الإسرائيلي.
(3)
لا يمكن عزل اليسار الفلسطيني الجديد (الجبهة الديمقراطية) عن التأثيرات الكبرى للأحداث التاريخية العاصفة في انهيار الاتحاد السوفييتي. إن على الصعيد الفكري، أو السياسي، أو التنظيمي. وإن كنا هناك لسنا في معرض التوقف أمام تفاصيل التجربة، فمن المفيد التذكير بأنه كانت لليسار الفلسطيني الجديد (الجبهة الديمقراطية) نظرة خاصة للبيروسترويكا، ولمفاهيم العلاقات الدولية، كما حاول أن يصوغها غورباتشوف، حين أكدت أن العلاقات الدولية هي تعبير عن موازين قوى وعن مصالح ومنافع، ولا مجال للمفاهيم الإنسانية «البريئة» كما حاول أن يروح لها الزعيم السوفييتي آنذاك. كذلك من المفيد التذكير أن اليسار الجديد (الجبهة الديمقراطية) استخلص الدرس الديمقراطي العميق للتجربة، إن داخل البناء الحزبي ومنظماته الشعبية، أو في إدارة الشأن العام، وأطلق شعار «التجديد الديمقراطي» في صفوفه، لاستئناف النضال من أجل الهدف الأسمى أي بناء المجتمع الاشتراكي، فقد ربط اليسار الجديد بين الاشتراكية وبين الديمقراطية. ودفع إلى الأمام في تطوير مفهوم وقيم المركزية الديمقراطية.
لم يتراجع اليسار الجديد (الجبهة الديمقراطية) عن الاشتراكية العلمية، دليله في فهم التاريخ والواقع والنضال لتغييره. فالاشتراكية العلمية بالنسبة له هي فكر الطبقة العاملة وفكر اليسار العلمي، وليست مجرد خيار عابر، يتأثر بتطورات الحدث العالمي. كما اجتهد اليسار الجديد في فهم الاشتراكية العلمية، وامتلاك أدواتها التحليلية، وخاض في هذا الغمار نقاشات وحوارات، وصاغ دراسات، عكست تجاربه كجزء من حركة التحرر الوطني الفلسطينية، والحركة الثورية العربية، وجزء لا يتجزأ من الحركة الإنسانية للشعوب المناضلة من أجل خلاصها الوطني، وحريتها والعدالة الاجتماعية بأفق اشتراكي علمي. وأدار نقاشات غنية مع صف عريض من القوى اليسارية بتنوعاتها، بما في ذلك في الصين وتجربتها، وكوبا وتجاربها، وصف من الأحزاب الأخرى في روسيا وغيرها من الدول الأوروبية والعربية. وبالتالي لم يستسلم اليسار الجديد(الجبهة الديمقراطية) ولم يقف على الأطلال، بل انطلق في تجربته الفلسطينية، وكما اجتهد في الميدان الوطني، اجتهد في الميدان الفكري، وتعتقد أن إصداراته الغنية، تشهد له على ذلك ولعل من يراجع وثائق هذا اليسار [ الجبهة الديمقراطية] الناظمة لعلاقاته الداخلية [برنامجه السياسي ونظامه الداخلي ومراجعاته الدورية] أو السياسية والفكرية سوف يتلمس بوضوح النقلات، بل والقفزات النوعية التي حققها في هذا الميدان.■
(4)
في السياسة والسلاح
■ لعل اليسار الفلسطيني الجديد (الجبهة الديمقراطية)، وكما شهد بذلك الإعلامي القدير الدكتور ناصر اللحام، كان أول من أعطى اهتماما للسياسة إلى جانب السلاح، في وقت كانت فيه الحالة الفلسطينية تقدس البندقية، وترفع شعارات بذلك، من بينها «هويتي بندقيتي» أو «الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد إلى فلسطين»، في إهمال وتجاهل كبيرين للمسألة السياسية، في إطار التعبئة الداخلية على الصعيد التنظيمي، أو في إطار التعبئة الجماهيرية بالبرامج السياسية والاجتماعية. ويومها قالت الجبهة إن البندقية بلا سياسة قد تتحول إلى بندقية قاطع طريق وقد تنحرف عن أهدافها. أما السياسة بلا سلاح، وفي ظل احتلال، كالاحتلال الإستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، فإنها نضال قاصر وليس فعالاً بالدرجة المطلوبة.
