يتواصل ارتفاع أسعار الخضر والفواكه بعد انتهاء شهر رمضان، بل تضاعفت أسعار بعض الأنواع طيلة النصف الأول من شهر ماي الذي يعتبر، بحسب الفلاحين، مرحلة شهر جني المحاصيل.
ففي جولة لبيان اليوم بأسواق الدار البيضاء، كان لسان حال المواطنات والمواطنين ينطق بالتذمر من إنهاك قدرتهم الشرائية التي باتت لا تفي حتى بالحد الأدنى، بعد أن أغرقتهم متطلبات الشهر الفضيل، او “شهيواته” في الديون.
بيان اليوم عاينت في جولتها التفقدية، وفرة العرض وجودته وتنوعه وطراوته، حيث إن بعض الخضر تحمل زهورها معها، كدليل على طراوتها، لكن بلوغها كان صعب المنال بالنظر إلى ارتفاع أسعارها.
تقول نعيمة، سيدة كانت تقف أمام بائع الخضر، “إن السعر لم يتزحزح قيد أنملة عن مستواه خلال رمضان. كنت أقتني البطاطس ب4 دراهم في شهر رمضان، شأنها شأن الجزر، وهاهو سعر المادتين لم يتغير، بل ارتفع ليصل إلى 4 دراهم ونصف”.
وتضيف المتحدثة، وهي تخرج المال من حقيبتها لتسديد ثمن مشترياتها، إن سعر باقي الخضر، كالطماطم والفلفل والبادنجال والخيار والجلبانة يتأرجح ثمنها بين 7 و 10 دراهم، وهو أمر غير مقبول، يرغمنا على تقليص الكمية المشتراة رغم عدم كفايتها لإشباع أسرنا”.
دلفت بيان اليوم إلى باعة الفاكهة، المصطفين في جانبهم المخصص لهم، يزينون واجهة محلاتهم بأنواع الفواكه المتوفرة خلال الموسم، فوجدت أن الموز قفز إلى مستوى ثمنه مند شهور ليتجاوز 9 دراهم للكيلو الواحد، بينما التفاح ما زال متشبثا بسعره الذي لا ينزل عن 13 درهما، أما البقية فتختلف أثمانها، لكنها تتوحد في بعض الارتفاع المسجل.
بائعو الخضار، بدورهم، يعرضون ما لديهم، والأثمان تختلف من أسبوع إلى آخر، لكنها في المجمل تحافظ على ارتفاعها الذي يعتبره العديد من المواطنين مرهقا، ونصل إلى بائع الدجاج الذي ينهي عمله في حدود منتصف النهار بعد نفاد سلعته، معلنا أن انخفاض الكيلوغرام الواحد من الدجاج لا ينتظرنا في منعطف الطريق، بل سيشد مزيدا من الارتفاع خاصة مع حلول فصل الصيف .
أحد الباعة لفت انتباهنا بشكواه من الغلاء، مؤكد ل”بيان اليوم” أن سوق الخضر بالجملة “لا يرحم”، وأن غلاء الأسعار هو “من المصدر”، ويعلل ذلك بندرة الخضر في هذا الوقت من الزمن الزراعي، دون أن يغفل عوامل أخرى بحسبه تتعلق بندرة مياه السقي، وانشغال الفلاحين بأشغال أخرى عن زراعة الخضر، مثل تربية الأبقار المدرة للحليب وكذا تسمينها…وختم المتحدث قوله أن تاجر الخضر بالتقسيط “كيربح عا البركة”..
وتدخل رجل مسن موضحا أن ارتفاع الأسعار يحرم من سماهم ب”الدراوش” من تناول الخضر باهظة الثمن منها، مضيفا بتهكم “النعناع لا يزال في المتناول. وهو ما سيسمح لنا على الأقل بتحضير وجبة الخبز والشاي”.
وسخونة السوق ما بعد رمضان قد تطال قريبا أسعار البيض و ولحوم الدواجن. خوف زكته “المندوبية السامية للتخطيط” في تقرير حديث حول تطور أثمان الاستهلاك خلال النصف الأول من سنة 2021 ، أكدت فيه أن ارتفاع أسعار المواد الخام في السوق الدولية قد يمتد إلى اللحوم الحمراء والبيضاء، حيث إن ما يناهز 87 في المئة من أعلاف الحيوانات والتسمين تتكون من الذرة والشعير والصوجا، ومعظمها تستورد من الخارج. وأشارت إلى أن الزيادات في أسعار الزيوت والمنتجات الغذائية الأخرى مثل الحبوب تعزى إلى ارتفاع أسعار المواد الخام في السوق الدولية.
