رمضان هو شهر جوع وعطش ولكنه يعتبر في نفس الوقت بلسما وشفاء للأجساد والأرواح. وللصيام فوائد عديدة، تتوزع على العديد من الجوانب، منها الجانب الروحي والديني، الأخلاقي الاجتماعي، وكذا بالنسبة إلى الصحة البدنية للصائمين. ويوجد اليوم إجماع من قبل العلماء والأطباء على فوائد الجوع لفترات قصيرة للجسم، فأثناء الجوع يبدأ الجسم في تنظيف الأمعاء والكبد والدم من السموم، وتتقلص أمراض الأوعية الدموية، كما أن الجوع لفترات قصيرة ينشط المناعة. في هذه الزاوية، نسلط الضوء على بعض الجوانب الصحية التي يجب استحضارها من أجل صيام يجسد القول المأثور “صوموا تصحوا”.
صيام شهر رمضان مناسبة فريدة يتحينها كل مسلم قادر بالغ للاستفادة من بركات ومنافع هذا الركن العظيم من أركان الإسلام. ويتخلل هذا الشهر العديد من التغييرات التي تخص مواقيت الأغذية والنوم، وكذا من ناحية الكم والكيف، مما يتبعه أيضا تغيير في كيفية تناول الأدوية. وهذا يختلف باختلاف أماكن الإقامة التي تحدد عدد ساعات الصيام، حيث أن طول عدد ساعات الانقطاع عن الشرب والأكل يؤثر بالضرورة على توازن عديد الأمراض التي تحتاج حميات معينة وأدوية محددة بمواقيت محددة.
وبالتأكيد فإن تناول الأدوية يشكل هاجسا قويا بالنسبة للمرضى خلال هذا الشهر الكريم، خاصة بالنسبة للأمراض المزمنة التي تحتاج مراقبة شديدة، وذلك تفاديا لتدهور توازن الحالة الصحية للمريض، مما يتطلب بالطبع جهدا وانضباطا كبيرين لمدد طويلة تصل أحيانا لسنوات.
لهذا فما ننصح به كأطباء هو ضرورة عيادة الطبيب المختص للوقوف على مدى إمكانية صوم المريض من عدمها، وذلك قبل شهر رمضان بمدة كافية، إضافة إلى اتباع النصائح المتعلقة أساسا بمواقيت وطرق تقسيم جرعات تناول الأدوية كي لا تؤثر على فعاليتها، وهو الأمر الذي يجب العمل على تفاديه بل يمثل التحدي الأكبر ليستطيع المريض الصوم في ظروف صحية آمنة.
وتختلف الأدوية من ناحية التركيبة الكيميائية ونوعية التأثير وبالتالي نوعية المرض الذي توصف لأجله، وهذا ما يحدد جرعات ومواقيت كل دواء على حدة ما بين أدوية تستهلك مرة واحدة في اليوم إلى مرتين أو أكثر من ذلك. فالأدوية التي تستهلك مرة واحدة في الغالب لا تخلق إشكالا من ناحية التوقيت لكن الأمر يختلف كلما زاد عدد الجرعات الواجب أخذها خلال اليوم، وهو ما يفرض في بعض الأحيان بالنسبة للمرضى الذين يتمسكون بالصيام، رغم الأخطار الممكنة، تغيير عدد الجرعات وكذلك توقيتها، حيث ينصح في أغلب الأحيان بتناول الأدوية ذات الجرعتين وقت الفطور والسحور. ويمكن استبدال الأدوية ذات الخطورة كتلك التي تخفض نسبة السكر في الدم إلى أدوية أقل خطورة حسب الدراسات العلمية المحدثة. كما ينطبق الأمر على الأدوية التي يصطلح عليها بذات هامش الأمان الضيق كالتيوفيلين المستعمل لتوسعة القصبات الهوائية.
ولا يجب أيضا إغفال تفاعلات الأدوية فيما بينها وتفاعل هاته الأدوية مع مواقيت الأكل الذي يمكن أن يؤدي إلى نقص هاته الفاعلية، خاصة في ظل التغييرات الفيزيولوجية التي يعرفها جسم الإنسان تحت ضغط الصوم.
وبصفة عامة، وللإجابة عن السؤال الذي يتردد في كل سنة حول الأدوية التي يمكن أخذها دون أن تؤثر على صحة الصوم، وحسب علماء الدين وعلماء الأدوية فالأدوية التالية يمكن تناولها بدون إبطال الصوم:
– البخاخات عن طريق الأنف أو الفم.
– أقراص تحت اللسان.
– الأوكسجين و غازات التخدير.
– الحقن بأنواعها سواء العضلية أو الوريدية أو تحت الجلدية أو داخل المفاصل ماعدا المحاليل المغذية.
– قطرات العين والأذن.
– غسولات الفم شريطة عدم بلع المحتوى.
– التحاميل والغسول المهبلي.
– كل المواد التي تمتص عن طريق الجلد: مراهم، كريمات ولاصقات طبية باستثناء لاصقات النيكوتين التي تستعمل في حال الإقلاع عن التدخين.
وبالتأكيد تتوجب استشارة الطبيب المعالج قبل حلول شهر رمضان المبارك، ليقدم نصائحه حسب الحالة حول إمكانية الصيام من عدمه وحول مواقيت الأدوية والنظام الغذائي الصحي الذي يجب اتباعه. ومن الأساسي بالطبع أن يعمل المريض على الالتزام بهذه النصائح إضافة إلى اتباع النصائح العامة للوقاية من مرض الكوفيد 19 الذي يمكننا تجنب عواقبه بالتحلي بالمسؤولية اللازمة.
وتجدر الإشارة أن الهدف من الصيام كركن ديني هو تعويد النفس والجسد على الإيثار والصبر، شريطة ألا يؤدي ذلك لإيذاء الجسم والدفع به إلى التهلكة، لذا وجب الامتثال للنصائح الطبية القاضية بإمكانية الصيام من عدمها.
> إعداد: سميرة الشناوي