أوروبا مسؤولة عن الدفاع عن اتفاقاتها مع المغرب

جدية التعهدات الأوروبية

قرار محكمة العدل الأوروبية السلبي بشأن اتفاقيتي الصيد البحري والفلاحة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، يبعث، فعلا، على الاستغراب إن في محتواه القانوني والشكلي أو في خلفياته وسياقه، وهو ما يؤدي، في النهاية، إلى التساؤل عن مدى أمن اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وقدرة هذا الأخير على توفير الحماية القانونية اللازمة لتعهداته واتفاقاته مع الأطراف الأخرى.
الواضح اليوم أن قرارات محكمة العدل الأوروبية تتبدل مع تبدل تركيبتها البشرية أو مع تغير موازين القوى السياسية والإستراتيجية في المنظومة الأوروبية، ومن ثم يكون البعد السياسي والضغط الديبلوماسي واضحين وحاضرين في منطوق القرار وفي شكلياته ومسطرته وأبعاده.
قرار محكمة العدل الأوروبية هذه المرة يختلف عن القرار السابق قبل بضع سنوات، ذلك أنه اليوم يأتي بعد حدوث انفراج في علاقات المملكة مع فرنسا، وبعد تنامي التفاهم والتعاون بين الرباط ومدريد، وبعد قرار حول نفس الموضوع تقريبا صدر عن القضاء البريطاني، لكنه جاء مخالفا لما أوردته المحكمة الأوروبية، ثم إن هذا القرار الأخير صدر عشية استعداد مجلس الأمن للتداول حول ملف وحدتنا الترابية وتقديم تقرير المبعوث الأممي والنظر في ولاية بعثة مينورسو، وكل هذا يجعل السياق والخلفية أساسيين في قراءة ما صدر عن محكمة العدل الأوروبية، وتحليله ضمن عنوان كبير وفاضح هو الاستفزاز أو حتى… الابتزاز .
نعرف أن قرار محكمة العدل الأوروبية يعني أكثر بلدان الاتحاد الأوروبي التي وضعها في دائرة المساءلة عن قدرتها على حماية تعهداتها واتفاقاتها مع المملكة في إطار أوسع هو شراكتها الإستراتيجية مع الرباط، ونعرف أن بعض بلدانها ستكون هي المتضررة أكثر من أي استهداف للاتفاقية مع المغرب في مجالات الصيد البحري والفلاحة، ولكن نعرف كذلك أن لعبة الاستهداف هذه، وتأثر القرارات بموازين القوى الإستراتيجية ومختلف الضغوط الأخرى، تفرض على ديبلوماسية بلادنا الوعي بأن معركة وحدتنا الترابية مستمرة، وتستلزم التفكير باستمرار في البدائل والرد على الضغوط، بما في ذلك الشعبوية منها.
محكمة العدل الأوروبية تكشف اليوم على أنها لا تبالي حتى باجتهادات قضائية أوروبية سبقتها في الموضوع نفسه، كما أنها لا تفكر كذلك في مصالح بلدانها، ولا تراعي حتى جانب التأثير على جدية ومصداقية التزامات الاتحاد الأوروبي مع شركائه الآخرين، وهذه اللامسؤولية أو العمى يفرضان على بلد عريق مثل المغرب أن يسائل الشريك الأوروبي حول مدى قدرته على حماية الأمن القانوني لما يوقعه من اتفاقيات، وتدفعه أيضا للانفتاح على أسواق بديلة وتطوير تعاونه الاقتصادي والتجاري معها.
التعليق المغربي على القرار الأخير لمحكمة العدل الأوروبية شدد على أن المملكة تعتبر نفسها غير معنية بتاتا بهذا القرار الصادر بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري، ثم كشف أن مضمون القرار تشوبه العديد من العيوب القانونية الواضحة وأخطاء في الوقائع محل شبهات، وهو ما يؤشر، بحسب الموقف الرسمي المغربي، في أحسن الأحوال على «جهل تام بحقائق الملف، إن لم يكن انحيازا سياسيا صارخا»، ثم أضاف أن القرار يفضح أيضا سماح المحكمة لنفسها بتجاوز الهيئات الأممية المختصة ومعارضة مواقفها ومقارباتها الثابتة، مجددا، بهذا الشأن، التنويه بقرار المحكمة العليا البريطانية، التي غادرت بلادها الاتحاد الأوروبي، والتي أبانت بخصوص حالة مشابهة تماما عن قدر أكبر من التبصر والحياد والإلمام القانوني.
ثم خلص الموقف الرسمي المغربي إلى التأكيد على مطالبة المجلس والمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باتخاذ التدابير اللازمة من أجل احترام التزاماتها الدولية والحفاظ على مكتسبات الشراكة وتمكين المملكة من الضمان القانوني الذي يحق لها التمتع به بكيفية شرعية…
ويذكر المغرب بلدان الاتحاد الأوروبي وباقي العالم أن المملكة تؤكد على عدم الالتزام بأي اتفاق أو وثيقة قانونية لا تحترم وحدتها الترابية والوطنية.
وهذا يجعل اليوم بلدان الاتحاد الأوروبي الموقعة على اتفاقيات الشراكة والتعاون مع المغرب هي المسؤولة عن الدفاع عن هذه الاتفاقيات وتوفير الأمان القانوني لها جراء ممارسات بعض هياكلها القضائية وغير القضائية في المنظومة الأوروبية.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top