رواية “على باب الهوى” للروائي الأردني صبحي فحماوي، عبارة عن تصوير دقيق لجولات يقوم بها السارد في بلدان عدة، مركزا فيها على المطارات بشكل خاص، والفضاءات العامة،لأنها تعتبر الوجه الذي يستقبل الزائر عند دخوله إلى أي بلد، وقد يتحدد الموقف من الشخص الزائر والبلد القادم منه من خلال التعامل الذي يحظى به هذا الزائر في مطار الدولة المضيفة، ومن خلال ذلك يمكننا أن نتفرع لتنديد الموقف السياسي من البلد، فالعربي للأسف يحمل همومه معه أينما حل وارتحل ، سحنته دالة عليه، وصفة الإرهاب تطارده أينما حط الرحال، وهذا بالضبط ما برع صبحي فحماوي في إبرازه للقارئ، بأسلوب سلس، وعبارات لا تكاد تشعر بها حتى تسرب لك المعنى العميق إلى دواخلك.
لقد ركز صبحي على السخرية وهو ينقل لنا مغامرات السارد، لكنها تلك السخرية السوداء التي تجعل المرء يبتسم والمرارة تعتصر قلبه، إنه ضحك كالبكاء كما قال الشاعر، يحدث ذلك وأنت تترصد ذينك العربيين اللذين يتم تفتيشهما بشكل دراماتيكي في مطار ميونيخ، فهما متهمان حتى تثبت براءتهما، وفي جولته في المدينة التي يستحضر من خلالها بشكل مستمر الوطن وناسه وأحزانه، أقصد الأحزان القومية وخاصة في فلسطين المنكوبة، وخاصة في مقارنته لما حدث لليهود في السجون النازية بما يمارسونه ضد الفلسطينيين في سجونهم الصغيرة والكبيرة، إذ أنهم أفلحوا في أن يجعلوا من فلسطين سجنا كبيرا بجدارهم المادي والمعنوي، وحصارهم الهمجي الذي جعل مناطق فلسطين جزرا معزولة بعضها عن بعض.
أما عن بحيرة البجع فحدث ولا حرج، هنا لمسة من نوع آخر تؤثثها نساء ذوات قدود مائسة جميلة، بألوان مختلفة تترجم التعايش الذي تحظى به شعوب العالم في هذه المدينة، لكن هذا الأمر لن يدوم طويلا، إذ سرعان ما ينقلب الوضع رأسا على عقب يقول السارد” جو رومانسي ساحر لا تشوبه في عيني سوى صدمتي بمشاهدة ثلاث مداخن عملاق عجيبة الاتساع في قمة الجبل البعيد عن البحيرة، يتصاعد منها بخار أبيض، فأعرف أنها مداخن مفاعل نووي يتوارى في تلك المنطقة..” هذا التحول المفاجئ الرؤية يرد صاحبنا صبحي ردا مكرها إلى دهاليز السياسة من جديد ، فيسرد لنا حينذاك هموم العرب مع السلاح النووي، الذي يحرمهم العالم الغربي من امتلاكه، ويساعد بالمقابل إسرائيل كي تصول وتجول في هذا الميدان وغيره من الميادين.
وتمضي الرواية على هذا النمط، مستثمرة جنس “اليوميات” لتجعل منها متنا روائيا باذخا يستحق كثيرا من الاهتمام، فأقل ما يفوز به القارئ في هذه الرواية ما يميز عموما أدب الرحلة من معلومات قيمة عن بلدان لم يزرها أبدا، وحتى إن زارها فإن رؤيا الكاتب ورؤيته النوعيتين تجعلان من “على باب الهوى” نصا روائيا يستحق الاهتمام والاحتفاء.