هو فنجان من زوبعة وليست زوبعة في فنجان، فنجان يحمل رياح المرارة وأعاصير الألم. قضية الاستعباد المنزلي أو خادمات البيوت التي ظلت عالقة مند سنين بحكم قانون يعاني من فراغ تشريعي. كان من أبرز مظاهر التعارض بين التشريع المغربي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان ومن الحماية الاجتماعية وكذلك مناهضة استغلال الأطفال لتشغيلهم داخل البيوت.
فالمسالة أكثر من التقنين والتشريع ثم التصويت بالإجماع في حضور الأقلية للأسف من أجل المصادقة كما حصل مؤخرا بالمؤسسة التشريعية مع اختفاء حدة نبرة خطاب المعارضة بالرغم من افتعال سجال وضجة. هي قبل كل شيء مسالة كرامة وصيانة الحقوق والرفع اللبس عن الدونية والاعتراف بالأخر وإشعاره بإنسانيته، كأدمي وجعله يتمتع بأبسط الحقوق والتعامل معه سواسية كأسنان المشط، قيمة التواضع وأثرها في لان التواضع آلف النفوس ومغرس المحبة وترسيخ السلام.
هي مسالة ضمائر حية، تنعم بالتفاتة الى هده الشريحة التي طالما عاشت القهر والذل. خادمة تائهة في دروب أشواك الحياة وسجينة في زنزانة إطاعة الأوامر وتنفيذها بأقل من سرعة البرق وكأنها جهاز يجيب فور النقر. لن يعلو صوتها فوق أي صوت ولن يسمع كلامها ولا أنينها وحتى صراخها هكذا يظل صدرها حقيبة ملغومة لا تدري أين ومتى ستفجرها لأنها مضطرة أن تعيش وتتعايش مع ألامها وصمتها بمذاق النقص والتنغيص ثم المرارة. علمها الزمن أن تتقن الصمت وتتحمل وزن النوايا منذ الطفولة. تحارب في صمت شبح الصمت، مشهد من أبشع المشاهد وتعيش في عالم يفرض أقوياءه الصمت. منذ الصغر تتعلم كيف تطعم أنفسها بالألم والإحباط والفشل. عندما تعجز عن المواجهة يصبح صمتها ملاذها لأخذ جرعة الحياة من فنجان واخة مع نفس جديد. تتعب نفسها في إرضاء الآخرين لتجنب سماع النقد منهم، كلامها اليوم ليس لوما أو ردا قاسيا لأنها لا تكتب بحبر القلم بل بدم قلب جريح… فعذرا إن ظهرت بعض دماء الجراح على السطور.
الجميع يستعبدنها ويقسون عليها لمن تشكو ضعف قوتها وقلة حيلتها وهوانها على الناس، بين الكرباج والسوط تشعر أن النظرة فيها استحقار واستصغار هي دائما مطاردة. لكن مرحبة في حقل التجارب الجنسية وممارسة السلطة. ترافقها صخرة تجثم على صدرها، يتململ بركان يريد أن ينفجر. للأسف لن تستطيع أن تفضفض لتطرد وحوش ذكريات التي تنهش أحشاءها.
حتى قسوة القدر لا تحتمل. هناك من صارت فنجان» واخة « في مهدها مطيعة الأوامر، دون أن يكون لها الحق في اللعب .. الضحك. الجنون. الاستماع للموسيقى. الرقص. مشاهدة التلفزيون. إشباع الجوع أو الذهاب إلى الحمام وتنظيف الأسنان واستعمال العطر .الكريما .. طلاء الأظافر ..الحلاقة.الفوطة الصحية… الفراش النظيف
محرومة من طبق أكل جاهز حضرته وقدمته على قدم وساق وفي النهاية تتذوق بقاياه
وتتغدى بلائحة الاهانات الاتهامات التي تلصق بها كانت دائما جاهزة: سارقة، مخادعة، كاذبة ناكرة الجميل. خطافة الرجال …. كل أوساخ الفاجعات الألم والصدمة والندوب الداخلية جعلتها تبحث عن مكنسة تنظف ما بداخلها لتصبح إنسانة من دم ولحم كباقي البشر.
تعيش عدوانا لفظيا مع مستخدميها الذي يعاملهما بقساوة طبقية … تهان دائما على مسمع ومرأى الجميع. يصرخ في وجهها بصوت عال «اجي ا بنت الحرام»، محكوم عليها وعلى أمها بعدم الهوية كاللقطاء من الشوارع. تسب وتشتم وتعاير دون انقطاع… تلك أغنية البئيسة التي تتغنى مرات عديدة في اليوم. وكأن العار يغسل بالأسلوب القمعي، والكيل بمئة مكيال، أليس هذا عنفاً؟ حق النقض أليس عنفاً؟ أليس اضطهادا؟ أليس قسوة؟ . التطرف والإرهاب سببه الظلم والقهر والتهميش هذه حقيقة.
وسط عاصفة من الألم ودموعاً قد تحجرت مُنذ زمن، ظلت كلمة واحده تضوي بين أعماقها إرضاء الظالم وإدخال السرور على نفسه أثناء الظلم حتى تتجنب أذاه. تصل الرغبة في إرضاء الظالم الحد الذي يتجاهل المظلوم رغباته أو حاجاته النفسية كانت أو جسدية أو الاجتماعية فمن كان يشكو من سوء الأحوال … الآن الأحوال أسوء بكثير ولكنها تقول واخا واخا هل من مزيد واخا.
الاستعباد والطغيان طعم الاهانة، تفقر الجسد وتؤدي إلى ذبول الشخصية وضعفها، وتحطيم أغوارها على صخرة الإحباط، تقذف الإنسان إلى أعماق الجبن والتردد والارتباك والخوف من المحاولة والخطأ، والجزع من كلام الآخرين، ويبقي حبيسا في سجن اليأس منعزلا ومنطويا حتى يفجر فوهة تندفع من باطنها شظايا نارية من تفكك الأسر، تفكك المجتمع، تفكك الأديان…
وبطعم القيم نطلق شراع مركب السلام مع أنفسنا على النهر الهادئ من المحبة والمودة يجب أن نحب أنفسنا والآخرين ونعمل معا في الخير. وهكذا يأمرنا ديننا القويم لنتعاون على البر والتقوى وأن تكون لنا قيما عليا ومثلا يحتذي بها وفكرا مستقلا مستنيرا ومبادئ سامية ودينا قويما وخلقا صالحا لنا ونعلمها لمن في رعايتنا ونتقي الله في أنفسنا ورعيتنا ليصلح الله أمرنا وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وحتى يغيروا سلوكهم من تجرع رشفات دماء الخادمات، والتلذذ باضطهادهن. نحن لا نسخر من أقلامنا بل نسخر مدادنا وننتصر لكسر فنجان واخة وننعم بالكرامة للجميع. حتى وإن كنا في شهر رمضان نتغذى جميعا بطبق الفطور نعم الالة من إنتاج القناة التليفزيونية الأولى يكرس المفردات الطبقية. لكن الطبق الرئيسي للمائدة يعد وصفة عدالة. هكذا الحياة درب طويل تتخلله العقبات وعلينا أن نتعثر بهذا الدرب كي نستطيع المشي. لأن عزيمتنا عندما نفتح باباً للألم والحزن والهم والإحباط كي يدخلوا إلى نفسنا، نتصداها بشعار لا للهزيمة ولن نستسلم.
واخا فهمتوني
حسناء شهابي* عضوة اللجنة المركزية
لحزب التقدم والاشتراكية