خرجة أخرى لجماعة ياسين

نقلت صحف ومواقع مضمون خرجة إعلامية جديدة لـ»العدل والإحسان»، وكانت هذه المرة غير مسبوقة في أدبيات وفكر الجماعة الأصولية، حيث تكلم أصحاب ياسين عن «الدولة المدنية»، وصرحوا بأنه  «لا مكان في الإسلام للدولة الدينية الشمولية»، ثم دعوا إلى «دولة مدنية عصرية لا أحد يملك فيها قداسة أو تفويضا إلهيا، ويكون فيها الشعب مصدرا للسلطة…»، وجاء أحد قياديي الجماعة ليوضح الموقف الجديد، بالقول بأن «التصور الذي تدافع عنه الجماعة ليس نابعا من المفهوم العلماني للدولة المدنية…»، مركزا على أنه بحسب الجماعة «لا يجب أن يكون الحاكم مقدسا…»، وفي هذه الجملة الأخيرة يتجسد المعنى والهدف.
إذا وضعنا هذه الخرجة الإعلامية في سياق الحراك الجاري في المجتمع منذ 20 فبراير، فإن الواضح أن «العدل والإحسان» بصدد خطة مدروسة تمتطي تظاهرات الشباب، وتقبل بأن تمشي «الساق للساق» مع اليسار الراديكالي، وفي نفس الآن تحرك «الوقفات المسجدية» بحجة التضامن مع الشعوب المسلمة، وتحاول حشد التلاميذ في وقفات ومسيرات، وكل هذا يستحق إثارة الاهتمام، وأيضا إثارة الأسئلة.
ألسنا أمام منظومة تحرك جديدة ومختلفة للجماعة؟ وأليس من حق الديمقراطيين التساؤل عن هذا الذي يجري والذي يقال، وعن الذي يتم التخطيط له من طرف الجماعة؟
اليوم عندما يتحدث الكثيرون عن الفصل 19 من الدستور، وعندما ترفع الشعارات وتعلو المطالب تقف عند سقف «الملكية البرلمانية»، وعندما يخطب الملك ويعلن عن هندسة دستورية ومؤسساتية تقوم على صلاحيات أوسع للحكومة وللبرلمان، هنا بالذات تخرج الجماعة إياها لتصيح في وجهنا كلنا بأنها مع دولة مدنية لكن «لا أحد يملك فيها قداسة أو تفويضا إلهيا»، ثم يأتي صوتها المعروف ليصرح بأنه «لا يجب أن يكون الحاكم مقدسا».
ما معنى رفض القداسة من لدن عبد السلام ياسين وجماعته بالذات؟ من المعني هنا بصفة الحاكم؟ وهل المعنى في السؤالين هو نفسه عند السائرين اليوم جنب جلابيب الجماعة؟
لن نسعى للإجابة على هذه الأسئلة، فللمعنيين بها حق التوضيح من عدمه، لكن على الأقل حتى يطمئن شعبنا على مكاسبه وعلى مستقبله الديمقراطي.
الجماعة لم تخرج من ركيزتها المعروفة، وهي بالذات السلطة الدينية والروحية للملك، وهو المنظور الجالس بوضوح في عمق النماذج العتيقة والمتخلفة الرائجة في الشرق العربي، والتي يرفض المغاربة نقلها، أو منح أمر دينهم وفتواهم إلى ياسين وجماعته.
بهذه الخرجة الإعلامية، تثار أسئلة كثيرة مترابطة تهمنا كمواطنين وكمجتمع وكاختيارات، حيث أن إثارة موضوع الشرعية الدينية «ولو ضمنيا»، يحمل للبال أيضا سؤال الموقف من الديمقراطية ومن التعددية ومن حقوق الإنسان وقيمها ومن الثقافة والفنون ومن المرأة ومن الحريات الفردية والجماعية ومن التشريع ومن باقي المؤسسات ومن استغلال الدين في السياسة ومن مفهوم الدولة…
المجتمع الذي نبنيه يقوم على الحداثة وعلى الديمقراطية وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليهما كونيا، وعلى شرعية مؤسساتنا الوطنية.
لنحدد المواقع أولا..
[email protected]

Top