يعرض خلال هذه الأيام فيلم “البطل” (L’BATAL) في القاعات السينمائية، وهو العمل الأول لعمر لطفي الذي ولج عالم الإخراج بعد تجربة التمثيل في أدوار تلفزيونية وسينمائية.
لم يجد عمر لطفي حرجا في التصريح بكون “البطل” إنتاجا سينمائيا تجاريا، يبتغي من ورائه الترويج لاسمه بين الجمهور في عالم الإخراج، بعد الدعم الذي تلقاه من المنتج نادر الخياط (رضوان)، بدل انتظار المساطر الإدارية للجن الدعم السينمائي.
ويبدو أن الفيلم حقق هدفه بجلب الجمهور إلى قاعات السينما نظرا لحجم الترويج والتسويق الذي حظي به في وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، ثم التوزيع الواسع في المغرب، فضلا عن إسناد بعض الأدوار لممثلين لهم قاعدة جماهيرية في السينما من قبيل الممثل عزيز داداس وماجدولين الإدريسي ورفيق بوبكر وراوية..
لا يعد “البطل” المتلقي منذ المشهد الأول بالعمق، ولا يدعوه إلى التركيز لتتبع تفاصيل الحكاية الفيلمية، لأنه لا يوجد ما هو معقد لمحاولة فهم الأشياء البسيطة التي يناقشها، ذلك أن الجمهور سيكون أمام مجموعة من المشاهد التي سبق واستهلكت في أعمال سينمائية أخرى، كالركوب على الدراجة النارية والقيام بجولة وسط مدينة الدار البيضاء..
وعاينت جريدة بيان اليوم الإقبال الكبير على مشاهدة هذا العمل السينمائي بمدينة الدار البيضاء، من خلال برمجة قاعات السينما مجموعة من الحصص خلال اليوم الواحد، بالمقابل لا تحظى بعض الأعمال السينمائية المغربية الأخرى بنفس القدر من الحصص، بل وتبرمج في أوقات زمنية غير ملائمة للمتلقي.
واختار عمر لطفي الأسلوب الكوميدي لضمان حضور الجمهور لمشاهدة “البطل”، الذي يصور البذخ الذي تعيش عليه الفئة الاجتماعية العليا، مقابل انشغال الفئة الدنيا بأحلام قد تتحقق أو لا تتحقق، كل ذلك بدون أن يعكر صفو الجمهور الذي لا يريد الخروج من منطقة الراحة بمواضيع وأحداث قد تكون قاسية.
وركز العمل السينمائي “البطل”، على الإبهار، إبهار الجمهور بالسيارات الفارهة، والسفر على متن الطائرات الخاصة، والسكن في المنازل الراقية، وارتياد المقاهي والمطاعم والفنادق المصنفة، ناهيك عن جمالية الأزياء والإكسسوارات الثمينة، حيث سيكتشف الجمهور مع توالي الأحداث بأن الأمر يتعلق بعالم العصابات المتخصصة بالاتجار في الآثار.
ومنح منتجو “البطل” حيزا لاستخدام اللغة الأمازيغية، ذلك أن والدة علي (الممثل عمر لطفي) صاحبة عربة لبيع القهوة، كانت لا تتواصل معه إلا بالأمازيغية في البيت والشارع معا.
وتدور أحداث الفيلم، حول بحث علي عن النجومية في السينما، ذلك أنه سيجد نفسه في متاهات نتيجة سوء الإدارة الفنية للسمسار عبد السلام (فهد بنشمسي)، بداية بالفشل في تجربة التمثيل مع الإيطاليين، ثم استغلال سذاجته في أحد الأدوار من قبل أحد كبار التجار في الآثار المهربة (عبد اللطيف شوقي).
ويكشف “البطل” كواليس وخبايا ولوج عالم الفن والتمثيل بالمغرب، منتقدا الممارسات السائدة في السوق الفني، لاسيما على لسان الأستاذ الزروالي (عزيز داداس) الذي له تجربة في المسرح والسينما. فبعدما كان ينتقص من أداء علي فوق الخشبة، لم يتردد في تشجيعه على ولوج العالمية مباشرة بعد توصله بعرض من مخرج سينمائي أمريكي.
وظل الأستاذ الزروالي الموجه الأول لعلي في الشأن الفني والقانوني أيضا، تفاديا للسقوط في شباك السيناريوهات السينمائية اللاأخلاقية، أو استغلال مجهوداته بمقابل مادي هزيل. ولأن العرض الفني الأمريكي كان مغريا، فلم يتردد الأستاذ الزروالي في الانقلاب اللاأخلاقي على الممثل الصاعد علي في أول مناسبة لتعويضه في دور البطولة.
وإذا كانت النجومية هي محرك علي للمشاركة في أي عرض سينمائي أجنبي، فإن التغطية على الخيانة الزوجة لتاجر المخدرات هي من قادته إلى عيش حلم البطولة للحظات، حيث وجد نفسه مطالبا بتمثيل دور خطيب للفتاة الجميلة ابتسام (فرح الفاسي) التي تسكن لوحدها في فيلا فسيحة بطنجة.
واستغلت ابتسام، حسن جمال علي في تسجيل مقاطع مصورة لتضليل متابعيها في وسائط التواصل الاجتماعي، جاذبة الشاب الحالم بتفاصيل جسدها الذي يجري من ورائه تاجر الآثار المهربة، الذي سيخفق في بناء علاقة مع ابتسام كما سيفشل في الاستحواذ على “التحفة” بعد إحباط رجال الأمن لمخططه، وذلك بمساعدة من زوجته حنان (ماجدولين الإدريسي) التي لم تغفر له خطيئة الخيانة.
ومن خلال هذا الفيلم الاستعراضي للفضاءات، والأشخاص، والأجساد، والأثاث، ووسائل النقل، حاول عمر لطفي أن يعالج موضوع الخيانة الزوجية، وتقاسم الحياة الخاصة على الأنترنيت، وتهريب الآثار، ومشاكل القطاع الفني، عبر توظيف تقنية تصوير فيلم داخل فيلم سينمائي.
وإذا كان عمر لطفي قادرا على تحقيق النجاح بفيلم تجاري استهلاكي، هل باستطاعته فعل ذلك في أشكال سينمائية أخرى ليضع اسمه في “الريبيرتوار” السينمائي المغربي بأعمال روائية وازنة؟
يوسف الخيدر