بهذا الخصوص، قلب محمد، شاب في عقده الثالث، صاحب محل جزارة لبيع الدجاج، إن السعر لم يختلف كثيرً، فهو منذ مدة بين مد وجزر، مرة يبلغ 16 درهماً للكيلو الواحد ومرة ينزل إلى 13 درهما، لكنه سيعرف زيادات قريبا.
سألت بيان اليوم محمد عن سبب هذا الارتفاع المرتقب، فأجاب أن البضاعة تأتيه بثمن يفرض عليه السعر الذي يبيع به للمواطن، وتحدث عن منتجي الدواجن أصحاب الضيعات التي تتخصص في تربيتها، كما تحدث عن العلف وارتفاع سعره، وعن الصيف وما يعرفه من زيادة للطلب.
وخلص هشام إلى أنه حتى بالنسبة للمواطن العادي من ذوي الدخل المتوسط يبقى سعر الدجاج مرتفعا.
غير بعيد عن محمد ، يقف إدريس بائع الخضر وهو يتجاذب أطراف الحديث مع زبون والموضوع هو غلاء الأسعار، النقاش كان قصيرا لأن كليهما يعرف أن الأمر لا يستحق عناء الجدل، فالسعر يفصل فيه سوق الجملة، وقبل ذلك الوسطاء بين الفلاح والتاجر.
أشار إدريس في حديثه للبيان اليوم إلى أنه يحس بمدى صعوبة الأمر على الزبون، ويؤكد أن عدداً منهم يعرفهم ويعرف قيمة مشترياتهم من سنوات خلت وكيف تغير حجم “القفة” من الامتلاء حد التضخم إلى ما تيسر.
وقال إن زبائن كانوا يشترون الخضار بزيادة عما يحتاجونه، فأصبحوا بعد ذلك يكتفون بما يسدّ حاجة الأسبوع، مؤكداً أن يومي السبت والأحد يعرفان رواجاً بحكم العطلة الأسبوعية.
أما عبد المجيد، وهو موظف دخله متوسط، فأشد ما يخيفه هو ارتفاع الأسعار في ظرفية نهاية السنة الدراسية وبداية مرحلة العطلة ، ويؤكد أنها ستكون محنة مالية مضاعفة ترهق ميزانية الأسر.
وأضاف في تصريح لبيان اليوم أن الأمر لحد اليوم يمكن اعتباره عاديا بحكم المد والجزر في الأسعار، التي تبقى في مجملها مرتفعة نسبيا.
ما سجلته “المندوبية” يلمسه المواطن المغربي اليوم عن قرب وهو يحمل “قفته” ويتجول داخل السوق لتغطية حاجياته اليومية من المواد الغذائية، لأنه بات يدرك جيدا أن رمضان ليس الشهر الوحيد الذي يتطلب جهدا ماليا مضاعفا ليكفي حاجياته وحاجيات أسرته من مشتهيات الشهر الكريم التي تتحول إلى أساسيات على المائدة المغربية.
تلك المواجهة المباشرة بين المواطن والبائع تجعل كليهما في حيرة من أمرهما… الخضار والجزار والفاكهاني جلهم مجرد مصب لسلسلة إنتاج تبدأ من منبع التصنيع، وتمر عبر الشحن لتصل إليه. بعض المواطنين يتفهمون لكن البعض الآخر لا يعرف مسار البضاعة حتى تصل إلى دكان هذا الواقف أمامه.
ومن ثم، تشهد أسعار بعض المواد الغذائية، سواء النباتية أو الحيوانية، ارتفاعا ملحوظا يحافظ سماسرة السوق على استمراره.
وتعد قضية حماية المستهلك من الأدوار الرئيسية المنوطة بـ”مجلس المنافسة”، ولذلك تجد المواطنين يتساءلون عن حقيق مراجعة القانون المتعلق بحريات الأسعار والمنافسة، من أجل تقوية “مجلس المنافسة” باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة تضطلع بوظائفها في الحوكمة الجيدة وتكريس دولة القانون في المجال الاقتصادي وحماية المستهلك، كما تجدهم يتساءلون عن وعود الحكومة، قبل رمضان، حول كون حماية المستهلك وحماية حرية الأسعار وضمان المنافسة الشريفة جزء أساسي في البناء الاقتصادي الذي ينشده الجميع.
< إحسان نخولي (صحافية متدربة)