تدفع الحرب الروسية – الأوكرانية التي تدور رحاها بأوروبا الشرقية، والتي أججت التوتر بين الغرب وموسكو وتنذر باتساع رقعتها نحو، ما وصفه مراقبون، “حرب عالمية ثالثة” لها تكاليف باهظة ليس على المنشئات والبنية التحتية فقط وإنما على مستوى الأرواح وعلى ملايين الناس الذين تنقلب حياتهم رأسا على عقب، إلى تقليب صفحات الماضي، لاستحضار ما دون من تفاصيل حروب طاحنة جرت خلال القرن الماضي، وبداية القرن الحالي.
في هويات متداخلة، كما في روسيا وأوكرانيا، لم يبق أحد خارج الحرب. انتهت الحروب وحفرت جراحا لا تندمل وعنفا لا ينسى. وفي هذه السلسلة، تعيد “بيان اليوم” النبش في حروب القرن الـ 20 والقرن الـ 21 الحالي، حيث نقدم، في كل حلقة، أبرز هذه المعارك وخسائرها وآثارها، وما آلت إليه مصائر الملايين إن لم نقل الملايير من الناس عبر العالم..
حرب الخليج الثانية.. العراق يجتاح الكويت وتحالف دولي يرد بـ “عاصفة الصحراء” 2/2
بعد إعلان العراق بشكل رسمي ضم الكويت وبكونها أصبحت المحافظة العراقية التاسعة عشرة، ثم مباشرة بغداد بإغلاق كل السفارات الموجودة في الكويت العاصمة وإلغاء كل سفاراتها في العالم، قرر صدام حسين تغيير اسم العاصمة الكويت إلى “كاظمة” قائلا إنها عادت إلى الوطن الأم.
قمة عربية طارئة
عقب توالي هذه الأحداث، عقدت الجامعة العربية قمة عربية طارئة في القاهرة، وذلك في العاشر من غشت 1990، قصد مناقشة الوضع المستجد، وتم طرح فكرة التدخل الأجنبي والاستعانة بالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من أجل ثني صدام عن قراره وإخراجه من الكويت، إلا أنه وعلى الرغم من الإجماع برفض احتلال الكويت بالقوة العسكرية إلا أن مواقف الدول العربية تباينت إزاء التدخل العسكري الأجنبي لإخراج القوات العراقية من الكويت.
في اليوم الموالي أرسلت كل من سوريا ومصر مجموعة من قواتها إلى السعودية للمساهمة في حماية الأراضي السعودية من أي غزو من قبل القوات العراقية المرابطة على الحدود بين البلدين.
في اليوم الذي يليه، أيضا، سيتقدم العراق ما سماه “حلا للجميع في المنطقة”، تضمن عرضا بانسحابه من الكويت مقابل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة السابقة بشأن الأراضي التي احتلتها إسرائيل بانسحاب الأخيرة منها، لكنه حل قوبل بالرفض، واستمرت الأزمة بدون أفق للحل.
في 25 غشت 1990 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 665 بفرض حصار بحري على العراق والسماح للقوات البحرية الدولية باتخاذ التدابير اللازمة، ثم قرار ثان صدر في 25 شتنبر 1990 يقضي بفرض حصار جوي على بغداد، مخولا الدول الأعضاء في المجلس اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان نفاذه وتأثيره.
حلف دولي ضد العراق
بعد استفحال الأزمة، ودخول السعودية على الخط، تشكل تحالف دولي بلغ تعداده أكثر من ثلاثين دولة بقيادة الولايات المتحدة، واكتسب شرعيته الدولية بعد اعتماد مجلس الأمن قراره رقم 678 الصادر في 29 نونبر 1990، والقاضي باستخدام كل الوسائل اللازمة، بما في ذلك استعمال القوة العسكرية ضد العراق، ما لم يسحب هذا الأخير قواته من الكويت، وحدد القرار يوم 15 يناير 1991 موعدا نهائيا لذلك الانسحاب، قبل التدخل بالقوة.
