خوفا من تفشي فايروس كورونا وارتفاع عدد ضحاياه وتجنبا لحدوث ما أفرزته كوارث سابقة حصلت في التسعينات جراء أوبئة مماثلة كوباء الإيدز، اتخذت حكومة جنوب أفريقيا إجراءات نوعية بتجنيدها الآلاف من الأطباء للقيام بحملة للكشف على المواطنين للتأكد من السيطرة على المرض.
وكلفت الحكومة في جنوب أفريقيا قرابة 10 آلاف من أعوان الخدمات الصحية لزيارة الأحياء الفقيرة المنتشرة في كافة أنحاء البلاد لمطاردة الوباء عبر الزيارة الميدانية لمنازل والأحياء المكتظة بالسكان لفحصهم والتأكد من عدم أصابتهم بكورونا.
حاملين استبياناتهم ومعدات للفحوص الطبية، يقف صيادو كورونا المستجد في طليعة جيش البدلات الزرقاء الذي كلفته السلطات بمطاردة الفايروس في قلب ضواحي جنوب أفريقيا الأكثر عرضة للخطر.
ودخلت هذه الفرق الطبية بين مباني حي يوفيل القريب جدا من وسط جوهانسبرغ، وهو أحد أفقر الضواحي ومن بين أكثرها تأثرا بتجارة المخدرات في أكبر مدن البلاد.
وتقول الممرضة زولا ديلومو “طلبنا من السكان إعلام جيرانهم ليتقدموا لنعاينهم ونفحصهم إن أمكن”. وفي ظلّ الحجر التام، استجاب بعضهم إلى الدعوة. وتعلق الممرضة على ذلك بسعادة: “لقد جاؤوا وهم على استعداد حتى للفحص”.
وفرض الرئيس سيريل رامفوسا على مواطنيه البالغ عددهم 57 مليون نسمة البقاء في منازلهم لثلاثة أسابيع على الأقل، على أمل إبطاء نسق الانتشار المقلق للوباء في البلاد.
وفي جنوب أفريقيا، لم يصب كوفيد-19 حتى الآن سوى 1585 شخصا، توفي تسعة منهم، وهو رقم بعيد عن الحصيلة في بعض بلدان أوروبا التي شهدت وقوع الآلاف من الضحايا.
إجراءات استباقية للتصدي للوباء
لكن الفايروس بدأ يظهر في الضواحي. ويخشى الرئيس أن ينتشر بوتيرة عالية في الأحياء الأكثر فقرا المكتظة بالناس والتي تفتقر في أحيان كثيرة إلى الماء والحمامات.ولضمان عدم حصول ذلك، أطلقت الحكومة حملة فحوص غير مسبوقة في جنوب أفريقيا، يفترض أن تشمل 10 آلاف طبيب وممرضة ومتطوع، مهمتهم مطاردة العدوى في كل منزل من منازل الفقراء. وفي يوفيل، قُسّم جنود المشاة هؤلاء إلى 8 مجموعات صغيرة كلفت كل واحدة منها بتمشيط مساحة كلم مربّع.
ويقول المسؤول عنهم كيغوربتسي ندينغادينغا “هدفنا توعيه الناس. بعضهم لا يفهم معنى الحجر”، مضيفا “صحتهم هي أولويتنا القصوى”.
وأكد مايكل موشين (58 عاما) أن “هذا مزعج بعض الشيء، لكن علينا أن نكون أقوياء”، ويتابع “هذا ضروري لمعرفة حالتك”.
وحتى اليوم، أجري نحو 48 ألف فحص من هذا النوع في جنوب أفريقيا، تم تحليل أغلبها في مخابر خاصة، وفق أرقام السلطات الصحية.
واعتبر وزير الصحة زويلي مخيزي أنّ هذا الرقم غير كاف، إذ يرى أن هذه الاحصائيات لا يمكن أن تظهر سوى قمة جبل الوباء.
وحذّر الوزير هذا الأسبوع من أنّ “انتقال العدوى محليا يرتفع في صمت”، وأضاف “في الأحياء الفقيرة، لا يزور الناس الذين تظهر عليهم أعراض خفيفة المستشفيات بالسرعة المطلوبة، وهم يجهلون حقيقة المشكل”.
وتهدف هذه الخطة إلى رفع عدد الفحوص، على غرار ما قامت به كوريا الجنوبية للسيطرة على الفايروس. ويأمل مخيزي أن يرتفع العدد من 5 إلى 30 ألف فحص يوميا بعد تعزيز قدرات 10 مختبرات عمومية وتوفير 67 مختبرا متنقلا.
تبدو الخطوة طموحة أكبر من الواقع، إذ كان الإقبال على الفحص محدودا يوم الجمعة. ولا يعتبر ذلك مفاجئا بالنسبة إلى موشوني المقيم في يوفيل منذ 26 عاما.
ويذكره سلوك جيرانه بما حصل في التسعينات، حين اجتاح فايروس إيدز البلاد. ويقول في هذا الصدد “لم يأخذ أحد التهديد بجدية حتى أوقع السيدا أول ضحاياه”.
وتحاول الممرضة دلومو أن تؤمن بجدوى الحملة، وتقول “ربما حين يروننا في الحي، سيعي الناس بوجود الخطر وبأن عليهم اتخاذ احتياطات”.