أفضت انتخابات الغرف المهنية، التي جرت الجمعة، إلى النتائج التي صار يعرفها الجميع الآن، وأعلن عنها وزير الداخلية بشكل رسمي في ساعة متأخرة من مساء يوم الاقتراع ذاته.
من المؤكد أن هذا الاقتراع ستكون، بلا شك، لنتائجه بعض الامتدادات من خلال المنتخبين الذين سينبثقون عن الغرف بمجلس المستشارين، وهو ما قد يؤسس لتحالفات آنية لهذا الغرض، أو من أجل تشكيل هياكل الغرف نفسها في الجهات، ولكن النتائج المحققة لن تكون كافية لوحدها لرسم مؤشرات مؤكدة لما سينجم عن باقي الاستحقاقات المرتقبة، وخصوصا الجماعية والتشريعية، وذلك لاختلاف طبيعتها والفئات المستهدفة بها وغير ذلك.
ولهذا، لا يمكن الاكتفاء اليوم بمجريات ونتائج انتخابات الغرف المهنية لوحدها، من أجل تحديد قوة هذا الحزب أو ذاك على الصعيد العام، أو ترتيب قراءة واضحة لتوجهات تصويت الناخبات والناخبين مستقبلا.
وبرغم ما سبق، فقد كشفت انتخابات الغرف المهنية، بشكل عام، عن تعقد وبطء عملية تجديد تعداد منتخبيها ومكونات تركيباتها البشرية، وربما سيحضر هذا المؤشر كذلك عند قراءة وتقييم نتائج ومجريات الاقتراعات القادمة أيضا.
في الإطار نفسه، وإن كانت قوائم الفائزين قد كشفت عن تقدم طفيف جدا بشأن حضور النساء ضمن أعضاء هذه الغرف، فمع ذلك لا زال الأمر بعيدا عن نسبة الثلث أو عن التطلع الوطني العام لتمتين التمثيلية النسائية في هذه المؤسسات الانتدابية.
ومن جهة أخرى، لم تخل حملات هذا الاستحقاق المتعلق بالغرف المهنية من ممارسات سلبية في عدد من المناطق، وتمثلت في استعمال المال لشراء الذمم، والمشادات العنيفة بين المرشحين وأنصارهم، وأيضا اقتراف أشكال مختلفة من الضغوط والابتزاز بغاية الاستمالة أو ترجيح كفة هذا المرشح أو هذا الحزب على ذاك، ونقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومجالس الحديث، طيلة الأسابيع الأخيرة، كثير قصص بهذا الشأن، وهو ما يستدعي تقوية اليقظة القضائية والإدارية في المواعيد الانتخابية الأخرى المقررة.
الآن، انتخابات الغرف المهنية انتهت وعرفت النتائج والأرقام التي تمخضت عنها، وعلى كل الذين فازوا حاليا بعضويتها الحرص على جعل هذه الهيئات تلعب الأدوار المنتظرة منها، واستحضار مختلف السياقات والتحديات المطروحة على بلادنا اليوم، ولكن، من يحاول اليوم البقاء ملتصقا بها، والاعتماد على نتائجها للترويج لسيناريوهات متخيلة لباقي الاقتراعات الأخرى، أو لجعل الناس يعتقدون أن نتائج المحطات القادمة صارت من الآن محسومة، ولن تختلف عن نتائج الجمعة الماضي، فهو خاطئ، أو على الأقل ينوي تكرار ممارسات فاسدة جربت من قبل.
بلادنا تخوض اليوم تحدي تنظيم وإنجاح استحقاقاتها الديمقراطية برغم صعوبة الظرفية الوبائية والمجتمعية، وبشكل عام تحقق الهدف بالنسبة لانتخابات الغرف المهنية، وقبلها انتخابات مناديب الأجراء وممثلي الموظفين، ويجب اليوم تعزيز التعبئة المجتمعية لإنجاح باقي المحطات الأخرى، والوصول إلى امتلاك مؤسسات ذات مصداقية أولا وقبل كل شيء.
لن يتحقق لبلادنا النجاح في مختلف أوراشها التنموية والإستراتيجية من دون نفس ديمقراطي عام، ولن يكون هذا النفس ممكنا بلا هيئات تمثيلية ومؤسسات وطنية وجهوية تتوفر فيها المصداقية والنجاعة والكفاءة والفاعلية.
وهذا ما يجب أن يعي به الجميع اليوم ويدركه، وأيضا أن يعمل الكل من أجله انتصارا لوطننا.
محتات الرقاص