ويشير متتبعون إلى أن الرئيس صدام حسين حينها اختار مواجهة القرار الدولي باللامبالاة، ولم يأبه بالحشد الدولي ولا بالموعد المقرر لانسحابه، وقبيل انتهاء المهلة المحددة لذلك التقى وزير خارجيته طارق عزيز مع وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر في جنيف يوم 9 يناير 1991 في ما وصف بأنه آخر محاولة لإقناع العراق بالانسحاب، ولكن لم ينتج شيء عن هذا اللقاء؛ فانتهت فترة الإنذار الدولي يوم 15 يناير 1991 ولم تستجب بغداد للمطالبة الأممية بخروج قواتها من الكويت.
بعد انتهاء المهلة المحددة من قبل القوات الدولية، جمعت الولايات المتحدة تحالفا يضم 38 دولة، بمقومات عسكرية وعتاد متنوع ومتطور، وتمكنت من رصد 750 ألف جندي، و3600 دبابة، و1800 طائرة، و150 قطعة بحرية، وقامت بالترتيبات اللازمة من أجل القيام بالتدخل العسكري لتحرير الكويت، وهي العملية التي ستسمى “عاصفة الصحراء”.
“عاصفة الصحراء” مقابل “أم المعارك”
حين اكتملت الترتيبات الميدانية لقوات التحالف، وانقضت المهلة الممنوحة للعراق للخروج من الكويت، تحولت الأزمة إلى مرحلتها الأخيرة التي تمثلت في استخدام القوة العسكرية لإرغام العراق على هذا الانسحاب، حيث انطلقت فجر يوم السبت 17 يناير 1991، عبر حملة جوية مكثفة على مختلف التراب العراقي، مع رفع شعار “عاصفة الصحراء”.
واستمرت الغارات الجوية على مدى أيام الحرب، حيث وصلت إلى 1000 غارة يوميا بمختلف أراضي العراق، فيما أعلن الرئيس صدام حسين بالمقابل أن “أم المعارك” قد انطلقت، حيث ردت بغداد على الحملة الجوية ضده بإطلاق ثمانية صواريخ أرض – أرض من طراز سكود على أهداف داخل إسرائيل، كما باشر بإطلاق العشرات من صواريخ سكود على عدة مدن سعودية، مثل العاصمة الرياض والجبيل البحرية والظهران وحفر الباطن، وعلى مملكة البحرين.
وبسبب مشاركتها في المعارك، أعلن العراق بالموازاة مع قصف مدنها، إلغاء كافة المواثيق التي عقدها مع السعودية منذ 17 يوليوز 1968، كما سيقوم لاحقا، بعملية سكب ما يقارب مليون طن من النفط الخام في مياه الخليج العربي.
استمر الرد العراقي، وتمكنت قواته في 29 يناير من السيطرة على مدينة الخفجي السعودية ذات الأهمية الإستراتيجية والتي تعد معبرا لحقول النفط شرقي السعودية، لكن سرعان ما قامت قوات سعودية وقطرية باستعادتها، وقد سميت هذه العملية “معركة الخفجي”.
ارتفعت وتيرة الضغط الدولي، وقام كل من وزير الخارجية الأمريكي ونظيره في الاتحاد السوفياتي بإصدار بيانا مشترك في ختام اجتماعهما بواشنطن، قدما فيه عرضا للعراق بقبول التحالف وقف القتال، إذا تعهد العراق على نحو لا لبس فيه بالانسحاب من الكويت وتنفيذ القرارات الأممية، وكان ذلك في 30 يناير.
في 13 فبراير، ستقوم طائرتان أميركيتان من نوع “أف-117” بإلقاء قنابل ذكية على الملجأ رقم 25 في حي العامرية ببغداد، مما أدى إلى مقتل أكثر من 400 شخص معظمهم من النساء والأطفال.
