اعتبر الدكتور محمد عياط، مستشار خاص للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، نائب رئيس لجنة معاهدة الأمم المتحدة لحضر الاختفاء القسري، وعضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن هناك جملة من المؤشرات توحي بأن المغرب، شرع في تعبيد الطريق المؤدي إلى الأهداف التي تنشدها معاهدة روما. ومن جملة تلك المؤشرات، في نظره، حرص دستور 2011 على تجريم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهي نفس الجرائم التي تختص بمقاضاتها المحكمة الجنائية الدولية. وقد سبقه إلى ذلك مشروع القانون الجنائي الذي صدر سنة 2007 والذي اقترح تجريم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
وأضاف الدكتور عياط، في حوار أجرته معه بيان اليوم، على هامش مشاركته في ندوة حول «العدالة الجنائية الدولية.. التطورات والتحديات» نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان برواقه بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، مؤخرا، أن العدالة الجنائية الدولية تهدف من خلال متابعة جريمة الإبادة الجماعية إلى حماية الحق الأساسي الذي ترتكز عليه بقية حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة، وأن الأمر لا يتعلق فقط بحق الأفراد في الحياة، بل بحق شعوب وجماعات إنسانية بأكملها، مؤكدا في الوقت نفسه، أن العدالة الجنائية الدولية تسعى إلى حماية حقوق عديدة أخرى مثل الحق في السلامة من التعذيب ومن الاضطهاد ومن الاعتداءات الجسدية والنفسية والجنسية وما إلى ذلك. وفيما يلي نص الحوار.
> الدكتور محمد عياط مرحبا بكم في هذا الحوار. شاركتم مؤخرا في ندوة حول «العدالة الجنائية الدولية..» نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان برواقه بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء؟ ما علاقة موضوع الندوة بحقوق الإنسان؟
< اسمحوا لي أولا، أن أشكركم شخصيا وأشكر جريدتكم « بيان اليوم» على تفضلكم بإجراء هذا الحوار معي، آملا أن تحصل منه الفائدة المرجوة بالنسبة للقراء.
فعلا، الندوة التي دعيت للمشاركة فيها، وشاركت فيها شخصيا المدعية العامة للمحكمة الجنائية السيدة فاتو بنسودة تتعلق ب»العدالة الجنائية الدولية منجزاتها والتحديات التي تواجهها». أما علاقة هذا الموضوع بحقوق الإنسان فإنها واضحة. ذلك أن العدالة الجنائية الدولية تهدف من خلال متابعة جريمة الإبادة الجماعية إلى حماية الحق الأساسي الذي ترتكز عليه بقية حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة. ولا يتعلق الامر فقط بحق الأفراد في الحياة، بل بحق شعوب وجماعات إنسانية بأكملها. كما أنها تسعى إلى حماية حقوق عديدة أخرى مثل الحق في السلامة من التعذيب ومن الاضطهاد ومن الاعتداءات الجسدية والنفسية والجنسية وما إلى ذلك. ولا شك أن كل الأفعال الجرمية التي تدخل في اختصاص المحكمة تعتبر كلها خروقات جسيمة لحقوق الإنسان.
>تم التركيز في الندوة على منجزات المحكمة الجنائية الدولية والتحديات التي تواجهها، فهلا تفضلتم بتنوير قرائنا بخصوص الجرائم التي تختص بها تلك المحكمة؟
< النظام الأساسي لمعاهدة روما هو الذي يحدد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وقد أنشئت بموجب المعاهدة المذكورة التي تم تبنيها في 17 يوليوز 1998 والتي دخلت حيز التطبيق في فاتح يوليوز 2002. أما نوعية الجرائم التي تختص بها المحكمة فهي جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة الاعتداء (الذي يقع بين الدول) (المواد 5 أي 8 مكرر من النظام الأساسي للمحكمة ن، أ). نلاحظ إذن بأن اختصاص المحكمة يطال جرائم خطيرة جدا يذهب ضحيتها عادة مئات وأحيانا آلاف من الأشخاص أغلبهم مدنيون، أي لا يد لهم في النزاعات المسلحة التي تحصدهم حصدا. نضيف إلى ذلك، أن المحكمة لا تتدخل إلا إزاء أشد الجرائم خطورة والتي تكون موضع اهتمام المجتمع الدولي (المادة 1 و5 من ن.أ للمحكمة). والغرض من اشتراط سقف عال لجسامة الجرائم هو تفادي تكدس القضايا أمام المحكمة وتجنب اشتغالها بقضايا هامشية.
