- الكثير من الأشياء التي نتسوقها اليوم أصبحت أغلى ثمنا مما كانت عليه قبل عام، ومن ذلك المواد الغذائية وكذلك أيضا وبشكل خاص جدا أسعار الطاقة، وهذا ما نلاحظه في محطات الوقود عندما نتوجه لتعبئة خزانات سياراتنا بالغزوال أو البنزين. وفي هذا السياق العالمي المتسم بالحذر تنعقد هذه الأيام بألمانيا قمة مجموعة السبع الكبرى للبحث عن حلول لأزمة الطاقة العالمية
وفي هذا الإطار ، يعد المغرب واحدا من الدول التي تقود بنجاح عملية الانتقال الطاقي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويحتل مكانة مميزة بين دول العالم في جهود مكافحة آثار التغير المناخي وخفض الانبعاثات، حيث يخطط المغرب باعتباره ثاني أكبر مصدر للكوبالت النظيف للاستثمار في تطوير صناعة السيارات الكهربائية، إذ يتطلع إلى الارتقاء بسلسلة القيمة في إنتاج السيارات وتحفيز المزيد من فرص العمل. ومع النمو الكبير الذي يشهده قطاع السيارات، والتحول إلى السيارات الكهربائية، بدأ المغرب في نشر محطات الشحن السريع لخدمة العملاء الذين تتزايد أعدادهم يوما بعد آخر، وفي هذا الإطار شرعت جماعة فاس في وضع محطات لشحن السيارات الكهربائية في بعض الشوارع العمومية وذلك لتشجيع ساكنة فاس على استعمال هذا النوع من المركبات الصديقة للبيئة في أفق جعل فاس مدينة ذكية ونظيفة.
واختيرت المواقع الأولى لمحطات الشحن السريع بمدينة فاس بالتشاور مع مستخدمي السيارات الكهربائية والهجينة، الذين يتزايد عددهم سنويا، إذ تلبي هذه المواقع احتياجات مستخدمي السيارات الكهربائية، وتضمن لهم مراكز شحن في أهم المحاور عند التنقل، حيث تعد هذه المبادرة إسهاما مهما في تنمية البنيات التحتية للشحن، ومن خلال ذلك، الإسهام في الإعداد للانتقال الطاقي على أفضل وجه، وفي تعميم استعمال السيارات الكهربائية الأكثر رأفة بالبيئة، وبهذا تكون مدينة فاس من المدن الأوائل التي ستستثمر في الانتقال الطاقي من أجل خلق ديناميكية شاملة وتشجيع مجموع الفاعلين في المنظومة على السير بخطى الشركة، وإنشاء شبكة واسعة من محطات الشحن، في كل أنحاء البلاد. وتهدف هذه المبادرة إلى تقديم خدمات الشحن الكهربائي السريع وشبه السريع للسيارات الهجينة القابلة للشحن وللسيارات الكهربائية، من خلال شبكة آلات الشحن الكهربائية المثبتة في محطات الوقود وفي العديد من المواقع التي تعد إستراتيجية بالنسبة لمستعملي السيارات الكهربائية.
ويطمح المغرب إلى تحقيق 52 في المائة في المزيج الكهربائي الوطني بحلول سنة 2030، والرفع من سقف تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة إلى 45.5 في المائة في المساهمة المحددة وطنيا في أفق عام 2030، حيث انخرطت المملكة المغربية منذ أكثر من عقدين وبشكل كامل، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، في الجهود الدولية في مجال البيئة والتنمية المستدامة، وعمل المغرب على تكريس الحق في البيئة في الدستور عبر وضع آليات الحكامة للتنمية المستدامة ودمج الاستدامة في السياسات القطاعية، وذلك بفضل الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، التي تهدف إلى تحقيق الانتقال نحو اقتصاد أخضر مندمج في أفق عام 2030، حيث تم تحديد أهداف جد طموحة، سواء بالنسبة إلى تطوير الطاقات المتجددة أو فيما يخص تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث أصبحت المملكة المغربية عازمة على تسريع وتيرة الانتقال الطاقي وتفعيل أهداف التنمية المستدامة، وتنزيل الاستراتيجية الطاقية، إضافة إلى الطاقات المتجددة، فضلا عن تعزيز مجموعة من الأوراش والإصلاحات التي تهم النجاعة الطاقية، في مختلف القطاعات الحيوية، في أفق التخفيض من الاستهلاك الطاقي إلى حوالي 20 في المائة في أفق 2030.
