تحدث المخرج السينمائي المغربي فوزي بنسعيدي عن تجربته السينمائية، بالأخص عن أفلامه القصيرة، تطرق إلى المواضيع والتقنيات التي اعتمدها في إنجاز أفلامه ورؤيته الخاصة للممارسة الإبداعية وإدارته للممثلين إلى غير ذلك من العناصر المكونة للعمل السينمائي.
وأكد في الدرس السينمائي الذي ألقاه في إطار الأنشطة الموازية لمهرجان الفيلم القصير المتوسطي بطنجة، على أن حضور الطفولة في جل أفلامه، ليس اعتباطيا أو أنه أتى مصادفة، بل نابع من الوعي بأنه يدين بكل شيء لطفولته التي كانت مطبوعة بحرية كبيرة، مما جعله يعيش نوعا من التمرد حتى في ما يخص الممارسة الإبداعية.
وارتباطا بالطفولة كذلك، أشار بنسعيدي إلى أنه كانت لديه ميول للاختراع، وأن أمنيته كانت هي أن يصبح مخترع آلات، غير أنه كان ضعيفا في مادة الرياضيات، الشيء الذي دفعه إلى أن يصرف النظر عن ذلك، غير أنه استطاع أن يعوض هذه الأمنية بالإخراج السينمائي، إيمانا منه بأن الإخراج هو شكل من أشكال الاختراع عن طريق تشكيل فضاء معين أو مشهد معين وإيجاد موقع له في الصيرورة الفيلمية.
واعتبر أن النوادي السينمائية أواسط الثمانينات، قد لعبت دورا أساسيا في جعله يكتسب الوعي بالممارسة الإبداعية السينمائية، من خلال ما كانت تعرضه من أفلام ذات بعد كوني، فضلا عن خزانة الكتب التي كان يرتادها في بدايات انفتاحه على عالم السينما، حيث سمح له ذلك بالاطلاع على تقنيات كتابة السيناريو وتشكيل الصورة السينمائية. وبالتالي شدد على أهمية مشاهدة الأفلام والتزود بالمعرفة السينمائية عن طريق قراءة الكتب أو المجلات أو غير ذلك.
كما أثنى على الدور الذي لعبته المعاهد الأوروبية في صقل موهبته في مجال الإبداع السينمائي، حيث أتيحت له مشاهدة الأعمال السينمائية الأساسية، سواء من الإنتاج الإيطالي أو الروسي أو الأنجليزي.. الاطلاع على اتجاهات ومدارس سينمائية مختلفة يعد حاسما في اكتساب رؤية جديدة والقدرة على تجاوز ما هو سائد من إنتاجات محلية أو غير محلية. وفي هذا الإطار، ذكر بنسعيدي أمرا طريفا، وهو أنه في سنه المبكرة، حين كان يشاهد الأفلام الأجنبية، لم يكن يفهم ما يقوله الممثلون، سيما وأن تلك الأفلام لم تكن مصحوبة بالترجمة، مع ذلك كان يظل مشدودا إلى المشاهد، وكان ذلك يجعله يحس بأنه كاف لإغناء رصيده المعرفي، واستنتج أنها كانت فترة مجنونة بحق.
وتحدث عن ظروف اشتغاله على أفلامه، مذكرا بأن القصص التي يتناولها في هذه الأفلام عادة ما تأخذ بعدا غرائبيا. وهذا ناتج حسب قوله عن أنه كان دائما يبحث عن لغة أخرى أكثر قوة، وذكر في هذا الإطار أن الفن الوحيد الذي يقترب من قوة الموسيقى، هو السينما.
وبالنسبة إليه، فما يهمه من الإخراج السينمائي، ليس تقديم دروس تربوية أو إخبارية، بل تجسيد قوة اللغة وقوة الموسيقى وكذا القوة التي تنطوي عليها مختلف التعابير. إنه عن طريق حركة الكاميرا يمكن خلق أشياء غير مألوفة وإبراز تلك القوة الكامنة في الموسيقى وفي غيرها من أشكال التعبير.
السينما بالنسبة إليه ستظل فنا صعبا، مهما توفرت الإمكانيات التكنولوجية، فإذا كان الرسام يكتفي بالرسم، وإذا كان الكاتب يكفيه أن يكون ملما باللغة التي يعبر بها، فإن المخرج السينمائي ينبغي أن تكون لديه معرفة بأشياء متعددة، وهو ما يشكل عبئا كبيرا، واعترف في هذا الإطار بأنه يتمنى لو يقتصر عمله على التمثيل، لسبب بسيط هو أنه كسول، ولا يحتمل تعدد المسؤوليات الملقاة عليه حين يباشر عملية الإخراج.
إن طريقة اشتغاله تقوم على أساس خلق مزيج من الشخصيات وإرجاع للحياة تعقيدها، إنه مولع بالتناقضات التي يعرضها الشريط السينمائي: المقدس في مقابل المدنس، إلى غير ذلك، وهذا الوضع يمنحه الإحساس بالحرية، سيما وأنه يواجه في كل تجربة فيليمية تحديا، يتمثل في تحقيق ذلك التناغم المستحيل، عبر جعل الكاميرا تحكي، إنها بمثابة أداة للإمساك بالروح. الشيء الأساسي الذي يأخذه بعين الاعتبار هو عدم تكرار تجاربه السابقة أو تجارب غيره، إنه دائم البحث عن تلك البصمة الخاصة التي تميزه عن غيره من المخرجين السينمائيين، وهذا لا يتأتى في نظره دون أن يسود الاحترام في التعامل مع الممثل وفي إدارته، ينبغي أن لا يتم التعامل معه باعتباره أداة لتبليغ فكرة ما، بل من الضروري أن تسود الروح الإنسانية.
وتوقف بنسعيدي بعد ذلك عند مسألة أساسية، وهي التأثير السلبي للتكنولوجيا على السينما، لقد جردتها من شحنتها الإبداعية الخالصة، باعتبارها شكلا من أشكال مقاومة البلاهة. التكنولوجية الرقمية بقدر ما ساهمت في تيسير ظروف العمل السينمائي، بقدر ما أفسدت روحه الإبداعية، وغدت أغلب الإنتاجات السينمائية الحديثة شبه منمطة.
مبعوث الجريدة إلى طنجة: عبد العالي بركات