في كل حدث رياضي هام، عادة ما تسلط الأضواء على نجوم الرياضة، ومعهم المدربين وحتى المسيرين، إلا انه نادرا ما يتم الالتفات لرجال الإعلام الذين يساهمون بنسبة كبيرة في صناعة الحدث، ونقل وقائعه والتعليق عليه وتحليل معطياته وتقديم كل التفاصيل صغيرة كانت أم كبيرة، هذا التهميش تحول إلى قاعدة إلى درجة أصبح من غير المألوف أن يتم الحديث عن صحفي وتجربته وحضوره والتعريف بمساره ومحطاته حياته المهنية.
سعيد زدوق من الأسماء الوازنة في خارطة الإعلام الرياضي الوطني والعربي، حافظ على مسار ثابت ومتميز طيلة أكثر من 35 سنة، كان خلالها علامة فارقة كمعلق ومقدم ومحلل ورئيس قسم، راكم تجربة غنية من خلال تغطيته لأهم الأحداث الدولية، وخاصة دورات الألعاب الأولمبية، ونهائيات كأس العالم وبطولات العالم لألعاب القوى.
وتعتبر دورة ريو دي جانيرو 2016 هي السابعة له، وهو بالمناسبة يحمل رقم قياسي على الصعيد الوطني على مستوى الإعلام المرئي، بعد تغطيته لدورات سيول 1988، برشلونة 1992، أطلانطا 1996، سيدنى 2000، أثينا 2004، لندن 2012.
في طريق العودة إلى المغرب بعد انتهاء فعاليات النسخة الواحدة والثلاثين الأولمبية، حيث اشتغل زدوق ضمن الفريق الموحد لاتحاد إذاعات الدول العربية، وأثناء التواجد بمطار مدينة ريو دي جانيرو، كان لابد من استغلال طول الانتظار، لإجراء حوار خاص مع الزميل زدوق حول حضوره وتجربته الأولمبية، وأخذ وجهة نظره بخصوص معايشته لمشاركات الرياضية المغربية، رغم أننا نعرف مسبقا عدم رغبته في الإفصاح عن كل شيء وتفادي الإحراج، وهذا نابع من طبيعة شخصيته وتقديره للمسؤوليات التي كان يتحملها، خصوصا عندما سألناه عن أسباب هذا الغياب غير المبرر للتلفزيون المغربي عن تغطيته لدورة ريو.
الحوار مع زدوق كان شيقا ومثيرا، ورغم التحفظ الذي سيلاحظه القارئ الكريم، فإن الحوار لم يفقد قيمته، خاصة وأنه شخص يعتبر بحق قيمة في تاريخ الإعلام العربي.
< كصحفي ومعلق تلفزيوني واكب العديد من الدورات الأولمبية بلحظات الفرح والحزن، كيف عشت دورة ريو دي جانيرو؟
> هناك عدة جانبان بدورة ريو يمكن الحديث عنهما. الرياضي والتنظيمي. ففي الجانب الرياضي لا أعتقد أنه بمقدوري تقييم الدورة إلا استنادا على النتائج المسجلة. حقيقة كانت هناك أرقام لا ترقى لمستوى دورة أولمبية، لكن عموما تم تسجيل أرقام قياسية، مع العلم أن مستوى الأنواع الرياضية يختلف من رياضة إلى أخرى. أما الجانب التنظيمي فيمكن عقد مقارنات مع دورات سابقة.
من المفروض أن الألعاب الأولمبية تتطور دورة عن دورة وذلك من خلال حفلي الافتتاح والاختتام والظروف التي يشتغل فيها الصحافيون، وأيضا المعالجة للأخبار وطرق إيصالها للصحافيين والتسهيلات المقدمة لهم. من المهم أن يشعر رجل الإعلام بالارتياح وأن الأطراف المعنية تعمل على تهيئ ظروف العمل، أما الصحفي فلا يرتبط سوى بالجانب المهني في المواكبة والتغطية. في هذه الدورة أعتقد أن الصحفي يجد نفسه ملزما بالقيام ببعض المجهود الإضافي لتهيئ الظروف المختلفة في ريو عن دورة لندن. ربما تشبه نوعا ما دورة أثينا. إجمالا فالمسؤولون عن دورة ريو بذلوا مجهودات لكي تكون دورة في المستوى، لكني لا أعتقد أنها وصلت إلى مستوى دورة لندن.