ويشتغل المغرب على إعداد برنامج مندمج لتدعيم جميع محطات تحلية المياه المبرمجة بوحدات إنتاج الطاقات المتجددة قصد تمكينها من الاستقلالية والاقتصاد في الطاقة، على غرار حظيرة الطاقة الريحية في مدينة الداخلة وصولا إلى استكشاف مصادر جديدة للطاقة من قبيل التحويل الطاقي للنفايات للكتلة الحيوية للمدن الكبرى، إلى جانب الاستثمار في المجالات البحرية سواء تعلق الأمر بتحلية ماء البحر أو بالطاقات المتجددة عبر استغلال مولدات الطاقة الريحية وطاقة التيارات البحرية، ويوجد الانتقال الطاقي في صلب اهتمامات النموذج التنموي الجديد، وتندرج الرهانات المتعلقة به ضمن محوره الاستراتيجي الأول المتعلق بتطوير الاقتصاد، مبرزة أن هذا النموذج يسعى إلى جعل العرض الطاقي المغربي أحد أهم محددات جاذبيته الاقتصادية، وذلك من خلال طاقة تتميز بالتنافسية التي يتم إنتاجها أساسا من المصادر المتجددة، حيث من شأن الانتقال الطاقي السريع أن يجعل المملكة بلدا مرجعيا في ما يخص طرق الإنتاج الخالي أو قليل الانبعاثات من الكربون والمتسم بالمسؤولية والتنمية المستدامة، الأمر الذي من شأنه أن يوسع من إمكانية ولوج العرض التصديري للمغرب للأسواق الواعدة، وأن يستقطب استثمارات خارجية هامة في قطاعات الاقتصاد الأخضر وتعزيز مكانة المجالات الترابية وجعلها في صلب العملية التنموية، فضلا عن التدبير الأمثل للمخزون الاحتياطي للطاقة وتنويع المزيج الطاقي.
وتسعى المملكة المغربية إلى تقديم الدعم إلى القارة الإفريقية، خلال قمة المناخ كوب 27، التي من المنتظر أن تنعقد في مدينة شرم الشيخ خلال شهر نونبر المقبل هذا المؤتمر الذي يهتم خصوصا بالقضايا ذات الأولوية لقارة أفريقيا، وسيشهد إطلاق عدة مبادرات بهدف تعزيز وتيرة العمل المناخي وتسريعها في أفريقيا بينما يخطط المغرب في المستقبل القريب تزويد أوروبا بكميات كبيرة من الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، وبالتالي تمهيد الطريق للحياد المناخي وفقا لحسابات مدريد وباريس وبرلين.
المغرب رائد السياسة المناخية والطاقية في إفريقيا والعالم
لا شك أن المغرب هو رائد سياسة المناخ والطاقة في إفريقيا وبقية العالم أيضا، حيث تسعى المملكة المغربية إلى تحقيق أهداف طموحة لخفض ثاني أكسيد الكربون، وكانت مشاركا نشطا في محادثات المناخ الدولية في عام 2016 حين استضاف المغرب قمة المناخ في نسختها 22 في مراكش، بينما بحلول نهاية عام 2020 كان المغرب قد حقق قدرة مركبة تزيد قليلا عن 40٪ من مصادر الطاقة المتجددة وهو رقم من المتوقع أن يرتفع إلى 52٪ بحلول عام 2030 حيث أصبح يحتل المغرب أحد المراكز الأولى في مؤشر أداء تغير المناخ لعام 2021 الذي أعدته منظمة جيرمان واتش الألمانية وشبكة العمل المناخي، ويرسم المغرب الآن هدفا طموحا آخر من خلال أجندة سياسة الطاقة: فهو يأمل أن يصبح رائد السوق العالمي في إنتاج الهيدروجين الأخضر. الطلب المتزايد على الوقود الجديد عديم الانبعاثات يعني أن إنتاج الهيدروجين هو قطاع مستقبلي أكيد، إن المغرب ليس لديه أي نية لترك هذه الفرصة المربحة تفلت من بين أصابعه، إلى جانب الجدوى الفنية والمالية لهذه الخطط الطموحة للغاية، هناك أيضا سؤال صغير حول كيفية تأثير هذا التركيز على التصدير على انتقال الطاقة في المغرب وشعب البلاد.
