أزمات العالم الاقتصادية -الحلقة 8

تعتبر الأزمات المالية والإقتصادية إحدى أبرز الظواهر الإقتصادية التي يكون لها أثرا عميقا على حركة النشاط الاقتصادي وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية.
وتحتاج الأزمات المالية، مدة زمنية قد تكون طويلة جدا، للتعافي من آثارها السلبية، كما أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعلم بشكل عام والدولة المعنية بشكل خاص.وأمست الأزمات المالية والاقتصادية من أبرز سمات العقود الأخيرة، مثيرة اهتمام اهتمام الكتّاب والباحثين والاقتصاديين وحتى السياسيين في مختلف دول العالم وتطور الفكر الاقتصادي الذي يتناول الأزمات ويبحث في مسبباتها وكيفية معالجتها.
ولا غرو أن الأزمات الإقتصادية والمالية لها آثار سلبية عديدة تتعدى الجانب الاقتصادي ممتدة إلى الجوانب الأخرى كالسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، لذا فإن دول العالم تحاول قدر الإمكان التخفيف من آثار هذه الأزمات.
وفي هذا الصدد، سنحاول خلال هذه الفقرة اليومية طيلة هذا الفضيل، تسليط الضوء على أبرز الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم، مسلطين الضوء على سياقها وأبرز أسبابها ونتائجها.

تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي

وسنتطرق في فقرة اليوم، ل ” تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي”، حيث عايش العالم وضعا غير مألوف، فمعظم سكان المعمور لم يشهدوا أحداثا مماثلة لما وقع جراء الوباء المعروف ب كورونا أو كوفيد 19، إذ يعد هذا الوضع استثنائيا من مختلف الجوانب وشكل منعطفا كبيرا في تاريخ الإنسانية جمعاء، ليس لخطورته فحسب بل لأثاره الوخيمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي كذلك، فكما هو معروف أثارت مخاطر الأوبئة والأمراض عبر العصور الكثير من الأسئلة والإشكاليات، وهو نفس النقاش الذي طرحته جائحة كورونا باعتبارها وباء عالمي، أثر بشكل مباشر على المعاملات الدولية البشرية والتجارية والسياسية، حيث فرض تفشي الوباء على الشعوب اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الاحترازية، العزل والحجر الصحي والتباعد الاجتماعي ومنع السفر، مما انعكس سلبا على الاقتصاد حيث أصبح يعيش حالة من الركود الحاد والانكماش المفاجئ، وبالتالي ظهور أزمة اقتصادية عالمية غير متوقعة.
فيما كانت التوقعات الاقتصادية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2020 تتنبأ بسنة من النمو الثابت إن لم يكن بالنمو المتزايد، جاء تفشي الفيروس التاجي، وسبب صدمة كبيرة للاقتصاد العالمي، فقد خفضت المنظمة توقعاتها إلى النصف من 2.9% إلى 1.5%، وربما تسوء الأمور أكثر إلى درجة تسجيل عجز في الدخل العالمي بقيمة 2000 مليار دولار، مما يعني انهيار الاقتصاد العالمي بصفة كلية، ما يشبه الكساد الكبير الذي أعقب الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 حيث لم تسلم منها أي دولة سواء الدول المتقدمة أو النامية بحكم الترابط العالمي بين اقتصاديات الدول.
منذ تفشيه عاث وباء كورونا في الاقتصاد العالمي دمارا حتى أصابه بالشلل، فقد عرقل الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر العالم، وأضعف الطلب العالمي، وعزل دولا ووضعها تحت الحجر الصحي، وأخرى تحت حظر التجول، وأصاب قطاعات المال والطيران والنقل والسياحة بخسائر فادحة.
الاضطراب الاقتصادي المفاجئ الذي سببه الفيروس التاجي الجديد مدمر بشكل كبير، فعلى سبيل المثال مجال صناعة السفر، هو مؤشر للخسائر التي ضربت القطاعات الاقتصادية. سببت المخاوف من انتقال العدوى على الطائرات، وإغلاق الدول لحدودها، ضربة كبيرة لقطاع الطيران، وردا على ذلك، قلصت شركات الطيران الرحلات الجوية بشكل حاد لأنها تحاول الحفاظ على الجدوى التشغيلية والمالية، كما قامت بتسريح الموظفين.
وتعتبر الإجراءات التي اتخذتها الدول لمكافحة تفشي المرض مثل إغلاق الحدود والعزلة والحجر الصحي، مهمة لإنقاذ الناس، لكنها ستجعل الأمور أسوأ بالنسبة للاقتصاد، وأنها ستغلق قطاعاً اقتصاديا تلو الآخر.
لقد كان لهذه القيود -التي فرِضت لكبح انتشار الفيروس، ومن ثم تخفيف الضغوط على أنظمة الرعاية الصحية المنهكة والضعيفة- تأثير هائل على النمو الاقتصادي. وبعبارة مبسَطة، قال إصدار شهر يونيو 2020 من تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية: “لقد أحدثت الجائحة أزمة عالمية ليس لها مثيل – أزمة صحية عالمية، علاوةً على خسائر بشرية هائلة – أفضت إلى أشد ركود شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.” وتنبَأ التقرير بانكماش الاقتصاد العالمي وكذلك متوسط نصيب الفرد من الدخل هذا العام ليدفع بملايين من الناس في هوة الفقر المدقع.
وأضعفت هذه التداعيات الاقتصادية قدرة البلدان على الاستجابة على نحو فعال للتأثيرات الصحية والاقتصادية للجائحة. وحتى قبل تفشي الجائحة، كان نصف كل البلدان منخفضة الدخل تقريبا تعاني بالفعل من ضائقة مديونية أو في خطر التعرض لها، مما لا يتيح لها مجالا يذكر للتحرك على صعيد المالية العامة لمساعدة الفئات الفقيرة والأكثر احتياجا الذين تضرروا بشدة من جراء الجائحة.
ولهذا السبب، دعا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في أبريل 2020 إلى تعليق مدفوعات خدمة الديون المستحقة على أشد البلدان فقرا لتمكينها من التركيز على مكافحة الجائحة. وقد مكَّنت مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين هذه البلدان من توفير مليارات الدولارات من أجل استجابتها في مواجهة الجائحة.
كما أثَّرت الإغلاقات العامة الناجمة عن الجائحة تأثيرا شديدا على منشآت الأعمال والوظائف. وفى شتَّى أنحاء العالم، تعرضن الشركات -لاسيما المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في بلدان العالم النامية- لضغوط شديدة، إذ إن أكثر من نصفها لم تسدد ما عليها من متأخرات مستحقة الدفع أو من المرجح أن تتخلَّف قريبا عن السداد. ولفهم الضغوط التي تعرض لها أداء الشركات بسبب جائحة كورونا، وكذلك التعديلات التي يتعين عليها إجراؤها، قام البنك الدولي وشركاؤه بإجراء مسوح استقصائية سريعة لجس نبض الأعمال في ظل جائحة كورونا وذلك بالتعاون مع حكومات البلدان المتعاملة معه.
وتبعث هذه المسوح بصيصا من الأخبار السارة. فقد أظهرت إجابات المشاركين في تلك المسوح بين ماي وغشت أن الكثير من هذه الشركات استبقت موظفيها أملا في استمرارهم في العمل حينما تتغلب على تأثيرات الجائحة. وزاد أكثر من ثلث الشركات استخدام مبتكرات التكنولوجيا الرقمية من أجل التكيُّف مع الأزمة. ولكن البيانات نفسها نبَّهت إلى أن مبيعات الشركات قد هبطت بمقدار النصف بسبب الأزمة، الأمر الذي اضطر الشركات إلى تقليص ساعات العمل والأجور، وأن معظم منشآت الأعمال -لاسيما الشركات متناهية الصغر والصغيرة في البلدان منخفضة الدخل- تسعى جاهدةً للحصول على دعم مالي عام.

> عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top