لا يتقبل الكثيرون مجرد التلميح إلى وجود أمهات يشعرن بالغيرة من بناتهن نظرا إلى أن هذه المشاعر السلبية تناقض مشاعر الأمومة، وبدلا من تلقي الدعم ستجد الابنة المنافسة من قبل أمها، نظرا إلى أن الأم التي تعاني من الغيرة تجد صعوبة في السماح لابنتها بالنمو أو التطور، فتحاول مواكبتها ومجاراتها وحتى التفوق عليك.
وقال خبراء إنه غالبا ما تكون الأم منبع الأمان والطمأنينة للعائلة، والملاذ الأول لأطفالها وخاصة بناتها، حيث تكون علاقة الأم بابنتها علاقة خاصة ومميزة، لكن من الممكن كذلك أن تحمل نصيبها من المشاكل على رأسها الغيرة. تقارن الأم الغيورة نفسها بالآخرين باستمرار، وقد تقوم باختيار ابنتها كمقياس لها، وبدلا من الفخر والسعادة، تشعر بالاستياء، كون ابنتها استطاعت تحقيق ما لم تستطع إنجازه.
وأكدت المختصة في العلاقات الأسرية والزوجية الدكتورة كاريل ماكبرايد أن شعور الأمهات بالغيرة من بناتهن من الموضوعات المؤلمة، وأشارت إلى أن الشعور بالحسد والغيرة لاسيما من قبل الأم هو أمر مخيف ومرعب، لأن شعور الابنة بذاتها يلغى بالازدراء والنقد. ويتم التشكيك في قيمتها أو تسليط الضوء عليها، مما يجعلها تشعر بأن أمها تسعى إلى طمس شخصيتها، وفي مقابل ذلك ليس من المنطقي بالنسبة للابنة أن والدتها ستشعر بهذه المشاعر السيئة. تبذل الابنة قصارى جهدها لفهم الموقف وتقرر أن هناك خطأ ما معها.
وأوضحت أن بنات الأمهات الغيورات يجدن صعوبة بالغة في الحديث عن هذا الموضوع، ويجدن صعوبة أكبر في التصالح معهن. وهن عادة لا يتقبلن حقيقة حسد الأم. وبدلاً من ذلك يعتقدن أنهن ارتكبن خطأً، مما يخلق عقبات أمام تنميتهن الصحية وبناء شعورهن بالذات.
وأشارت إلى أنه عندما تحسد الأم ابنتها ثم تنتقدها وتقلل من قيمتها، فإنها تقلل من خطر احترامها لذاتها، منبهة إلى أن الحسد هو أداة قوية في ذخيرة النرجسيين، وعند توجيهه إلى الابنة، فإنه يخلق شعورا بالعجز والشك المؤلم في النفس.
بينما تكبر الفتاة الصغيرة تستخدم والدتها كمثال أساسي لها عن كيف تكون فتاة وامرأة وصديقة وعشيقة وشخصية في العالم. إذا كانت هذه الأم نفسها تحبطها، وتغار من إنجازاتها، فإن الابنة لا تصبح مرتبكة فحسب، بل تستسلم غالبًا. ولأن مهمة الوالدين هي ملء كل مرحلة من مراحل النمو بالرعاية والحب والدعم والتشجيع، تجد الابنة فراغا لا تستطيع تفسيره.
منبهة إلى أن الأم الغيورة تشعر بأنه ليس من حق ابنتها أن تعيش ما لم تستطع هي أن تعيشه.
ويرى البعض أن غيرة الأم من ابنتها يعتبر استثناء ولا يمكن تعميمه لأنه مرتبط بخلل في شخصيتها نتيجة للظروف الأسرية والاجتماعية التي تربت فيها، وكشفت دراسة أنجزتها جامعة تيمبل يونيفيرسيتي بولاية فيلادلفيا الأميركية شملت أكثر من 100 أم و200 ابنة مراهقة، أن 18 في المئة من الأمهات شعرن بالغيرة من بناتهن المراهقات، وعبرن عن ذلك بعدم قبول نصائحهن عند اختيار ملابسهن.