إنتاج الهيدروجين الأخضر بالمغرب
ترى ما الذي يجعل من المغرب البلد الجذاب للغاية كمورد محتمل للهيدروجين؟ تكمن الإجابة بشكل أساسي في قدرته على توليد كميات كبيرة من الطاقة الشمسية اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر ولهذا السبب استثمرت ألمانيا وأوروبا الكثير من الأمل في تحول الطاقة في المغرب حيث تتمتع المملكة المغربية بظروف مناخية مواتية للغاية وقد استثمرت بالفعل بشكل كبير في الطاقات المتجددة وهي على أعتاب أوروبا تماما، هذا في الوقت الذي يخطط فيه المغرب لتحقيق أقصى استفادة من هذا وإنتاج الهيدروجين الأخضر من الكهرباء الشمسية للتصدير في المستقبل، و حتى الآن كان هذا الطموح مدفوعا بقوة بالطلب وتم جلبه إلى المغرب من الخارج على وجه التحديد من قبل ألمانيا ودول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي حريصة على تأمين وصولهم إلى “نفط المستقبل”، وينعكس هذا على سبيل المثال في اتفاقية الهيدروجين بين ألمانيا والمغرب، التي تم توقيعها في برلين في يونيو 2020 وتنص الاتفاقية على أن تدعم ألمانيا المملكة المغربية في بناء مصنع لإنتاج الهيدروجين وما تلاه من إنتاج للهيدروجين الأخضر حيث تم التعهد بالفعل بموارد تصل قيمتها إلى 300 مليون يورو لهذا الغرض، وهو استثمار سيسمح لألمانيا بالحصول على الهيدروجين الأخضر من المغرب في المستقبل، لكن لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه حتى يصبح المغرب في وضع يسمح له بتصدير الهيدروجين الأخضر.
ولسبب واحد، يجب أولا أن ننتج الكهرباء من مصادر متجددة أكثر بكثير مما هو عليه الحال الآن، للتذكير فقط في عام 2019 جاءت 4٪ فقط من إجمالي الكهرباء المنتجة من الألواح الشمسية و 12٪ من طاقة الرياح و 4٪ من الطاقة الكهرومائية، على سبيل المقارنة ، بينما في سنة 2019 تم إنتاج ما مجموعه 47500 جيجاوات ساعة من الطاقة الشمسية في ألمانيا أكثر مما تم إنتاجه في المغرب في ذلك العام من مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة مجتمعة، ومن ناحية أخرى تفتقر المملكة المغربية إلى المياه اللازمة لإنتاج الهيدروجين، تعاني العديد من المناطق بالفعل من نقص المياه، حيث تعتبر موارد المياه العذبة النادرة موضوع نزاعات محلية وتضع قيودًا صارمة على الزراعة الصغيرة.
لهذا السبب، يتطلع المغرب إلى استخراج المياه العذبة المطلوبة من محطات تحلية المياه، ولكن يجب أيضا أن يتم تشغيلها بالكهرباء الخضراء حتى يكون الهيدروجين المنتج محايدا مناخيا حقا، بمعنى آخر ستكون هناك حاجة إلى المزيد من الطاقة الشمسية، في خضم أزمة الطاقة العالمية وتفاقم حالة الطوارئ المناخية.
ما هو الهيدروجين الأخضر وكيف يتم إنتاجه؟
يعتبر الهيدروجين عنصرا كيميائيا شائعا للغاية ولكنه موجود في الغالب في شكل روابط مع عناصر أخرى على سبيل المثال في الماء ويمكن استخدام الهيدروجين في شكله النقي كمصدر للطاقة في قطاع النقل والصناعة ولكن أيضا لتخزين الطاقة ونقلها، هذه الخاصية تجعل الهيدروجين وقود المستقبل، ويتطلب إنتاج الهيدروجين الكهرباء والماء بينما يتم استخدام نظام التحليل الكهربائي لاستخراج الهيدروجين من المكونين، ولكن يتم فقدان حوالي 40٪ من طاقة الدخل الكهربائي، وتتطلب العملية أيضا الكثير من الماء: يتطلب الأمر 9 لترات من الماء لإنتاج 1 كلغ من الهيدروجين، إذا تم استخدام الكهرباء من المصادر المتجددة لإنتاج الهيدروجين، فإنها تسمى الهيدروجين الأخضر، لأن هذه هي العملية الوحيدة الخالية من الانبعاثات حقا، وهذا هو السبب في الحاجة إلى كميات هائلة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ولفهم المكان الذي من المفترض أن تأتي منه الكهرباء الخضراء اللازمة لإنتاج الهيدروجين، يلزم إلقاء نظرة عامة أوسع على انتقال الطاقة في المغرب.
