تاريخ الحروب..-الحلقة 18-

تدفع الحرب الروسية – الأوكرانية التي تدور رحاها بأوروبا الشرقية، والتي أججت التوتر بين الغرب وموسكو وتنذر باتساع رقعتها نحو، ما وصفه مراقبون، “حرب عالمية ثالثة” لها تكاليف باهظة ليس على المنشئات والبنية التحتية فقط وإنما على مستوى الأرواح وعلى ملايين الناس الذين تنقلب حياتهم رأسا على عقب، إلى تقليب صفحات الماضي، لاستحضار ما دون من تفاصيل حروب طاحنة جرت خلال القرن الماضي، وبداية القرن الحالي.
في هويات متداخلة، كما في روسيا وأوكرانيا، لم يبق أحد خارج الحرب. انتهت الحروب وحفرت جراحا لا تندمل وعنفا لا ينسى. وفي هذه السلسلة، تعيد “بيان اليوم” النبش في حروب القرن الـ 20 والقرن الـ 21 الحالي، حيث نقدم، في كل حلقة، أبرز هذه المعارك وخسائرها وآثارها، وما آلت إليه مصائر الملايين إن لم نقل الملايير من الناس عبر العالم..

الحرب الهندية – الباكستانية.. صراع عسكري متواصل

عرفت آسيا نصيبا كبيرا من الحروب خلال القرن التاسع عشر، خصوصا خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي عرفت تأسيس الأمن المتحدة ومجلس الأمن والهياكل التابعة له.

ولعل المشترك في هذه الحروب هو كونها جاءت متزامنة مع عرف بالحرب الباردة، حيث أن القطبية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي أدت بشكل مباشر إلى اندلاع عدد من الحروب بين دول تجاور بعضها البعض.

تاريخ النزاع الهندي – الباكستاني

بدأ النزاع الهندي الباكستاني مباشرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتقسيم الهند في عام 1947، ولعبت الصين دورا كبيرا في هذا الصراع إذ أنها بدورها تصارع الهند إلى حدود اليوم على بعض الأقاليم الحدودية.

ويتمحور الصراع أساسا حول ولاية جامو وكشمير التي تقول الهند إنها ملك لها، حيث أحكمت السيطرة حتى عام 2010 على ما يقارب 43 بالمئة من المنطقة، إذ تسيطر على جامو، ووادي كشمير، ولاداخ، ونهر سياتشين الجليديّ، وتنازع باكستان التي تحكم حوالي 37 بالمئة من جامو وكشمير أو ما يُعرَف بـ آزاد كشمير أو “كشمير الحُرّة”، إذ تتشبث كل دولة بأحقيتها على السيطرة على كل هذه المناطق إلى حدود اليوم.

وما يزال الصراع يكتسي طابع الآنية، حيث وبالرغم من مرور عقود إلا أن الصراع على شفا حفرة من الاندلاع بسبب استمرار التوتر والمناوشات.

من أجل ذلك، خاضت الهند وباكستان حربا مدمرة بين عام 1948 و1949، حيث انتهى هذا النزاع العسكري بتقسيم كشمير عام 1949، ثم تجدد الصراع العسكري في 1965، وجاءت لتأكيد وضع الإقليم المتنازع عليه بين البلدين.

ويعد النزاع حول إقليم كاشمير الواقع على الحدود بين البلدين “حطب” الصراع الذي يؤجج نيران الانتقام بين البلدين، اللذين ما يزالان لحدود الساعة في خضم صراع مرير لم ينتهي بعد.

حرب 1971

تعد حرب 1971 هي الثالثة من نوعها بين باكستان والهند، وبدأت فصولها بتصعيد سياسي صحبته عمليات عسكرية محدودة على الحدود استمرت ثمانية أشهر قبل أن يحدث الهجوم الشامل.

وتتابعت الأحداث، وأعلن الرئيس الباكستاني يحيى خان حالة الطوارئ عقب أول هجوم هندي ذي شأن في الفاتح من دجنبر 1971، حيث تمكنت الهند بمساعدة الموكتي باهيني (فدائيو بنغلاديش) من قطع خطوط السكك الحديدية بين العاصمة داكا وخولنا وشيتا كونغ الميناءين الرئيسيين على خليج البنغال وكوميلا قرب الحدود الشرقية.

اندلعت الحرب بين البلدين رسميا في 2 دجنبر 1971، حيث شنت القوات الهندية الجوية ضربات مركزة استهدفت مطارات وطائرات باكستان، واستمر القصف طوال يومي 2 و3 دجنبر حتى دمرت معظم الطائرات الباكستانية وفرضت الهند سيطرتها الجوية في سماء باكستان الشرقية وبعد ثلاثة أيام من الحرب أغرقت مجموعة قتال بحرية هندية المدمرتين الباكستانيتين خيبر وشاه جيهان، كما أصابت سفينتين أخريين في معركة بحرية على بعد 20 ميلا من كراتشي.