لذلك أطلق اليسار الفلسطيني الجديد(الجبهة الديمقراطية) مقاومته المسلحة منذ اليوم الأول لانطلاقته، ورفع راية الفكر السياسي إلى جانب كل أشكال المقاومة المسلحة وغيرها، خاصة يوم كانت الظروف مؤهلة في ذاك الوقت لإطلاق حرب التحرير الشعبية.
وبعد أيلول 1970، باعتباره محطة فاصلة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، أعاد اليسار الفلسطيني الجديد (الجبهة الديمقراطية) صياغة شعاراته، توجهاته البرنامجية، وأحدث انقلابا في رؤيته لمجمل الحالة الوطنية الفلسطينية، في اشتباك سياسي مع تداعيات حرب أيلول ونتائجها، إن على صعيد المقاومة المسلحة، التي رفع شعار «نقل خلاياها إلى الداخل»، والتي كان من أبطالها الشهيد الكبير ومؤسس الحركة الأسيرة عمر القاسم، أو على الصعيد السياسي وصولاً إلى صياغة البرنامج السياسي المرحلي، في استجابة جريئة، وشجاعة، للتحديات والاستحقاقات، والذي أثبتت الوقائع، على مدى تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، صحته.
وفي ضوء التطورات الميدانية، نشأت القوات المسلحة الثورية لليسار الجديد، التي كان لها الدور المهم والتاريخي لشق الطريق أمام البرنامج المرحلي، باعتباره برنامجاً نضالياً، لا يتحقق إلا بمسارين متلازمين: المسار السياسي واضح الأهداف، ومسار الكفاح المسلح. ولقد أبدعت القوات المسلحة الثورية في عملياتها البطولية في قلب الأرض الفلسطينية المحتلة عام 48، حتى تحول عنوانها إلى كابوس يقض مضاجع المستوطنين الإسرائيليين.
وامتدت ذراع القوات المسلحة الثورية المسماة «قوات الداخل» إلى كل شبر من أرض فلسطين، حيث حققت بطولات، مازالت بعض الدوائر الإسرائيلية ترفض تجاوزها، عملاً بإتفاقات أوسلو، وتصر على محاكمة قيادة الجبهة الديمقراطية في ضوئها، منها على سبيل المثال لا الحصر، عملية ترشيحا- معالوت، وعمليات القدس، والخليل، وبيسان، وغيرها من المدن الفلسطينية والمستوطنات الإسرائيلية.
(5)
مع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الكبرى (الانتفاضة الأولى) كان لليسار الفلسطيني الجديد (الجبهة الديمقراطية) الدور المركزي في بلورة برنامج الانتفاضة، متمثلاً في إعلان الاستقلال (كما صاغه الشهيد الكبير محمود درويش) كهدف مباشر للانتفاضة، التي كان المؤتمر الوطني العام الثاني للجبهة في نيسان 1981 قد بشر بها، وأكد في تحليله وقراءته للوضع في المناطق المحتلة، أن سلسلة الهبات الشعبية المتنقلة بين مدينة فلسطينية وأخرى، سوف تتوج بانتفاضة شاملة، دعت الجبهة، القيادة الفلسطينية أن تتحضر لاستقبال استحقاقاتها.
وتحت سقف الانتفاضة، تشكلت «قوات النجم الأحمر»، الذراع العسكري للجبهة، التي كان لها الدور البارز، جنباً إلى جنب مع باقي الأذرع العسكرية الفلسطينية، في حماية الانتفاضة وإذكاء نيرانها.
أما في الانتفاضة الثانية، فتشكلت «كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية»، في تشكيلات تختلف عن تشكيلات شقيقها «النجم الأحمر»، آخذاً بالاعتبار تغير الظروف، وتنوعها. ومازالت «الكتائب الوطنية» تحتل موقعها في قلب الحدث المقاوم، في الدفاع عن قطاع غزة، ضد العدوان الإسرائيلي. ويسجل لها أنها حققت هدفاً مهماً، هو تحويل دعوتها إلى غرفة عمليات مشتركة للمقاومة في القطاع، إلى حدث فعلي، مازال يحتاج إلى رعاية وتطوير.
الربط بين السياسة والسلاح، عبرت عنه الجبهة من موقعها (يسار فلسطيني جديد) إلى رفع مكانة المقاومة الشعبية، باعتبارها، بأشكالها المختلفة، هي شكل من أشكال «حرب الشعب»، داعية إلى تطويرها إلى انتفاضة شعبية على طريق العصيان الوطني، في المناطق المحتلة كافة، وهو الشكل الأرقى الذي تنخرط فيه قطاعات الشعب وفئاته كلها في «حرب شعبية»، يفترض أن تشكل المحطة التي تسبق محطة رحيل الاحتلال والاستيطان.