وعلى عكس الوضع في ألمانيا، حيث تطور تحول الطاقة بشكل رئيسي بطريقة لامركزية، مع قيام العديد من الجهات الفاعلة بإنتاج الكهرباء الخاصة بهم لتغذية الشبكة، فإن التوسع في مصادر الطاقة المتجددة في المغرب مركزية للغاية وتديرها الدولة، والفاعلون المركزيون هم وكالتان فقط، إحداهما مملوكة ملكية عامة والأخرى شبه عامة، يسمح لها ببناء وتشغيل محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، أولها هو المكتب الوطني للماء والكهرباء الذي يدير أيضا شبكة الكهرباء الوطنية المغربية. والثاني هو الوكالة المغربية للطاقة المستدامة، والتي تم إنشاؤها في عام 2010 لأغراض تطوير وتوسيع وتشغيل محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهذا يعني أن الطاقة المتجددة المنتجة في المغرب تأتي بشكل أساسي من محطات الطاقة الشمسية الكبيرة ومزارع الرياح التي تم تمويلها بشكل أساسي من قبل بنوك التنمية الدولية فعلى سبيل المثال قام بنك التنمية الألماني بتوجيه 830 مليون يورو لبناء محطة نور للطاقة الشمسية، وهو ما يعادل ما يزيد قليلا عن ثلث إجمالي مبلغ الاستثمار، أما بالنسبة للشركات الخاصة من ناحية أخرى لم تكن هناك فرصة عمليا حتى الآن لدخول سوق الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المربحة. ويرجع ذلك أساسا إلى عدم السماح للشركات والمجتمعات والأسر الخاصة التي تنتج الكهرباء لتلبية احتياجاتها الخاصة بتغذية أي فائض في الشبكة، حيث كانت الجهود جارية منذ سنوات من أجل فتح سوق الكهرباء وشبكاتها على المدى المتوسط أمام جهات فاعلة جديدة، ولكن لا يوجد حتى الآن أساس قانوني لذلك. في حين أن الحكومة تفتقر بوضوح إلى الإرادة السياسية المطلوبة لمثل هذا الإصلاح، فإن سلطات ووكالات الطاقة النهائية ليس لديها مصلحة كبيرة في تحرير سوق الطاقة المتجددة.
لدى المكتب الوطني للماء والكهرباء على وجه الخصوص مجموعة كبيرة من محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري وبالتالي فإن كل مصلحة في إطفاء استثماراتها في مرافق جديدة مثل محطة الطاقة التي تعمل بالفحم والتي افتتحت في عام 2018 في آسفي ونتيجة لذلك نمت حصة طاقة الفحم في مزيج الطاقة المغربي بنسبة 70٪ منذ عام 2014 وتعمل محطات الطاقة الجديدة مثل تلك الموجودة في آسفي بكامل طاقتها، وفي الوقت نفسه لا يتم استغلال إمكانات مصادر الطاقة المتجددة بالكامل – فقط 20٪ من الكهرباء المنتجة في عام 2019 جاءت من مصادر متجددة على الرغم من أن ما يصل إلى 40٪ كان ممكنا تقنيا وبالتالي لا يزال المغرب يعمل بأقل من طاقته في توليد مصادر الطاقة المتجددة وإزالة الكربون من إنتاج الطاقة.
في المغرب، من السهل جدا تحقيق الوعد بالهيدروجين الأخضر، ولاسيما الآفاق الاقتصادية لتصديره، من المحتمل أن يؤدي إلى طفرة جديدة في مصادر الطاقة المتجددة في المغرب، لأن هذا هو ما لا يزال يعاني من نقص في المعروض حاليا، إلى جانب التسهيلات الفنية والخبرة في إنتاج الهيدروجين: كميات كبيرة من الكهرباء الخضراء ويبقى أن نرى كيف ستؤثر الطفرة المتوقعة على تحول الطاقة في المغرب وفي أفضل السيناريوهات، كما يأمل العديد من الخبراء، سيؤدي الطلب الهائل على الطاقة المتجددة إلى تحرير سريع لسوق الكهرباء المغربي لأن نموذج الاحتكار الافتراضي المركزي الحالي لن يكون قادرا لإنتاج الكميات المطلوبة من الكهرباء النظيفة في ظل ظروف المنافسة وبالتالي يمكن أن ينتهي الهيدروجين بفتح الباب أمام الشركات الخاصة والمجتمعات والأسر وخلق سوق كهرباء أكثر تنوعا في المغرب، أو يمكن أن يسير في الاتجاه الآخر تماما.
