عن الحكومة أيضا

حملت التشكيلة الحكومية الجديدة مؤشرا دالا يجسد تميزها عن سابقاتها، ويتعلق الأمر بكون أغلب الوزراء ينتمون للأحزاب الأربعة المكونة لتحالف الأغلبية، ما يقوي فعلا هويتها السياسية.
وباستعراض أولي للأسماء والمسارات يتبين أن الفريق الوزاري يضم شخصيات سياسية وحزبية بلا شك ستؤثر في المناقشات، وفي اتخاذ القرارات السياسية، وأيضا في الحرص الجماعي على تكريس الانسجام والتنسيق داخل التحالف الحكومي.
مؤشر ايجابي آخر كشفت عنه تشكيلة الحكومة، برز من خلال كون أزيد من ثلثي الوزراء يتولون لأول مرة المسؤولية الحكومية، والعديد منهم يمتلك مؤهلات لاغناء حقلنا الحزبي والسياسي في المستقبل بالأطر والنخب الجديدة، وإذا استحضرنا اليوم كل السجالات والمتابعات التي رافقت مفاوضات تكوين الحكومة، وإعلان أسماء وتغييرها، فان الواضح أن أحزابنا مجبرة فيما سيأتي من محطات على تجديد وتثمين خزان الأطر والكفاءات لديها، وتقوية انفتاحها على المجتمع، وعلى فئات جديدة، وبالتالي، فان ما سجلناه اليوم قد يؤسس لدينامية مهمة في المستقبل على مستوى تجديد النخب الحزبية والسياسية في البلاد.
المؤشر الثالث تمثل في تعديل تسميات بعض الوزارات، مثل إضافة الحريات إلى العدل، والمجتمع المدني إلى العلاقات مع البرلمان، والحكامة إلى الشؤون الاقتصادية، وسياسة المدينة إلى السكنى والتعمير، والأمر هنا ليس مجرد تعبيرات بلاغية، بقدر ما أنه يحيل على مجالات انشغال ذات أهمية، مثل الحريات والمجتمع المدني والحكامة، وهي تمتح دلالتها من دينامية الشارع، ومن الخطاب المطلبي المعبر عنه اليوم وطنيا وإقليميا، بشأن محاربة الفساد وتكريس الحكامة الجيدة، وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وغير ذلك.
وضمن هذا المؤشر الثالث، يمكننا أيضا إدراج إحداث وزارة للميزانية، وأخرى منتدبة في الداخلية، فضلا عن تعيين شخصيتين حزبيتين على رأس وزارتي الداخلية والخارجية، وكل هذا يكشف عن بعض مستويات التجديد في التركيبة الحكومية الحالية، وان كان عدد من المراقبين يعتبرون المنسوب العام للتجديد أضعف مما كان متوقعا، ولكن مع ذلك فان القادم من الأيام سيختبر نجاعة هذه  الهيكلة.
وفي السياق نفسه، فان المؤشرات الثلاثة ستتعرض للاختبار مع بداية عمل الحكومة، خصوصا أن الممارسة ستنتظم ضمن مقتضيات دستور جديد أعطى للحكومة صلاحيات واسعة، كما منح صلاحيات مهمة وغير مسبوقة للبرلمان وللمعارضة، خصوصا ما يرتبط بتقييم السياسات العمومية والتشريع، وهذا أيضا يفرض على الحكومة الجديدة تغيير المقاربات والعلاقات بما يؤهل عمل مختلف المؤسسات، ويساهم في الانتقال بممارستنا السياسية والمؤسساتية إلى مستوى أكثر نجاعة وحداثة، ويمكن من تنزيل سليم وحقيقي لأحكام الدستور الجديد.
من المؤكد أن ضعف الوجود النسوي في التشكيلة الحكومية يعتبر مؤشرا سلبيا، ويحتاج اليوم، وفي المدى القريب إلى تفكير جدي وعميق، لكن الحكومة مطالبة اليوم بتقديم إشارات قوية وإجراءات ملموسة بشأن تكريس المساواة والنهوض بأوضاع النساء المغربيات وحماية حقوقهن كما هو متعارف عليها دوليا.

[email protected]

Top