وبجرأة واضحة، لم يحرّم اليسار الفلسطيني الجديد(الجبهة الديمقراطية) المفاوضات مع الاحتلال كشكل من أشكال النضال، جنباً إلى جنب مع المقاومة الميدانية، ورسم شروطاً وأسساً وآليات لهذه المفاوضات، كي تقود إلى تحقيق الأهداف الوطنية، في صيغة بديلة للمفاوضات العقيمة لاتفاق أوسلو. لذلك أعلن اليسار الجديد(الجبهة الديمقراطية) نفسه شريكاً في مفاوضات الحل الدائم مع الاحتلال في كامب ديفيد2 بإعتبارها المحطة التي ستنتج عنها اتفاقيات رحيل الاحتلال. والآن يدعو اليسار الجديد(الجبهة الديمقراطية) إلى مفاوضات بديلة، عبر الدعوة لمؤتمر دولي، تحت رعاية الأمم المتحدة، والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبموجب قرارات الشرعية الدولية، وبسقف زمني محدد، وبقرارات ملزمة، تكفل للشعب الفلسطيني الفوز بحقوقه الوطنية المشروعة في تقرير المصير والاستقلال والعودة، دون أن يقابل ذلك أية تنازلات، على غرار تنازلات فريق أوسلو المجانية والتي أورثت الشعب الكوارث الوطنية، ومنها كارثة توسع الاستيطان تحت غطاء عملية تفاوضية عبثية امتدت أكثر من اللزوم بأشواط زمنية كبرى.
(6)
انعطافه في مسار حركة التحرر العربية
■ بنظرة سريعة على واقع اليسار الجديد(الجبهة الديمقراطية) ودوره ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب، بل وكذلك على صعيد حركة التحرر العربية، نلاحظ بوضوح أن تأثيراته كانت واضحة وملموسة لدى العديد من فصائل العمل الوطني العربية فهو اليسار العربي الأول الذي جاهر بيساريته دون مواربة ودون تمويه، وتبنى الكفاح المسلح كأسلوب من أساليب النضال، لذلك امتدت تداعياته من المشرق العربي حتى مغربه. وهو ما يوثقه تاريخ نهوض القوى اليسارية في العديد من الأقطار العربية، وما يوثقه الواقع الحالي لخارطة القوى السياسية اليسارية الجديدة، من المغرب، حتى تونس، والكويت واليمن، والأردن، والعراق وغيرها. فالعديد من القوى اليسارية العربية، تتبنى في أدبياتها النصوص السياسية الخاصة باليسار الفلسطيني الجديد (الجبهة الديمقراطية) وتسترشد بها في تحليلها للوضع الفلسطيني، وتتلمس، بهدي منها، رسم مواقفها من المحطات والمنعطفات والاستحقاقات الوطنية الفلسطينية.
كما أن الكثير من وسائل الإعلام العربية باتت تتوجه مباشرة إلى اليسار الفلسطيني الجديد(الجبهة الديمقراطية)، في المنعطفات الكبرى، لتنقل وجهة نظره إلى الرأي العام، باعتباره السباق إلى رسم الجديد وتلمسه في التطورات المتلاحقة. كما أن بيانات اليسار الفلسطيني الجديد (الجبهة الديمقراطية) تحتل المواقع المتقدمة في نشرات وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، كونها تحمل الجديد إلى الرأي العام.
وأخيراً وليس آخراً
يمكن القول، ونقلاً عن لسان شخصيات سياسية وازنة، ومفكرين فلسطينيين وعرب ذوي شأن، إن اليسار الفلسطيني الجديد(الجبهة الديمقراطية) بقيادته المثابرة على تحمل المسؤولية، نجح في بناء التحول إلى تيار سياسي، وبنى مدرسة سياسية خاصة به، ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب، بل وعلى الصعيد العربي، كما بنى لنفسه مكانة مميزة لدى اليسار العالمي بألوانه المختلفة. وهو، يوماً بعد يوم، يستشعر ثقل المسؤولية المتزايد على عاتقه، مدركاً أهمية استنهاض كل عناصر قوته، جنباً إلى جنب مع باقي القوى اليسارية والديمقراطية والتقدمية والوطنية الفلسطينية في معركة الخلاص الوطني.■
< معتصم حمادة