ويخشى خبراء آخرون من أن الهيكل الحالي لمحطات الطاقة الشمسية الكبيرة، التي تديرها حفنة من الجهات الفاعلة العامة، يمكن ترسيخها بشكل أكبر من خلال التركيز الجديد على تصدير الكهرباء وإنتاج الهيدروجين، ويرجع ذلك إلى أنه من المحتمل أن يتم دعم التوسع المستقبلي لمصادر الطاقة المتجددة وتغذيتها بشكل أساسي من قبل أموال المانحين الدوليين، في مثل هذه الكميات، لا يمكن بشكل واقعي استيعاب هذه الموارد إلا من قبل الدولة واستثمارها في منشآت كبيرة،ةومع ذلك في أي من السيناريوهين، فإن السؤال التالي هو من ستعطى الأولوية في الاستخدام اللاحق للكهرباء الخضراء والهيدروجين المنتج، ويقوم المغرب بالفعل بتصدير كميات صغيرة من الكهرباء إلى إسبانيا عن طريق الكابلات البحرية
أربعة دول أوروبية تتوقف عن استيراد الفحم
توقع تقرير صادر عن مكتب كبير الاقتصاديين التابع لحكومة أستراليا، ارتفاع واردات الفحم بحلول عام 2027 بنسبة 8%، مقارنة بعام 2021، لتصل إلى 239 مليون طن، رغم اتجاه دول عديدة إلى وقف محطات توليد الكهرباء به، في إطار خطط علاج تغير المناخ، وتعد أستراليا ثاني أكبر مصدر للفحم عالميا، وأكبر منتج له، وأوضح التقرير أن تحول الدول الأوروبية وأميركا عن الفحم، يدفع أسواقها نحو دول آسيا، التي لا تزال تحتاجه لدعم النمو وتلبية احتياجاتها من الكهرباء، وأشار إلى أن هناك دولا تخطو خطوات سريعة نحو التخلص من الفحم، بينما لا تقدر عليها دول أخرى في آسيا، مثل الهند التي ستزيد وارداتها من المصدر الأكثر تلويثًا للبيئة بين أنواع الوقود الأحفوري، وقال التقرير الصادر عن مكتب كبير الاقتصاديين التابع لحكومة أستراليا، إن توليد الكهرباء من الفحم في أميركا يتراجع لصالح محطات الغاز، بينما يتوقع أن تنخفض واردات الدول الأوروبية بشدة في النصف الثاني من هذا العقد، إذ تتحرك نحو إغلاق المحطات بخطى سريعة، وأشار التقرير ربع السنوي لـ”الموارد الطبيعية والطاقة”، والذي يضع توقعات لسوق الفحم العالمية حتى عام 2027، إلى أن العالم يتجه نحو مصادر منخفضة الانبعاثات الكربونية، لذلك هبطت الاستثمارات الموجهة لبناء محطات فحم بصورة حادة، وقال: “تراجعت الحوافز للمستثمرين لبناء محطات الفحم الجديدة وضخّ استثمارات طويلة الأجل، رغم الارتفاع الكبير في أسعاره حاليا”، وتأسس مكتب كبير الاقتصاديين في أستراليا عام 2012، بهدف دراسة آثار قضايا الملكية الفكرية بالاقتصاد في البلاد بصورة عامة، وتوقع التقرير الصادر عن مكتب كبير الاقتصاديين التابع لحكومة أستراليا، أن تتخلص أربعة دول أوروبية تماما من محطات الفحم، وتصل إلى صفر واردات مع نهاية هذا العقد، وهي: الدانمارك وفنلندا وإيطاليا وأسبانيا، بينما تتجه المملكة المتحدة لإغلاق آخر محطة فحم لديها في 2024. وبالمثل ستفعل ألمانيا التي ستغلق محطة الفحم التي تصل طاقة توليد الكهرباء منها إلى 2.5 غيغاواط في الموعد ذاته، وكانت حكومة ألمانيا تدرس تمديد تشغيل آخر محطة فحم لديها، عقب غزو روسيا لأوكرانيا في شهر فبراير الماضي، بهدف توفير بدائل لروسيا في استيراد مصادر الطاقة، لكنها تراجعت عن ذلك في وقت لاحق، وتعتمد دول الاتحاد الأوروبي على روسيا لتلبية نحو 40% من احتياجاتها من الغاز، و30% من النفط، وكشف التقرير عن توقعات بإغلاق 4 محطات فحم من 6 في إسرائيل، العام الجاري، واستبدال الغاز الطبيعي به، وأن تصل وارداتها من الفحم إلى صفر بحلول عام 2025.
