بعد لقاء أول بالرباط ولقاء ثاني بالدار البيضاء ولقاء ثالث بطنجة سنة 2021، انطلقت اللقاءات المبرمجة لسنة 2022 بلقاء رابع عقد يوم السبت 5 فبراير الجاري من العاشرة صباحا إلى الثالثة زوالا بالقاعة الكبرى للمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بكلميم، بتنسيق وتعاون مع جمعية الشباب المبدع بكلميم التي تنظم سنويا مهرجان واد نون السينمائي.
تدخل هذه اللقاءات الجهوية لمجموعة التفكير حول الإبداع وتنمية الشخصية ضمن مشروع “الشباب أمام وخلف الكاميرا من أجل مجتمع دامج”، الذي تسهر على تنفيذه بمختلف جهات المملكة جمعية “أنديفيلم” بالرباط بتمويل من مؤسسة “دروسوس” الدولية وبشراكة وتنسيق وتعاون مع جمعيات ومهرجانات سينمائية ومبدعين وفاعلين تربويين وغيرهم.
تضمن برنامج هذا اللقاء الرابع، الذي شارك فيه فاعلون تربويون وجمعويون من جهتي كلميم واد نون وسوس ماسة، ونشطه الناقد السينمائي أحمد سيجلماسي، الفقرات التالية: كلمات الافتتاح، تقديم مشروع “الشباب أمام وخلف الكاميرا من أجل مجتمع دامج”، تجارب في مجال تأطير الشباب، مجموعة بؤرية حول الصحوة الفنية: الاهتمامات والصعوبات والمنهجية والتمويل…، نقاش وتوصيات، عروض أفلام شبابية، اختتام.
تقديم المشروع:
بعد كلمتي الافتتاح قربت رئيسة مشروع “الشباب أمام وخلف الكاميرا من أجل مجتمع دامج”، السيدة لمياء أوسبراهيم، الحاضرين من فحواه، مشيرة إلى أن هذا المشروع يمتد على مدى أربع سنوات ويهدف إلى المساهمة في تنمية بزوغ المواهب الفنية وروح المبادرة لدى الشباب وإشراكهم في تعزيز قيم الاحترام والتسامح والثقافة المرحبة بالإعاقة كتنوع، هذا بالإضافة إلى خلق نقاش عام وتطويره حول أهمية القدرات والمهارات كرافعة لتنمية الشخصية.
كما أنه يتوخى على وجه الخصوص تقوية مهارات الشباب وإذكاء الوعي لدى الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمؤسسات العمومية حول النهوض بالأنشطة الإبداعية الفنية والثقافية لدى الشباب.
يسعى المشروع، من خلال 8 لقاءات موزعة على كامل التراب الوطني، بمشاركة نشطاء في المجال الفني (السينما والسمعي البصري بشكل خاص) وممثلي المؤسسات العمومية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال التعليم والتكوين والشباب، إلى بلورة مذكرة ترافعية يتم تقديمها للجمهور والسلطات المختصة خلال اللقاء الختامي.
تجارب:
مباشرة بعد الكلمة التقديمية للمشروع كان للحاضرين في هذا اللقاء الرابع موعد للإنصات إلى ممثلي ثلاث تجارب في التعاطي مع الشباب: تجربة جمعية أنديفيلم بالرباط، تجربة جمعية الشباب المبدع بكلميم، تجربة جامعية في التكوين الأكاديمي للشباب (الإجازة المهنية في الكتابة والتحليل السينمائي والسمعي البصري) بكلية الآداب بأكادير.
1، تجربة جمعية أنديفيلم:
تحدث الدكتور حسن بنخلافة عن التجربة الطويلة لجمعية أنديفيلم في التعاطي مع ظاهرة الإعاقة وتوظيف الفن السينمائي وإبداعات أخرى في التحسيس بضرورة تغيير نظرة المجتمع الدونية للشخص في وضعية إعاقة واعتبار هذا الأخير شخصا مختلفا لا غير. فمن خلال العديد من أنشطتها التكوينية لفائدة الشباب بمجموعة من المؤسسات التعليمية وغيرها استطاعت الجمعية، بدعم وتعاون مع شركائها، أن تنفذ مجموعة من برامجها ومشاريعها تحقيقا لأهدافها الإنسانية النبيلة. كما استطاعت من خلال مهرجانها السنوي “السينما والإعاقة” بالرباط أن تغير النظرة السلبية لشرائح من المجتمع تجاه الأشخاص في وضعية إعاقة، وذلك من خلال عروض الأفلام (داخل وخارج المسابقة) والموائد المستديرة والورشات التكوينية والتكريمات والمنشورات وإنتاج الكبسولات التحسيسية والأفلام التربوية المرتبطة بتيمة المهرجان وغير ذلك.