< يبدو أن أولمبياد ريو نظمت على الطريقة البرازيلية، ما رأيك؟
> صحيح.. لقد تم تنظيم الدورة دون العودة إلى الدورات السابقة. ربما يكون أمرا إيجابيا. فنحن نعي الظروف السياسية والاقتصادية بالبرازيل. وبالتالي فالدخول في منافسة عواقبها قد تكون كارثية على البرازيل، ليس لها أي معنى، في وقت بإمكانهم العمل وفق إمكانياتهم وهذا ما حدث. ونحن نعلم أن بريطانيا قوة اقتصادية عالمية، ولو حاولت البرازيل منافستها، سيكون ذلك غير منطقي. مثلا هناك بعض الأمور البسيطة كالوثائق وأشياء عادة ما تسلم للصحافيين، لم تكن موجود بهذه الدورة.
لا أعتقد أن هناك أي دولة تنظم تظاهرة وتخرج خاسرة. فعندما ترى لحظة الإعلان عن فوزه بلد بشرف تنظيم حدث رياضي كبير، والعناق الحار والفرحة بين المسؤولين. مع العلم أن تنظيم الألعاب الأولمبية تتداخل فيها جميع أجهزة الدولة التي تدرك أن الأولمبياد تساهم في الترويج للسياحة. وأظن أن ريو ربحت التحدي على صعيد عدة مجالات. وهنا لا أتحدث فقط عن الربح المعنوي رغم أنه شيء مهم، بل على الربح المادي أساسا. فلا يمكن تنظيم تظاهرة رياضية كبرى مرة تلو الأخرى دون تحقيق النجاح في الترويج السياحي وإنعاش الاقتصاد.
< تتبعت المشاركة المغربية بأولمبياد ريو دي جانيرو، كيف ترى حصيلة الرياضة المغربية؟
> لكي نقرأ المشاركة المغربية، لا بد من الاعتماد على ما حصل عليه المغرب. عندما تحصد دولة على 25 أو 30 ميدالية أولمبية ثم تحصد 15 ميدالية في الدورة الموالية، فالتقييم يؤكد أنها هناك تراجعا. هذه مسألة منطقية. الأمر يشيه تلميذ يحصل كل سنة على معدل عال (20/17)، وفي سنة يحصل على معدل (20/13) سيقال إن مستواه تراجع، علما أن تلميذا آخر يحصل على معدل مقبول (20/10) قد تقام له حفلة إذا حصل على معدل (20/11).
بالنسبة للمغرب. نحن نعلم أن الأنواع الرياضية التي يمكننا المنافسة فيها على ميداليات. وهي محدودة. وباستثناء ألعاب القوى والملاكمة، فباقي الرياضات لسنا مؤهلين لها أصلا، لأننا لا نملك أطر في المستوى العالي. أنا أتحدث هنا عن رياضات الجمباز والسباحة ورفع الأثقال وفنون الحرب والألعاب التقنية في ألعاب القوى والدراجات والكاياك.
أن تحرز ميدالية نحاسية في وقت كنت تنال الذهب بداية من دورة 1984، علما أننا أحرزنا الفضة بدورة 1960، غير مقبول لأنه عليك أن تحقق نتائج أفضل. شخصيا حضرت دورة 1988 وفزنا بالذهب وفي 1992 كذلك. في 1996 كانت هناك مشاكل. في 2000 حققنا ميداليات. عموما أعتقد أن الحصيلة لم تكن مفاجئة وكانت منتظرة. الآمال كانت معقودة على إيكيدر وربيعي الذي كنت أتمنى أن يحقق أفضل من البرونز بصفته بطلا للعالم. الظفر بنحاسية ليس أمر سهلا. عندما نتحدث عن كوننا نريد المزيد، فلا نحاول التنقيص مما تحقق، لأن ربيعي مثلا مؤهل ليكون أفضل. كان بمقدوره إحراز الذهب.
