في سابقة هامة، اعتبرت المحكمة الابتدائية بالقصر الكبير، أن تعدد الزوجات الذي يتم بشكل غير قانوني عن طريق زواج الفاتحة، يشكل عنفا نفسيا ضد المرأة، يترتب عنه أذى ومعاناة نفسية للزوجة، وقضت بإدانة الزوج بالسجن النافذ لشهرين، وبأدائه تعويضا للزوجة الأولى قدره عشرة آلاف درهم.
ملخص القضية
تتلخص وقائع القضية، في أن زوجة تقدّمت بشكاية إلى النيابة العامة بمدينة القصر الكبير في مواجهة زوجها تتعلق بالعنف الزوجي، وتعرض فيها بأنها تعيش مشاكل مستمرة معه، بعدما علمت بأنه على علاقة بامرأة أخرى، وأنه بصدد القيام بإجراءات توثيق الزواج معها من دون احترام مقتضيات التعدد، وأضافت أن هذه المشاكل جعلتها تتعرض إلى إهانات متكررة من طرف زوجها، ومن طرف أصهاره الذين يمارسون عليها أصنافا من العنف.
وعند الاستماع إليه، أنكر الزوج ما نسب إليه مؤكدا أن شكاية زوجته كيدية، وهدفها هو الانتقام منه بعدما عمل على توثيق زواجه من زوجة أخرى وهو ما جعلهما في حالة شجار دائم معه ومع أصهاره.
موقف المحكمة
اعتبرت المحكمة أن ما قام به الزوج من الزواج بزوجة ثانية من دون سلوك إجراءات التعدد أو التطليق هو عنف نفسي وذلك اعتمادا على المبررات التالية:
العنف ضد المرأة بحسب قانون 103. 13 هو كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسـي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة؛
– العنف النفسي بحسب نفس القانون أيضا هو كل “… اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو إهمال أو حرمان، سواء كان بغرض المس بكرامة المرأة وحريتها وطمأنينتها، أو بغرض تخويفها أو ترهيبها…”،
العنف ضد المرأة بحسب إعلان القضاء على العنف ضد المرأة، هو” أي فعل عنف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه أو يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية، أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.
العنف النفسي الممارس ضد المرأة بحسب علم النفس: “هو شكل من أشكال الإساءة وسوء المعاملة يوسم به الشخص الذي يُخضع غيره بسلوك قد يتسبب له بصدمات نفسية، لما في ذلك القلق، أو الاكتئاب المزمن، أو يكون سببًا في تعريضه لذلك، وكثيرًا ما يرتبط هذا العنف مع حالات من اختلال توازن القوى.”
واعتمادا على هذه التعليلات، اعتبرت المحكمة أن إنكار المتّهم تعنيفه لزوجته يبقى مجرد وسيلة للتملص من المسؤولية الجنائية تفندها قرائن أخرى أبرزها:
تصريحات المتهم بأنه يعيش مشاكل مع زوجته الأولى؛
تصريحات المشتكية بأنها تتخبط في المشاكل مع زوجها مند اكتشافها لعلاقته بامرأة أخرى؛
إصرار الزوج على العيش مع امرأة ثانية في منزل واحد وإنجابه ثلاثة أبناء منها من دون اتّباع مسطرة التعدد، أو مسطرة الطلاق؛
الخيانة من أكثر المواقف التي قد تواجهها الزوجة قسوةً، لأنها تترك أثراً عميقاً في نفسيتها ونظرتها لنفسها وقيمتها الذاتية، ونظرتها لزوجها وللأسرة التي أسّساها معاً؛
العنف النفسي من أخطر أنواع العنف فهو غير محسوس ولا يترك أثرًا واضحًا للعيان كما له آثار مدمرة على الصحة النفسية للمرأة.
وعليه قضت المحكمة بإدانة الزوج من أجل العنف ضد الزوجة والخيانة الزوجية ومعاقبته من أجل ذلك بشهرين حبسا نافذا، وبأدائه لفائدة الزوجة المشتكية تعويضا مدنيا عن الضرر قدره 10 آلاف درهم.
تعليق على الحكم
تكمن أهمية هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية في عدد من الاعتبارات:
إنه اعتبر تعدّد الزوجات الذي يتمّ بشكل غير قانوني عنفا نفسيا وهي إحدى صور العنف ضد النساء التي يعاقب عليها قانون 13. 103 ولهذه الغاية، اعتمد وبشكل لافت على الصكوك الدولية وبالأخصّ إعلان القضاء على العنف ضد المرأة من أجل تجريم سلوك الزوج حيث اعتبر “أي فعل عنف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه أو يرجح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة” عنفا ضدّ المرأة.
إنه يطرح إشكالية تعامل القضاء مع تحايل بعض الأزواج على مسطرة الإذن بالتعدد. فأمام تشدد محاكم الموضوع في اعتبار تعدد الزوجات مسطرة استثنائية لا يلجأ لها إلا بعد إثبات توفر الزوج على الإمكانيات المادية الكافية لإعالة أسرتين والمبرر الاستثنائي، أصبح البعض يحجم عن سلوك المسطرة القضائية ويكتفي بإبرام زواج عرفي ، وبعد إنجاب الأبناء يرفع دعوى للاعتراف بهذا الزواج في إطار مسطرة ثبوت الزوجية.
إنه يطرح الحكم إشكالية اختلاف تعامل القضاء مع حالات تعدد الزوجات التي تتم عن طريق الفاتحة-الزواج العرفي. ففي الوقت الذي تعترف فيه محاكم الأسرة بهذا الزواج رغم انتهاء الأجل القانوني المحدد لذلك، فإن المحاكم الزجرية تعتبر هذه العلاقات خيانة زوجية معاقبا عليها طبقا لأحكام القانون الجنائي، لكن السابقة التي أسسها هذا الحكم هو اعتباره زواج التعدد عنفا نفسيا.
وتجدر الإشارة الى أن رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية أصدر مؤخرا منشورا، وجه إلى رؤساء المحاكم أشار فيه إلى توصل المجلس بمعلومات تفيد باستعمال بعض الأزواج المأذون لهم بالتعدّد الإذن نفسه عدة مرات، لإبرام عقود زواج غير مأذون بها، من دون اللجوء إلى المحكمة لاستصدار إذن جديد بالتعدد، مستغلين عدم تضمين اسم المرأة المراد التزوج بها بالإذن بالتعدد الممنوح لهم. ولفت الرئيس المنتدب في منشوره الانتباه إلى أن عدم تضمين أسماء المراد التزوج بهن في الإذن بالتعدد يفتح المجال للتحايل واستعمال الوثيقة الممنوحة لعدة مرات، كأنه شيك على بياض، متابعا بأن ذلك يفرغ النصوص القانونية الموضوعة لحماية الأسرة من محتواها، ويفقدها نجاعتها، كما أنه يعصف بالحقوق المقررة للزوجة في مسطرة التعدد، ومن ذلك حقها في التعرف على الزوجة التي يعتزم زوجها الاقتران بها، وتمكينها من فرض شروط لفائدتها أو لمصلحة أطفالها عن بينة واختيار.
وتطالب الجمعيات النسائية في المغرب بإلغاء تعدد الزوجات من مدونة الأسرة بعدما أصبحت الإحصائيات الرسمية تشير إلى ندرة اللجوء إليه بحيث لا تشكل حالات التعدد إلا 0.34 بالمائة من رسوم الزواج التي تبرم كل عام، وذلك تزامنا مع فتح ورشة مراجعة مدونة الأسرة.