كان طبيعيا أن تكون لنتيجة الديربي بين فريقي الرجاء والوداد البيضاويين في صيغته العربية تداعيات كبيرة، نظرا للطريقة التي جاء بها تعادل الفريق الأخضر في الوقت القاتل وبحصة كبيرة، مما فجر الكثير من ردود الفعل، فرحة عارمة من جانب الرجاويين، وانتقادات لاذعة من طرف الوداديين.
فأشد المتفائلين من جانب القلعة الخضراء لم يكونوا ينتظرون كل هذا السيل من الأهداف لتحقيق تكافؤ بطعم الانتصار، والنتيجة على بعد ربع ساعة من نهاية المباراة، أربعة أهداف لواحد، أبدا ولا في الأحلام، وحتى في تاريخ كرة القدم العالمية فمثل هذه “الريمونتادا” نادرة التحقيق.
كما أن أشد المتشائمين من جانب القاعدة الودادية، لم يتوقعوا هذا الانهيار الكبير لخط دفاع فريقهم، إذ حدث ما يشبه الكارثة بالنسبة لهم، ففي دقائق معدودة تحول الفرح إلى سراب ومجرد ذكرى غير سارة تماما، ستتحدث عنها الأجيال القادمة بكثير من الاستغراب والذهول.
إنها روعة كرة القدم، وجمالية هذه الرياضة التي لا يمكن أن تقارن بباقي الأنواع مهما بلغت من الدقة والفنية، ومهما اجتهد ممارسوها في تقديم الأفضل، لأن كرة القدم ببساطة تمس المشاعر الإنسانية، وتلامس وجدان وأحاسيس الشعوب، فصورة الطفل الذي يرتدي لباسا رياضيا أحمر، وهو يبكي بعد نهاية المباراة، تختزل كل ما نقوله الآن، من كون كرة القدم أصبحت بالفعل متنفس الشعوب، والمالكة لكل أدوات التأثير الجنوني الذي يخرج الإنسان من حالته العادية، ليصل به إلى عوالم أخرى.
كل هذا يؤكد أيضا قيمة الفريقين المغربيين، وتأثيرهما الواسع في الحياة العامة، ليس فقط على مستوى مدينة كبيرة كالدار البيضاء، بل بباقي المدن على الصعيد الوطني، وأيضا بمختلف بقاع العالم، أينما كانت هناك جالية مغربية، فالأكيد أن هناك من يحمل في قبله حبا للونين الأحمر أو الأخضر.
إلا أن المرفوض هو الوصول إلى حالة من التعصب والخروج عن السيطرة، والانفلاتات التي تكون لها عواقب وخيمة، فالمبالغة في ردود الفعل الغاضبة، والإفراط في تعابير الفرح المستفزة أحيانا يعطي نتائج عكسية تماما، تضرب في الصميم هذه الرياضة التي نحبها جميعا، وتهدينا بين الفينة والأخرى لحظات فرح نتقاسمها رغم كل الاختلافات.
فالديربي البيضاوي هو بالفعل قيمة وطنية حقيقية وهذا الوزن غير العادي أكدته التغطية التلفزية الاستثنائية الذي خصصته القناة العربية الناقلة، والتي تفوقت في استغلال الحدث إعلاميا وتجاريا ودعائيا، بل فتحت أعين الكثير من المترددين غير المدركين لهذه الحقيقة، أن الديربي المغربي مكسب يجب الحفاظ عليه وتطويره، والاجتهاد في تسويقه بطريقة تجعله منه موعدا بأبعاد ليست تجارية فقط، بل وطنية تساهم في الترويج لمغرب كل التحديات.
محمد الروحلي