2، تجربة جمعية الشباب المبدع:
استعرض الأستاذ سليمان بوروين المراحل التي مرت منها جمعية الشباب المبدع، منذ تأسيسها سنة 2007 إلى وقتنا الراهن، مشيرا إلى مختلف الأنشطة الثقافية والفنية التي نظمتها، وإلى الأهداف المتوخاة من هذه الأنشطة من قبيل ترسيخ قيم المواطنة ونشر الوعي الحقوقي والمساهمة في التنمية الثقافية بالمنطقة والتعريف بالموروث الثقافي الحساني والأمازيغي ومحاولة التوثيق بالصورة والصوت للذاكرة المحلية والجهوية والوطنية وغير ذلك من الأهداف النبيلة. كما تحدث عن تخصص الجمعية منذ سنوات في المجال السينمائي من خلال تنظيم مهرجان واد نون السينمائي سنويا، الذي شهد تطورا من دورة لأخرى وحقق إشعاعا ملحوظا للمنطقة وساهم في التسويق لها سياحيا، وبرمجة عروض سينمائية وأنشطة تكوينية وثقافية بدور الشباب والمؤسسات التعليمية وغيرها خلال السنة لفائدة الشباب والتلاميذ، وانفتاحها على أطراف محلية وجهوية ووطنية ودولية مختلفة. ولم يفته التذكير بالصعوبات والإكراهات التي واجهت ولا زالت تواجه المكتب المسير للجمعية من أجل تنفيذ البرامج المسطرة. ورغم ذلك هناك إصرار على المزيد من التطوير لتجربة مهرجان واد نون السينمائي شكلا ومحتوى.
3، تجربة التكوين السينمائي لأكاديمي للشباب:
أكد الأستاذ الجامعي عبد الكريم أوبلا، من جامعة إبن زهر بأكادير، أن التكوين الأكاديمي يمكنه أن يلعب دورا في بناء شخصية الشباب وتنمية قدراتهم الإبداعية، وذلك من خلال تجربته كأستاذ ومؤطر ومنظم للمهرجان الدولي للسينما والأدب مع طلبة الإجازة المهنية في الكتابة والتحليل السينمائي والسمعي البصري بكلية الآداب بأكادير.
فهذا المهرجان هو من الطلبة وإليهم، ينظمونه من ألفه إلى يائه ويستفيدون من عروضه السينمائية ولقاءاته الثقافية من خلال انفتاحهم على مبدعين وطلبة ومتخصصين في السينما والسمعي البصري من المغرب والخارج واحتكاكهم بتجاربهم المتنوعة. ففي نظره لا يكفي أن يكون الشاب شغوفا بفن من الفنون فحسب، بل لابد من تأطير هذا الشغف بتكوين أكاديمي رصين.
هل للأنشطة الفنية والثقافية دور في تعزيز التعلمات وتنمية المهارات الحياتية وتطوير الشخصية؟
حول هذا السؤال المحوري انصب تفكير ونقاش ثلة من الفاعلين التربويين والجمعويين والنشطاء الثقافيين وغيرهم، حيث أجمعوا على أن المتعلمين والشباب منهم بشكل خاص لا تكتمل شخصياتهم وتتطور ولا تترسخ تعلماتهم وتنمو إلا بممارستهم لمختلف الأنشطة الفنية والثقافية والرياضية والجمعوية وغيرها. فالفن والثقافة ضروريان للإنسان كالماء والهواء، إذ لا تكتمل إنسانيته إلا بهما، ولا يخرج من البداوة (حالة الطبيعة) إلى الحضارة إلا بممارستهما طيلة حياته.