أدى هذا الضغط إلى قبول الرئيس صدام حسين اقتراحا روسيا بالانسحاب من الكويت خلال ثلاثة أسابيع على أن يشرف مجلس الأمن على الانسحاب، ولكن أميركا رفضت العرض هذه المرة، وكثفت حملتها العسكرية ضد بغداد، وأطلقت فجر 24 فبراير حملة عسكرية برية عبر عدة جبهات، فيما شنت قوات التحالف هجوما على أجنحة الجيش العراقي الذي كان متمركزا غربي الكويت، ثم قامت بالتوغل مسافات داخل الكويت وجنوبي العراق.
الموافقة على الانسحاب
في 25 فبراير 1991 أعلن الرئيس صدام حسين قبول العراق كل شروط الانسحاب، وبالفعل شرعت قواته فعليا في الانسحاب في اليوم التالي، حيث بدأت الدبابات العراقية بمغادرة الكويت وفق خطة انسحاب غير منظمة.
أدى سوء تنظيم الانسحاب إلى تزاحم دبابات ومدرعات وناقلات العسكر العراقي على طول الطريق الرابط بين العراق والكويت، ما جعل طيران التحالف يغدر بالقوات العراقية المنسحبة، ليقوم بقصف أرتال الجنود، ودمر 1500 عربة عسكرية عراقية وقتل المئات من الجنود.
وقف إطلاق النار
في 27 فبراير 1991، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب وقف إطلاق النار وتحرير الكويت بشكل رسمي، ثم في 14 مارس من نفس السنة عاد أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى وطنه بعد أشهر من أداء حكومته أعمالها مؤقتا انطلاقا من السعودية.
توالت الأحداث، وأصدر مجلس الأمن في 3 أبريل قرار رقم 687 يقضي بوقف رسمي لإطلاق النار بعد حرب تحرير الكويت، وبتدمير ما سمي “أسلحة الدمار الشامل” العراقية، وإنشاء صندوق خاص بتعويضات المتضررين من غزو الكويت.
آثار الحرب
أفادت تقارير اقتصادية عربية صدرت في عام 1992 بأن الخسائر المادية التي لحقت بالاقتصاد العربي نتيجة غزو العراق للكويت بلغت نحو 620 مليار، دون حساب الآثار البعيدة المدى.
وتأتي الكويت والعراق في مقدمة المتضررين من ذلك الغزو الذي وجه صدام حسين رسالة اعتذار عنه إلى الشعب الكويتي يوم 7 دجنبر 2002، حيث تسبب الغزو العراقي في خسائر بشرية ومادية فادحة للكويت، وحسب الأرقام الرسمية الكويتية فإن الغزو أدى إلى مقتل 570 شخصا ونحو 605 من الأسرى والمفقودين، كما خلف خسائر وأضرارا هائلة تمثلت في إشعال 752 بئرا نفطية مما أنتج كوارث بيئية جسيمة وأوقف إنتاج النفط مدة طويلة.
وقيمت الخسائر الثابتة للكويت من الغزو العراقي في حوالي 92 مليار دولار، إضافة إلى تدمير البنية التحتية في البلاد والمؤسسات والمنشآت الحكومية ومصادرة وثائق الدولة وأرشيفها الوطني.
أما جهة العراق، فخلال ما يزيد عن 40 يوما من مدة الحرب، أدت هذه الأخيرة إلى ما بين 70 و100 ألف قتيل في صفوف الجيش العراقي، كما خسر العراق من مقدراته العسكرية ما يزيد عن 4000 دبابة، و3100 قطعة مدفعية، و240، و1856 عربة لنقل القوات، كما دمرت دفاعاته الجوية ومراكز اتصالاته وقواعد إطلاق صواريخه ومراكز أبحاثه العسكرية وسفنه الحربية في الخليج، وإلى جانب ذلك، كله، دمر القصف الجوي مرافق البنية التحتية العراقية من المدارس والمعاهد والجامعات، ومراكز الاتصالات والبث الإذاعي والتلفزيوني، ومنشآت تكرير وتوزيع النفط والموانئ، والجسور والسكك الحديدية، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتصفية المياه، وأدى بشكل مباشر إلى تعطيل الاقتصاد وفاقم الأزمات بالبلاد.
> إعداد: توفيق أمزيان