وتوصلت الدراسة إلى أن الأب قد يكون هو المسؤول عن غيرة الأم من ابنتها بسبب اهتمامه الزائد بها، وفي الحقيقة فإن اهتمام الأب بأبنائه أمر طبيعي لتحقيق الترابط الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة، وكل أم تفرح بذلك الاهتمام، لكن قد تكون نتيجة اهتمام الأب بأبنائه إهماله لزوجته وإغفاله عن الاهتمام بها، ومن ثمة تشعر الأم بشكل تلقائي بالغيرة لأنها وقعت ضحية إهمال الأب الذي وجّه كل اهتمامه ومشاعره نحو ابنته.
وأشار علماء النفس إلى أن تنشئة الأم النفسية والاجتماعية والأخلاقية والعقلية في مرحلة طفولتها لها تأثير كبير في سلوكها تجاه ابنتها، وشعورها بالغيرة نحوها نتيجة فشلها منذ الصغر في تكوين خصائص وسمات شخصية إيجابية خاصة بها وإظهار شخصيتها.
وأكدوا أن شعور الأم بالحرمان العاطفي يؤدي إلى انحراف في مشاعرها وتعتبر من الأحاسيس غير السوية والتي قد تنشأ نتيجة بعض المتغيرات البيئية والشخصية مثل انخفاض درجة الوعي لدى الأم وطبيعة نظرتها إلى ابنتها، ولفتوا إلى أن هذه المشاعر غير السوية التي تنتاب الأم وتصيب الابنة بصدمة مؤلمة تجعلها تعيش في حرمان عاطفي.
وبيّن المختصون أن بلوغ مرحلة انقطاع الطمث من الأسباب الطبيعية والمتوقعة لغيرة الأم من ابنتها والتي تحدث بسبب التغيرات الهرمونية والجسدية والنفسية التي تمر على الأم خلال هذه الفترة من حياتها. والتي تشعر خلالها أنها شخص غير مرغوب فيه أو شخص أقل جاذبية وأقل خصوبة، بالإضافة إلى الأعراض الجسدية مثل جفاف الجلد وزيادة الوزن وخشونة شعر الوجه، مما يجعل الأمهات يظهرن أقل ثقة وأكثر قلقا، ويؤثر على علاقتهن ببناتهن ويولد شعورهن بالغيرة منهن.
وقالوا إن بعض النساء تنتابهن مشاعر الغيرة عند قيام أحد بناتهن بالاقتراب من أبيها. ولفتوا إلى أن وجود رغبات غير محققة عند الأم يجعلها تشعر بالغيرة. فالكثير من الأمهات يشعرن بالغيرة عند رؤيتهن لبناتهنّ يتمتعن بحريات وفرص أكثر مما حصلنّ عليهن في الماضي. الأم الغير الناضجة عاطفياً تعاني من التقزم النفسي وتكون رؤيتها لابنتها بأنها شخص منافس لها، وعندما تنجح او تزدهر ابنتها تبدأ مشاعر الغيرة تتفاعل في داخل نفس الأم، والأم الغير الناضجة عاطفياً أيضاً هي أم أنانية ترى نفسها ولا ترى الآخرين حتى وإن كانوا أبناءها.
ونبهو إلى أن التنشئة الاجتماعية والأخلاقية والنفسية للأم، وفشلها في إنشاء وتكوين شخصيتها الإيجابية منذ صغرها يؤثر على سلوك الأم وشعورها بالغيرة من بناتها أو أخواتها. كما أنه مع مرور الزمن وظهور علامات التقدم في السن وفقدان الأم لجمالها وحيوتها ورؤية حيوية ونشاط وجمال الابنة والاهتمام بملابسها ومظهرها الخارجي فإنها تصاب بالغيرة. بالإضافة إلى حرمان الأم من الترفيه والحرية في فترة شبابها، وفي نفس الوقت ترى ابنتها تتمتع بهذه الحريات وبشكل كامل.