انطلق جل المتدخلين من المعطى الواقعي التالي: كون الأنشطة الفنية والثقافية لا زال ينظر إليها من طرف كثير من تلامذتنا وطلبتنا وأولياء أمورهم وكثير من المشرفين على مؤسساتنا التعليمية والمؤطرين بها على أنها مضيعة للوقت، لا تفيد في شيء الممارسين لها. وهذا خطأ شائع لابد من تصحيحه، إذ كيف يمكن تهذيب سلوك الناشئة واكتشاف ميولاتهم الإبداعية وتنمية جوانب من شخصياتهم وتطوير بعض مهاراتهم الحياتية دون انفتاح على عوالم الفن والثقافة؟
الفن بأشكاله المختلفة حاضر في المنظومة التعليمية للبلدان المتقدمة منذ مراحل التعليم الأولى، ولا تخلو برامج المؤسسات الاجتماعية بها من أنشطة فنية وثقافية على امتداد أيام وشهور السنة. أما نحن فلا تزال التربية الفنية مستبعدة من برامجنا التعليمية، وبالتالي لا تتوفر مؤسساتنا التربوية على فضاءات وأساتذة وإمكانيات مخصصة للأنشطة الفنية وغيرها. ولعل هذا نابع من عدم وعي المسؤولين على قطاعات الشباب والتعليم ببلادنا بالدور الإيجابي الكبير الذي يمكن لهذه الأنشطة أن تقوم به في بناء الإنسان والمواطن الصالح.
ورغم الانفتاح النسبي في السنوات الأخيرة على ما هو فني وثقافي، من خلال مؤسسات التفتح الفني والأدبي وغيرها، لا تزال سياسات الحكومات المتعاقبة مقصرة في حق الثقافة والفنون.
الأنشطة الفنية والثقافية المدروسة، في نظر بعض المتدخلين، ليست ترفا وإنما هي ضرورة، لأن بها يمكن معالجة أعطاب كثيرة في الإنسان والمجتمع وخلق الشخصية المتوازنة، كما يمكن بها المساهمة في التنمية المستدامة والشاملة وترسيخ القيم الإنسانية النبيلة بين الناس.
توصيات:
خرج المشاركون في هذا اللقاء الرابع بمدينة كلميم بمجموعة من التوصيات، بعضها مشترك مع توصيات اللقاءات الثلاثة السابقة، والبعض الآخر تطبعه خصوصية المنطقة والشروط التي تمارس في ظلها الأنشطة الفنية والثقافية بجهتي كلميم واد نون وسوس ماسة. فيما يلي أهم هذه التوصيات:
1، العمل على تكثيف الأنشطة الفنية بوسائل وتقنيات جديدة ومعاصرة، مع توفير بنية تحتية فنية تستجيب لحاجيات الجيل الجديد من الشباب المهتم بعوالم الرقمنة.
2، مراعاة الفئات العمرية وعدم الخلط بين الأنشطة الموجهة لكل فئة.
3، ضرورة فتح مختلف فضاءات المدينة في وجه المؤسسات التعليمية وإبداعات شبابها، مع تنظيم مهرجانات سينمائية وغيرها للتحفيز على الإبداع والتنافس الشريف بين التلاميذ.
4، الاهتمام بمؤسسات التفتح الفني والأدبي وتمكينها من وسائل العمل الكافية للقيام بأدوارها وتكثيف عملية التنسيق بينها وبين المؤسسات التعليمية وجمعيات المجتمع المدني.
5، تعزيز البنية التحتية الثقافية بمؤسسات للتكوين الفني (السينمائي والمسرحي والموسيقي…) وفضاءات للعرض ومراكز ثقافية، مع فتح مسالك للتكوين الجامعي في السينما والفنون البصرية (إجازة مهنية، ماستر..) بمدينة كلميم، وتوسيع مجال الاشتغال مع الجمعيات بالجهة.
6، التفكير بجدية في إدماج المواد الفنية والثقافية في المنظومة التعليمية بمختلف أسلاكها والعمل على مأسستها، وإحداث فضاءات خاصة بالأنشطة الفنية والثقافية داخل المؤسسات التعليمية، مع جعل الفن والثقافة رافعة للتنمية.
7، إعداد المؤطرين المتخصصين في الأنشطة الفنية والثقافية وتشجيع الأساتذة الممارسين لها ودعم الجمعيات العاملة في المجال وتقريب الفنون لأطفال وشباب العالم القروي.
8، المزيد من التواصل الفعال فيما يخص أهمية الثقافة والفنون لاستقطاب أكبر شريحة ممكنة من الفاعلين والمواطنين.