نبارك للرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره ومستشاره جاريد كوشنر “صفقة القرن”. من أين كنا سنأتي بكل هذا الهياج والحماس من دون إطلاق مشروع مثل هذه الصفقة؟ لا أحد يستطيع الآن القول إن العرب نسوا القضية الفلسطينية وانشغلوا بهمومهم وثوراتهم وتسوياتهم. هاؤم آتيناكم ردنا.
لدى ترامب قدرة استثنائية على تهييج الناس. يرمي بتغريدة مضحكة فتفتح الأبواب لكل أنواع التحليلات والتذاكي الفكري والسياسي. الرجل جاد في لحظة إطلاق التغريدة. ولكنه، أسوة بالعقل الإنساني الجديد الذي تشكل في عصر قلة التركيز وزيادة التصفح ونقص الخبرة، ينسى ما قاله أو ما غرّد به. فتخبو القضية بعد فترة وتُنسى.
لكن هذه المرة تفوّق ترامب على نفسه، على الأرجح من دون أن يدرك ذلك. ضع “صفقة القرن” على جانب الطاولة. اِنْسَ كل بنودها وتفاصيلها. تمعّن فقط في المصطلح: صفقة. بالإنجليزية، هي كلمة عادية. رجل أعمال متاجر بالسياسة وصل إلى رئاسة أهم بلد، ماذا كان سيسمي مشروعه؟ هل كنا ننتظر تسمية مثل “المشروع الفكري والسياسي ذو المنطلقات التاريخية والإنسانية لوضع حل للصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية وتأسيس سلام في الشرق الأوسط وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وقطع الطريق على إيران وتركيا من التدخل في ما لا يعنيهما ورسم البهجة………” إلى آخره من الكلمات. لا بالتأكيد. صفقة وحسب.
وهذا يأخذنا إلى البعد الأهم الذي لم يدركه ترامب ولو في أحلامه. “صفقة”. يا لها من كلمة بالعربية. سيموج الكتاب والسياسيون جذلا بالكلمة. هذه ليست كلمة. هذه هدية؛ “هدية القرن”. لماذا؟ لأن بلمسة ساحر وباستبدال حرف واحد تصبح صفقة صفعة: “صفعة القرن”. أكاد أتخيل الشبق الذي اعترى الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو يقولها، وإحساسه أيضا بالأسى وقد سبقه إليها رهط كبير من محبي “الأفيه”. “الأفيه” مصريا، هو فن التلاعب بالكلمات عبر تغيير طريقة نطقها أو باستبدال حرف من كلمة ليصبح الكلام أكثر إضحاكا. رددوا معي: صفعة القرن.. صفعة القرن. لماذا نردد؟ ضع “صفعة القرن” في محرك غوغل وسترى الابتذال في استخدام المصطلح. مقالات. تقارير. برامج تلفزيونية. رسوم كاريكاتير. رسوم متحركة وأنيميشن. تركيب صفعة على وجه شخص مسكين لا علاقة له بالأمر.
ترامب باستخدامه الكلمة، ما كان يدرك أننا سنتلهى بتحويرها وبالحديث عنها من هذا الجانب وننسى القضية نفسها. لو كان يدري، لصفعنا بها منذ أول يوم وصل فيه إلى الحكم.
نبارك له صدفة الكلمة وترجمتها. هذا رئيس محظوظ دوما. أين تذهب “اتفاقية كامب ديفيد” و”اتفاقية وادي عربة” و”اتفاقية أوسلو” و”هدنة غزة” أمام “صفعة القرن”. كلمات باردة بلا حد أدنى من الإثارة. من يحتاج إلى التفكير في حلول للقضية إذا كان لا يفكر إلا في الصفعات. صفعة يالربع.. وليس صفقة. صفعااااااا.
هيثم الزبيدي
كاتب عراقي