المزايدات تقتل

حضي بلاغ المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية الصادر عقب اجتماعه الأسبوعي العادي الأخير ليوم الأربعاء الماضي، باهتمام الكثير من وسائل الإعلام المكتوبة والإلكترونية، لكن اللافت في ذلك أن أوساطا حزبية تعمدت إضفاء قراءة خاصة بها لمضمون البلاغ، وجعلت منه عكازها توجه به الضربات وتقضي به مآرب شعبوية وذاتية أخرى. «يعرب الديوان السياسي عن أسفه البالغ على التمثيلية غير المنصفة للنساء في تشكيلة الحكومة الجديدة، ويدعو أحزاب الأغلبية إلى تدارك هذا الاختلال في أقرب الأوقات…»، هي فقرة من البلاغ المشار إليه، والتي قرأها بعض الفهايمية بأنها تحمل دعوة من الحزب إلى تعديل حكومي، أو أنها انشقاق عن الأغلبية، دون أن  يلتفتوا إلى الفقرة التي سبقتها في البلاغ حيث «يثمن الديوان السياسي المقاربة التشاركية والشفافة التي تم نهجها لإعداد ميثاق الأغلبية والتصريح الحكومي، وكذا هيكلة الحكومة وتشكيلتها»، ولا الفقرة الأخرى حيث «يجدد الديوان السياسي عزمه القوي على توظيف كل طاقاته ومجهوداته الصادقة، لتحويل الأفكار والمشاريع والمقترحات التي سترد في البرنامج الحكومي، إلى واقع ملموس ينعكس إيجابا على المعيش اليومي للمواطنات والمواطنين، وذلك في انسجام تام مع باقي مكونات الأغلبية..»، كما أنهم لم يلتفتوا إلى أخلاقية عرض مواقف الآخرين، وموضوعية قراءتها.
لقد فسر الحزب وقيادته حيثيات وسياقات التمثيلية النسائية الضعيفة في تشكيلة الحكومة، وكذلك فعل رئيس الحكومة وزعماء باقي أحزاب الأغلبية، وكلهم شددوا على عزمهم تصحيح الاختلال في أقرب الأوقات، وكان طبيعيا أن يعيد الحزب التأكيد في بلاغ هيئته القيادية على هذه الإرادة والتشبث بها.
لقد وقعت اختلافات في النظر وفي التقدير السياسي بين التقدم والاشتراكية وبين بعض حلفائه في مراحل سابقة، ولن نقف اليوم عند من كانت مواقفه صحيحة، إنما الأساسي أن الاختلاف لم يمنع من عودة اللقاء عندما تطلب الأمر ذلك، ولم يحل دون تبلور الكتلة الديمقراطية وما تلا ذلك من أحداث ومحطات ومكاسب، وربما المرحلة اليوم تقتضي الوعي نفسه، والتفكير في المستقبل، وتفادي التصويب الخطأ.
الشعبوية والمزايدات الفجة تقتل السياسة وتصيب العقل بالشلل، وتجعل الأحزاب، رغم تاريخها، تنسى أجندتها الذاتية والداخلية، وتفضل تشطيب أبواب الناس بدل الانكباب على المنزل الخاص.
في القلب كثير من الود والمحبة، نأمل ألا تقتلهما قلة الحياء التي تتعرى اليوم في وجوهنا سبابا وكذبا.

[email protected]

Top