وفيما يخص الصين وهي أكبر مصدر للتلوث في العالم، وتعتمد بصورة أساسية على الفحم-، يتوقع التقرير أن يظل استهلاكها للفحم قويا، لكن تتجه بكين إلى إنتاج فحمها محليا لتقليص اعتمادها على الواردات، فقد أعلنت السلطات في الصين، منتصف فبراير، زيادة إمدادات الفحم، ودعم محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم، لتلبية الطلب على الكهرباء، بينما أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الفحم سيكون الدعامة الأساسية لمزيج الطاقة في البلاد، وذلك خلال جلستي هذا العام، ضمن سلسلة الاجتماعات السياسية المهمة التي تعقد في بكين بفصل الربيع، مصدرا تعليمات تفيد بأنه يصعب تغيير دور الفحم على المدى القصير، وأشارت الخطة الخمسية الـ14 لقطاع الطاقة، الأخيرة، إلى دور الفحم بدعم نظام الكهرباء في البلاد، رغم تعهد الصين بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060، وتوقع التقرير أن تنمو واردات الهند من الفحم، وهي ثالث أكبر مصدر للانبعاثات الكربونية عالميا، بنحو 20 مليون طن، ليبلغ إجمالي الواردات 173 مليون طن بحلول عام 2027، في ضوء ارتفاع معدلات النمو.
حلم الحياد الكربوني بالهند والصين في أفق 2060
كان وزير الفحم في الهند، برالهاد جوشي، قد أكد، أن الطلب على الفحم لم يصل بعد إلى الذروة، وتوقع أن يتراوح الطلب على الفحم في حدود 1.3-1.5 مليار طن بحلول عام 2030، بزيادة قدرها 63% عن الطلب الحالي، ويسهم الفحم بنسبة 51.6% من مزيج الطاقة، ورغم ذلك، قدّمت الهند التزامات طموحة لزيادة قدرات الطاقة المتجددة، وخفض انبعاثات الكربون في قمة غلاسكو للمناخ كوب 26، إذ أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي، عزم بلاده تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2070، وتجبر صعوبات زيادة إنتاج الفحم محليا، وارتفاع الطلب على الكهرباء، فيتنام لزيادة وارداتها حتى عام 2025، لتصل ذروتها في 2030، وأضاف التقرير أنه من المتوقع أن تبدأ تايلاند خفض توليد الكهرباء من الفحم بحلول 2027، ما يهبط بسعة التوليد بنسبة 10% في 2030، ويرى التقرير أن واردات الفحم في كل من اليابان، وتايوان، وكوريا الجنوبية، ستشهد تراجعا في وقت لاحق، بسبب التزام الدول الـ3 بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
التعهدات المناخية لم تمنع إندونيسيا والصين من استمرار استخدام الفحم
في المجمعات الصناعية، وتضم المجمعات الصناعية في إندونيسيا مصافي التكرير وأفران صَهْر المعادن كثيفة استهلاك الطاقة، وكانت قد أعلنت إندونيسيا هدفا لتوليد 23% من كهربائها من مصادر متجددة بحلول عام 2025، حيث تشكل مصادر الطاقة المتجددة حاليًا في إندونيسيا أقل من 12% من مزيج الطاقة، بينما تزال إندونيسيا تعتمد على الفحم في توليد 60% من كهربائها، إذ لم تمنع التعهدات المناخية الوطنية للحدّ من استخدام الفحم في الصين وإندونيسيا، تنامي محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم في المناطق والتجمعات الصناعية، فقد بدأت شركة صينية ببناء مشروع “جزيرة الكهرباء” في جزيرة أوبي الإندونيسية، في فبراير الماضي، بعد 5 أشهر من إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الصين ستتوقف عن بناء محطات كهرباء جديدة تعمل بالفحم في الخارج، ويهدف مشروع “جزيرة الكهرباء”، الذي صمم لإنشاء محطة توليد كهرباء بالفحم، إلى توفير الكهرباء حصريا لمجمع الصناعات الثقيلة. وتمثل هذه المجمعات الشكل المختار من جانب الحكومة الإندونيسية للتنمية الاقتصادية كثيفة رأس المال، حيث وسعت مجموعة من التغييرات التنظيمية، على مدى السنوات القليلة الماضية، إلى تعزيز الصناعات المحلية للاستفادة من الموارد الطبيعية، مثل النيكل والألمنيوم، قبل تصديرها.