استمر الهجوم الهندي الكاسح، وتمكنت قواتها من إغراق غواصة باكستانية وعلى متنها بحارتها الثمانون في خليج البنغال، وضربت في 6 دجنبر بلدة “جيسور” تمهيدا لانتقال حكومة بنغلاديش إليها من منفاها في كلكتا، وانقسم إقليم شيتا كونغ في الشرق إلى شطرين، واستطاعت القوات الهندية أسر السفينتين الباكستانيتين “مينيلوف” و “مينيليدي”.

انسحاب استراتيجي

لم ينته ذلك اليوم إلا وقد أمر الجنرال نيازي قائد القوات الباكستانية الشرقية قواته بالانسحاب الإستراتيجي العام، وحاول مجلس الأمن الدولي في اليوم نفسه وللمرة الثانية خلال 24 ساعة استصدار قرار يدعو الهند وباكستان إلى وقف إطلاق النار وانسحاب القوات المسلحة لكل منهما من أراضي الطرف الآخر، لكن الاتحاد السوفياتي حال دون ذلك باستعماله “الفيتو” وكان هذا “الفيتو” بعدما رفض المجلس مشروع قرار للاتحاد السوفياتي يتضمن دعوة باكستان لوقف أعمال العنف في باكستان الشرقية.

في 8 دجنبر 1971، أحيلت القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث لا يتمتع أي من الدول بحق النقض، فأصدرت قرارا بعد 24 ساعة يفرض على الهند وباكستان وقف إطلاق النار فورا وسحب القوات العسكرية من الأراضي التي احتلتها كل منهما.

وقف إطلاق النار واستسلام باكستان

لكن هذا القرار ظل دون تنفيذ وسارت الحرب الهندية الباكستانية حتى نهايتها ثم ما انقضى يوم 10 دجنبر، وما إن اتخذت القوات الباكستانية المنسحبة مواقعها حول داكا حتى بادرتها القوات الجوية الهندية بقصف شديد أدى إلى استسلام ألفي جندي وضابط باكستاني وفي 14 دجنبر تمكنت طلائع الأسطول السابع الأميركي من الوصول إلى خليج البنغال تتقدمها حاملة الطائرات الذرية “إنتر برايز” قادمة عبر مضيق ملقا وذلك سعيا منها لوضع حد لهذه الحرب المستعرة.

كان وصول القوات الأمريكية قد تزامن مع إعلان رئيسة وزراء الهند إنديرا غاندي أن “داكا مدينة حرة في وطن حر”، حيث استطاعت هزم القوات الباكستانية، التي وقع قائدها الجنرال نيازي وثائق الاستسلام.

حرب كارجيل 1999

تجدد الصراع بين البلدين في ما عرف بحرب كارجيل، وهي حرب فرعية اندلعت بين القوات الهندية والباكستانية في نطاق محدود، حيث تمكنت قوات باكستانية مطلع العام 1999، من التسلل عبر خط السيطرة واحتلت أراض هندية كان معظمها يقع في منطقة كارجيل.

ردت الهند بشن هجوم عسكري ودبلوماسي كبير لطرد المتسللين الباكستانيين، وبعد مرور شهرين على الصراع، استعادت القوات الهندية ببطء معظم التلال التي استهدفها المتسللون.

بعد مناوشات محدودة بين الجانبين استطاعت الهند استعادت السيطرة على حوالي 75 بالمئة من المنطقة التي اقتحمت وجميع الأراضي المرتفعة تقريبا، فيما تجنبا لوقوع حرب رابعة شاملة، ضغط المجتمع الدولي على باكستان لسحب قواتها من الأراضي الهندية المتبقية.

وفي مواجهة احتمال تعرضه لعزلة دولية، ازداد ضعف الاقتصاد الباكستاني الهش أساسًا، وانخفضت الروح المعنوية لدى القوات الباكستانية بعد الانسحاب إذ تكبدت العديد من وحدات مشاة الشمال الخفيفة خسائر فادحة، ورفضت الحكومة قبول جثث العديد من الضباط، وأثارت تلك القضية الغضب والاحتجاجات في المناطق الشمالية.

مناوشات مستمرة

وإلى حدود اليوم تعد المناطق الحدودية بين البلدين منطقة ساخنة، تشهد بين الفينة والأخرى مناوشات بين الهند وباكستان، آخرها ما وقع في مارس الماضي، حيث كان مسؤول باكستاني قد صرح في مؤتمر صحافي رسمي أن صاروخا أسرع من الصوت، مصدره الهند، قطع 124 كيلومترا على علو 40 ألف قدم من المجال الجوي الباكستاني واصطدم بالقرب من مدينة “ميان تشانو” في منطقة “خانيوال” الباكستانية.

وبعد يومين من الحادثة، وبالضبط في 9 مارس 2022،  أكدت وزارة الدفاع الهندية رسميا وقوع هذه الحادثة، وأعلنت الوزارة في بيان رسمي أنها أطلقت صاروخاً “عن طريق الخطأ” خلال عملية صيانة روتينية، وأكد في هذا البيان أيضا تعامل الحكومة مع الحادثة بجدية تامة وحرصها على فتح تحقيق رفيع المستوى.

> إعداد: توفيق أمزيان

Related posts

Top