راخوي في المغرب

تأتي زيارة رئيس الوزراء الإسباني راخوي إلى المغرب، عقب عودة حزبه «الحزب الشعبي» إلى سدة الحكم إثر فوزه في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 20 نونبر الماضي،  وبذلك تدخل العلاقات المغربية- الإسبانية مرحلة جديدة تحضر فيها أيضا الثوابث والمصالح المتشابكة بين البلدين، والحرص في الضفتين على عدم المس بها. وتعتبر العلاقات التاريخية والثقافية والحضارية الراسخة بين الرباط ومدريد، من أبرز هذه «الثوابت»، كما يمكن اليوم إبراز حسن النية والتصريحات الإيجابية التي جرى التعبير عنها في الأسابيع الأخيرة، خصوصا من جهة الطرف الإسباني،  وهي مؤشرات تدفع نحو التأكيد على عزم الطرفين تطوير علاقاتهما وتجاوز مشكلات بعض الملفات الاقتصادية التي ظهرت مؤخرا.
من جهة ثانية، فإن توقيت الزيارة يحيل على واقع الأزمة الاقتصادية الذي تعيشه إسبانيا، وهو الأمر الذي سيجبر الحزب اليميني الحاكم اليوم على ضرورة الحرص على  تعزيز العلاقات مع  الجار الجنوبي، والمسارعة إلى إيجاد حل لمشكلة اتفاق الصيد البحري، وللعلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، وموضوع الصادرات المغربية…
راخوي مجبر إذن اليوم على تنشيط خط العلاقة مع المغرب كمتنفس للاقتصاد الإسباني، وبما يتيح له ولحزبه الوفاء بوعودهما الانتخابية، التي كانت متمحورة أساسا حول المطالب الاجتماعية والاقتصادية، وهذا المعطى يقود إلى توقع انتعاشة في العلاقات بين الرباط ومدريد، على عكس التجربة السابقة مع حكومة  اليميني الآخر أزنار.
معنى هذا، أن رئيس الوزراء الإسباني سيسعى خلال زيارته إلى الحصول على أكبر عدد من المكاسب لفائدة بلاده واقتصادها وبحارتها ومقاولاتها، ما يحتم على ديبلوماسيتنا أيضا استحضار ذلك، والحرص على بلورة مداخل جديدة للعلاقة مع الجار الشمالي.
إن اسبانيا، وفضلا عن التاريخ والثقافة، تمثل الشريك الاقتصادي الثاني للمغرب، ومن ثم من الضروري اليوم تقوية علاقات اقتصادية ثنائية تخدم مصالح الطرفين، بعيدا عن علاقة المملكة بالاتحاد الأوروبي، خصوصا أن الحزب الشعبي اليوم لديه الرغبة وأيضا المصلحة في ذلك.
لدى المغرب أيضا ملفاته ومصالحه المتعلقة بقطاع الصيد البحري والاستثمارات الأجنبية وبأوراش التنمية الكبرى، فضلا عن قضايا الهجرة والمغاربة المقيمين في إسبانيا، علاوة على القضايا الوطنية والسياسية المعروفة والتي لا يتنازل عليها المغرب والمغاربة، وبالتالي، فإن الديبلوماسية المغربية مدعوة اليوم لاستثمار علاقات البلاد بالجارة إسبانيا لخدمة هذه المصالح والأهداف كذلك.
إسبانيا اليوم تعاني من أزمة اقتصادية واضحة، وجاليتنا المقيمة هناك تتهددها تداعيات سياسة التقشف التي نادى بها راخوي وحزبه، كما أن عددا من الإسبان بدأوا في الوصول إلى المغرب بحثا عن فرصة عمل، زيادة على الهجرة غير الشرعية، وملفات التهريب وتجارة المخدرات والإرهاب، وهي قضايا تفرض أيضا تقوية التعاون في المجالات الأمنية والتنموية والسياسية والإستراتيجية بين البلدين، ومراعاة مصالح الطرفين على قدم المساواة.
هي زيارة تقليدية، لكنها استثنائية في التوقيت وفي الظرفية وفي الأهداف.

[email protected]

Top