استمرار إنشاء محطات الفحم عبر العالم
تضم المجمعات الصناعية في إندونيسيا مصافي التكرير وأفران صهر المعادن كثيفة استهلاك الطاقة اللازمة لهذه العمليات، إضافة إلى المعدات المملوكة في الغالب للشركات الصينية التي تعتمد حتى الآن على محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم، واستجابت الشركات الصينية للدعوة لبناء قدرة إندونيسيا على معالجة الفلزات، منذ أن حظرت الحكومة تصدير النيكل غير المعالج، في عام 2014، ثم في عام 2020، وأصبح إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ وقف دعم محطات توليد الكهرباء بالفحم الجديدة في الخارج ملحوظا في هذه المجمعات الصناعية، التي سعى مناصروها إلى تسويقها بصفة مبادرات إنقاذ المناخ التي تدعم الطاقة النظيفة، ويمكن لمصنّعي البطاريات استخدام النيكل المعالج في منشآت المجمعات الصناعية لإنتاج ملايين بطاريات الليثيوم أيون للسيارات الكهربائية والتخزين الكهربائي للشبكة؛ لتحقيق الأهداف المناخية، وستتطلب منشآت الطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم ملايين الأطنان من الألمنيوم المشتق من البوكسيت.
التحالف الإفريقي للهيدروجين النظيف
شرع المغرب في ورش الانتقال الطاقي منذ عقد من الزمن، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، ويبقى التقييم نصف المرحلي للاستراتيجية الوطنية للطاقة يتوقع أن يكون مزيج الطاقة أكثر اخضرارا في أفق 2030، مع تعزيز النجاعة الطاقية في مختلف القطاعات، ولاسيما القطاعات الصناعية والخدماتية، فضلا عن تعزيز النقل المستدام، وهو ما سيمكن من توفير الطاقة بنسبة 20٪ على الأقل بحلول سنة 2030، فالقارة الإفريقية تتوفر على موارد طاقية غير مستغلة تستوجب وضع إطار قانوني ومؤسساتي مناسب، واعتماد شراكات تضمن نقل التكنولوجيا وتقوية القدرات المحلية، بينما يبقى التعاون جنوب-جنوب وخاصة مع الدول الإفريقية الصديقة يعد أولوية في السياسة الوطنية بقيادة لجلالة الملك محمد السادس، ويبقى الدعم الذي تقدمه المؤسسات الوطنية مثل المكتب الوطني للكهرباء والماء والوكالة المغربية للطاقة المستدامة ومعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات الجديدة، لبعض البلدان الإفريقية في مجال الطاقة إضافة إلى إطلاق التحالف الإفريقي من أجل الوصول المستدام للطاقة، والذي يترأسه المغرب وإثيوبيا. بينما يبقى حلم تأسيس تحالف إفريقي للهيدروجين النظيف من أجل الانخراط في الدينامية الدولية التي بدأت تنشط في هذا المجال شريط التحقق بمجموعة من العوامل.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحدث عرف مشاركة كل من فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، و فرانشيسكو لا كاميرا، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، و جانيت روجان، السفيرة الجهوية لمؤتمر الأطراف 26 لإفريقيا والشرق الأوسط، و ستيفانو سيجور، من المفوضية الأوروبية، ودانييل ألكسندر شروث، من البنك الإفريقي للتنمية.
محمد بن عبو
خبير في المناخ والتنمية المستدامة رئيس المكتب الوطني لجمعية
مغرب أصدقاء البيئة