كما قلت فالحصيلة كانت منتظرة والمؤسف أن البعض بدأ يتحدث عن التحضير لدورة طوكيو 2020 منذ الآن. أعتقد أنه يتوجب أن نبدأ التفكير في تهيئ أطر أو استقدامها من الخارج على أن تتكلف بتكوين أطر من مستوى عال على مدار 15 إلى 20 سنة وليس 4 سنوات. وعلى الدولة أن تستثمر في خرجي المعاهد، لأن لدينا خصاصا في أطر المستوى العالي. عليها أن ترسلهم إلى الخارج للدراسة بعد انتهاء فترة تكوينهم بالمغرب، قبل عودتهم للمغرب للاشتغال مع الفئات الصغرى. خلاصة القول إن العمل يتطلب من 10 سنوات وما فوق، ومن يتحدث عن 4 سنوات فهو كاذب.
< بعد دورة بكين 2008، قيل إن ما ينقص الرياضة المغربية لتحقيق الميداليات الأولمبية هو الإمكانيات المادية، ما تعليقك؟
> ربما هذا من الحسنات، لأنه تم حل مشكل الإمكانيات بعدما كان الكثيرون يعلقون عليها فشلهم. وفي الحقيقة النتائج الإيجابية لا ترتبط بالإمكانيات فقط، فحتى لو رصدنا 100 مليار دولار، فلن نحقق شيئا لأنه لا توجد كفاءات أو مسيرون. وفي طرق التدريب، لو ترى كيف يتدرب اليابانيون -أنا أتابع أخبارهم على مدار سنتين- وهم يحضرون لدورة طوكيو 2020. مثلا استقدموا بطلا أولمبيا في سباق الدراجات يقوم بتحضير الأطفال أقل من 16 سنة. في صيف 2016 لن تجد اليابان في المركز الـ34، بل ضمن الأربعة الأوائل.
< كيف ترى غياب القطب العمومي الممثل في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة عن الوفد المغربي الإعلامي الذي واكب أولمبياد ريو؟
> يصعب علي الحديث عن مؤسسة اشتغلت بها وبدأت فيها مساري المهني. من الصعب أن أقول إن عليهم فعل كذا أو كذا. يجب أن يوجه هذا السؤال للمسؤول عن قطاع الرياضة بالقطب العمومي: لماذا لم يحضروا؟ وما هي مبرراتهم؟ شخصيا لا يمكنني الإجابة بدلا منهم. ليس تهربا من الرد، بل لأنه ليس من حقي ذلك. ومعلوم أن طلبات التغطية الإعلامية لدورة أولمبية يجب أن تراعي إمكانيات المؤسسة الصحفية.
أتذكر أنه خلال تغطيتي لدورة سيول 1988، سألني صحفي أمريكي عن جنسيتي وعدد أفراد وفدنا الصحفي، فأجبته بأننا 10 صحفيين مغاربة، وهذه ليست الحقيقة، إذ كنا 3 صحفيين فقط، مع العلم أن عشرة أفراد يبقى رقما مقبولا في ذاك الوقت، وعندما سألته أنا عن عددهم. أجانبي: “أعتقد أننا ألف”. وأتذكر أن الفرنسيين اشتكوا من عددهم الذي لم يتجاوز 340 فردا.
تغطية الألعاب الأولمبية يجب أن تكون كما فعلت البرازيل في تنظيم دورتها أي وفق الإمكانيات المتاحة.
فمثلا حتى لو كان يتوقع أن يحصد المغرب 8 ميداليات ذهبية، فلن يطلب صحافي بصحيفة ورقية من مدير مؤسستها إرسال 12 فردا. قد يدافع عن إرسال مساعد له. ولنقل إن التغطية لا تتم بمبدأ “افعل كالآخرين”، بل وفق الإمكانيات.
