بعد تصويت ستراسبورغ

اختار البرلمان الأوروبي أول أمس الخميس تحكيم العقل ومراعاة المصالح المشتركة، حيث صوت بأغلبية مريحة لصالح الاتفاق الجديد للتبادل الحر في المجال الفلاحي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وذلك بالرغم من الحملات المضادة والضغوط التي قام بها المزارعون الاسبان خصوصا وبرلمانيي بلادهم، بالإضافة إلى الأصوات البرلمانية الأوروبية الأخرى المعروفة بمواقفها المناهضة للمغرب ولوحدته الترابية.
إن تصويت برلمان ستراسبورغ، وفضلا عن القيمة التجارية والمالية للاتفاق، يفتح الباب لمرحلة جديدة في العلاقات بين الرباط وبروكسيل من أجل التفاوض حول اتفاق الصيد البحري مثلا، وبالتالي من اجل التأسيس لشراكة متجددة تنبني على ضرورة بلورة فضاء للتعاون الاقتصادي المشترك بين الطرفين لا يكون خاضعا للحسابات السياسية والانتخابوية في بعض الدول الأوروبية، ولا للوبيات الضغط والابتزاز.
المغرب اليوم يجب أن يستثمر التصويت البرلماني الأوروبي، والدعم الذي لقيه من لدن بعض العواصم الأوروبية، وذلك من أجل مناقشة شروط شراكته مع الاتحاد الأوروبي، وحماية مصالحه.
من جهة ثانية، لم تنجح ضغوط خصوم الوحدة الترابية للمملكة، وحملات الانفصاليين أيضا في التأثير على القرار النهائي للبرلمان الأوروبي، وقد جاء التصويت بمثابة صفعة لكل هذه الأوساط، وإذا استحضرنا السياق السياسي الإقليمي والتغيرات الجارية على الصعيدين المغاربي والعربي، فان قرار البرلمان الأوروبي يمثل دعما واضحا للتجربة الديمقراطية المغربية في مجملها، ويعبر عن ثقة في المسار الإصلاحي الذي تخوضه المملكة، وهذا أيضا يفرض الإصرار على مواصلة أوراش الإصلاحات، وتقوية سير البلاد نحو مزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية والتخليق وتكريس دولة القانون والمؤسسات في المجالين السياسي والاقتصادي، وبالتالي تعزيز الصورة التنافسية لبلادنا ضمن محيطها الإقليمي والدولي  الساخن.
وعلى صعيد آخر، فان قرار البرلمان الأوروبي يفرض كذلك تعزيز حرفية الديبلوماسية المغربية وهجوميتها، وأيضا شمولية مقارباتها، فلقد انخرط، بالنسبة لهذه المحطة، المهنيون والقطاع الخاص إلى جانب البرلمانيين ووزارة الفلاحة والبعثة الديبلوماسية المغربية لدى الاتحاد الأوروبي، وهو ما ساهم في إثمار نتيجة ايجابية، وهذه المقاربة يجب اليوم تفعيلها في مختلف الملفات، وبالتالي مباشرة السياسة الخارجية للبلاد بالأدوات والآليات المتداولة اليوم في الديبلوماسية المعاصرة، حيث صار للديبلوماسية الموازية دور أكبر، وأحيانا يكون هو الحاسم، وذلك من خلال الأوساط البرلمانية والحزبية والحقوقية والاقتصادية والثقافية، وأيضا من خلال الفعل والتأثير في المجال الإعلامي.
بقي أن نشير أيضا إلى أن الاتفاق المغربي الأوروبي يفرض، في المقابل، على مصدرينا ومهنيي قطاعنا الفلاحي الحرص على معايير الجودة والسلامة في المنتجات التي نسعى إلى التنافس بواسطتها داخل الأسواق الأوروبية، وبالتالي لا بد من جعل المرحلة الجديدة فرصة أيضا لتأهيل نسيجنا الفلاحي، وقطاع التصدير، ومواصلة التعبئة لإنجاح مختلف مخططات وأوراش النهوض بهذا القطاع المهم في المنظومة الاقتصادية الوطنية.
[email protected]

Top