ويساهم وصول الابنة إلى مرتبة أو مركز مرموق في العمل في توفير المتطلبات التي تحتاجها، وتبقى الأم معتمدة بشكل أساسي على زوجها لتلبية طلباتها.
وأوضح المختصون أن علاقة كل إنسان مع أمه وأسرته هي جزء من صورته الاجتماعية، لذلك يحرص الكثيرون على إظهار الإيجابيات فقط في هذه العلاقات، ولا يتم الاعتراف علناً بإشكاليتها وما قد تمر به من عقبات وخلافات، حفاظاً على تلك الصورة، مما يجعل أنه من الصعب مثلاً التطرق إلى مواضيع تتعلق بغيرة بعض الأمهات من بناتهن علنا، لأنها تكسر الصورة المثالية التي رسمت عن الأمهات.
ولفت أخصائيو علم النفس إلى أن غيرة أم من ابنتها يمكن اعتبارها أمرا طبيعيا إذا كانت ضمن حدود معينة وتحت السيطرة، إلا أنها تخرج عن إطارها المقبول عندما تشعر الأم أن ابنتها تشكل تهديداً لها.
وأفادوا أن الغيرة قد تصبح أمراً مرضياً عندما تبدأ علامات الشيخوخة بالظهور على الأم، أو في فترة انقطاع الطمث وما يصاحبها من تغيرات فيزيولوجية، بينما تكون الابنة في أوج شبابها. هذا بالإضافة إلى الإنجازات التي تحققها الفتاة في حين تكون الأم قد عجزت عن تحقيق رغباتها أو ممتلكاتها المادية، تعليمها وعلاقتها مع والدها، أو لأنها أصبحت أجمل من أمها.
وأوضح الخبراء أن الأم غير الناضجة عاطفيا تكون احتمالات انسياقها وراء الغيرة من بناتها أكثر من غيرها، خاصة إذا كانت علاقتها مع والدهن غير متوازنة وليس فيها مستوى مقبول من الأمان والاحتواء والثقة، قد تظن أنهن قد أزحن اهتمامه وحبه عنها، منبهين إلى أن الأم التي تتمتع بشخصية متوازنة تكون فخورة ببناتها، سعيدة بنجاحهن وإنجازاتهن وتكون داعمة لهن، ضمن حدود لا تلغي وجودها وكيانها ورغباتها مقابل عدم حرمان أولادها من حقوقهم عليها.
وأكدوا أن غيرة الأم من ابنتها تولد الشعور بالألم لدى ابنتها؛ وتدفعها إلى العيش في حرمان عاطفي، وقد يؤدي ذلك إلى مشكلات اجتماعية خطيرة، من حيث طريقة تعاطي الابنة مع الآخرين، ومفهومها للزواج وتكوين أسرة، والخوف من فكرة الأمومة من الأساس.
وقال المختصون إن غيرة الأم المرضية تؤدي حتما إلى تعرض الابنة لأزمات نفسية، منها الإصابة بالاكتئاب ثنائي القطب والشره العصبي، وحتى الوقوع في الإدمان.
موضحين أنه عندما يمثل التقدم في العمر هاجسا لدى المرأة، تشعر أن الجمال مرتبط بصغر السن، فتقارن نفسها بابنتها التي مازالت تمتلك كل ما فقدت، وتشتعل غيرتها. وتظهر هذه الحالات غالبا في الأمهات اللواتي عشن حياة عائلية غير مستقرة في الطفولة، أو اللواتي عانين من غياب الأب أو قسوته.
الإحساس بالنقص يدفع الأمهات إلى الغيرة من بناتهن
الوسوم