أما بخصوص غياب القطب العمومي عموما عن تغطية الحدث الأولمبي، فالإجابة عن الأسباب يبقى كما قلت من اختصاص مسؤولي هذه المؤسسة الوطنية، وما يمكنني قوله هو أن الأمر كان ممكنا، كما هو الشأن بالنسبة لتلفزيونات باقي الدول العربي، مع العلم أن دورة ريو هي الأخيرة بالنسبة لمسألة الحقوق، التي أصبحت ابتداء من دورة طوكيو القادمة من حق قناة تنتمي لدولة خليجية.
< كثيرة هي الإنجازات التي ارتبطت بصوت سعيد زدوق، هل يمكن أن تحدث عن أبرزها من منطلق ؟
> عندما يغطي الصحافي لحظة تتويج بطل بميدالية، يشعر بأنه جزء من هذا الإنجاز التاريخي، فخلال التعليق ينتابك إحساس غريب.. دموع فرحة وحتى الافتخار. وفي حالة الفشل فأنت تحس أيضا بأنك جزء من حالة الفشل.
في الصحافة المكتوبة تستطيع معالجة الموضوع من وجهة أخرى تشفي غليله وليس بصفة آنية. أما في الإعلام المرئي أو المسموع فانك لا تتحدث عن التفاصيل والأسباب. نحن لا ندخل في ذلك، ليس لأنه من باب الممنوع، فالمقام لا يسمح بالحديث المطول، خاصة أنك كصحفي مهني ملزم بأن تعلق على ما تشاهده وتصف وتنسق ما بين الصوت والصورة. لا يمكنك لحظة الاستماع لنشيد دولة ما أن تتحدث مثلا عن مشاكل جامعة مغربية. فهذا ليس لائقا. وأظن أنه من الجميل أن تعلق على بطل يحرز ميدالية أولمبية أو فريق يتوج بلقب. ويبقى شيئا محزنا أن تعلق مثلا على الفشل، ومن المؤسف أن حالات الفشل بالنسبة للرياضة الوطنية، أصبحت خلال السنوات الأخيرة كثيرة…
< خلال إحدى الحفلات التكريمية، قلت إنك تشفق على هذا الجيل الذي بات مطالبا فقط بمواكبة الإخفاقات والمشاكل، كيف ذلك؟
> بالفعل. لنعد للمقالات التي كتبها الصحفيون خلال تغطيتهم لدورة ريو، ستجد أنها تصب جميعا في أن ما يتحقق من نتائج ليس معقولا، والإسهاب في ذكر الأسباب التي أدت إلى ذلك، ومن المؤكد أن أي صحفي يرغب في كتابة مقال إيجابي. كما يتمنى كتابة عنوان بالبند العريض وبلون أحمر بارز على صدر الصفحة الأولى، يتضمن كلمتي “الذهب المغربي” رفقة صورة للعلم الوطني أو الرياضي البطل. وذلك بعدما تعود على كتابة مقالات نقدية. أي صحفي يطمح لإنجاز صفحة كاملة تتحدث عن إنجاز بطل، وليس عن فضيحة.
الإنجازات تسعد الجميع، كما أن الأخبار المفرحة تساهم في الرفع من قيمة المبيعات، أكثر من سرد الفضائح التي تهتم بها نوعية من الأشخاص الساعية لتحقيق مصالح شخصية. الصحافة الرياضية لا تبحث عن المشاكل. صحيح أنها تبقى مادة مثيرة، لكن قراؤها محدودون. والمغاربة عموما يسعدون برؤية صورة تزين الميداليات أعناق الأبطال وليس العكس.
عندما قلت إني أشفق على هذا الجيل، فلأني أدرك أن الصحفي يحلم بأن يفتخر بحضوره لحظة إحراز بطل مغربي لميدالية أولمبية، بدل الحديث عن الفضائح. الصحفي يطمح إلى إنهاء مسار 35 سنة في الصحافة بذكريات جميلة عن أبطال من ذهب وفضة ونحاس والأرقام القياسية، وليس مسار خال من الميداليات والإنجازات، ومليء فقط بالمشاكل والفضائح وحالات الإخفاق.
حاوره بريو: محمد الروحلي