> متى وكيف ينعقد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية؟
< ينعقد اختصاص المحكمة على الجرائم المذكورة سالفا:
إذا ارتكبت فوق تراب دولة طرف في المعاهدة أو ارتكبت من طرف أحد مواطنيها (المادة 12 ن.أ.). وهكذا مثلا عندما ارتكبت جرائم من اختصاص المحكمة في أقاليم بعض الدول الافريقية مثل الكونجو الديمقراطية وأوغندا وإفريقيا الوسطى، عمدت تلك الدول العضو في المحكمة إلى إحالة تلك الوضعيات عليها. وهذا الجانب التقني القانوني من وجوه الاختصاص هو ما يفسر لماذا لم تتمكن المحكمة من متابعة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفت وما زالت تقترف في سوريا، لأن سوريا ليست طرفا في معاهدة روما. علاوة على أن مجلس الأمن لم يفلح في إحالة الوضعية السورية على المحكمة.
وعلاوة على ذلك، يحق لأي دولة غير طرف في المعاهدة، أن تصرح بأنها تقبل اختصاص المحكمة مؤقتا بالنسبة بخصوص الجرائم التي ترتكب فوق ترابها أو من طرف أحد رعاياها (المادة 12/ فقرة 2 و3). وهو ما قامت به مثلا دولة كوت ديفوار عندما أحالت رئيسها السابق لوران كباكبو على المحكمة رغم أنها آنذاك لم تكن قد صادقت بعد على معاهدة روما.
ـومن جهة أخرى، يحق لمجلس الأمن أن يحيل على المحكمة وضعيات تتعلق بدول غير طرف في المعاهدة (13/فقرة ب ن.أ.). وهو ما قام به بالنسبة لوضعية دارفور بالسودان ولوضعية ليبيا رغم أن هاتين الدولتين ليستا طرفا في معاهدة روما. أما فيما يتعلق بالاختصاص الزمني، فإن المحكمة تختص فقط بمحاكمة الجرائم التي اقترفت بعد تاريخ إنشائها القانوني والفعلي، مع بدء نفاذ معاهدة روما (أي فاتح يوليوز 2002). فليس بيدها سلطة محاكمة الجرائم التي اقترفت قبل التاريخ المذكور. كما أنها مبدئيا تختص فقط بملاحقة الجرائم التي ارتكبت بعد انضمام الدول لها. وعلى سبيل الإيضاح، إذا انضمت دولة ما إلى معاهدة روما في فاتح يناير 2018 فإن المحكمة غير مختصة بالجرائم التي ارتكبت في كل السنوات التي سبقت 2018. ويستثنى من هذه القاعدة الحالة التي ترضى فيها الدولة المعنية باختصاص رجعي للمحكمة. بيد أن المحكمة في كافة الأحوال تضل غير مختصة بمقاضاة الجرائم التي اقترفت قبل بدء نفاذ معاهدة روما (أي قبل فاتح يوليوز 2002) (المادة 11 ن.أ). وأخيرا فيما يتعلق بالاختصاص الشخصي، لابد من الإشارة إلى أن المحكمة تتابع الأشخاص الذاتيين فقط وأن هِؤلاء لا يتمتعون بأية حصانة أمامها مهما علت رتبهم الرسمية (المادة 27 ن.أ).
> ما هي المبادئ الأساسية التي تحكم النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية؟
< هناك مجموعة من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام المحكمة، يتجلى أهمها في ما يلي:
ـ مبدأ المسؤولية الجنائية الشخصية للأشخاص الطبيعيين عن الجرائم المرتكبة (المادة 25)، وهي مسؤولية تقوم بموجب القانون الدولي أيا كانت مقتضيات القانون الداخلي للدول المعنية.
ـ مبدأ عدم الاعتداد بالصفة الرسمية، ومعنى ذلك سقوط جميع الحصانات الجنائية ولو كان الشخص محل المتابعة يحتل أعلى قمة الهرم في الدولة؛ أي حتى ولو كان رئيس دولة (المادة 27 ن.أ).
ـ عدم اعتبار أوامر الرؤساء سببا من أسباب الإعفاء من المسؤولية. ومن ثم لا يمكن لأحد أن يتملص من مسؤوليته الجنائية بدعوى أنه لم يقم سوى بطاعة الأوامر الموجهة إليه، والتي كان من الواجب عليه الامتثال لها (المادة 28 ن.أ).
ـ مبدأ التكامل بين قضاء المحكمة والقضاء الوطني. ومعنى ذلك أن المحكمة تعتبر مبدئيا مكملة للقضاء الوطني؛ فهي لا تتدخل أصلا إلا عند عجز القضاء الوطني عن المحاكمة أو عدم رغبته جديا في ذلك (المادة 17 ن.أ).
ـ مبدأ المحاكمة العادلة الذي ينطلق من قاعدة البراءة هي الأصل، ويتجلى أثره في معاملة المتهم كمبدأ عام معاملة البريء إلى أن تثبت إدانته (63، 66 و67 ن.أ).
ـ ومن جهة أخرى، نلاحظ بأن المحكمة الجنائية الدولية قد تميزت عن المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة (رواندا ويوغسلافيا السابقة) بأنها اهتمت جيدا بموضوع تعويض الضحايا، وخصصت له حيزا محترما ضمن نظامها وأحكامها، على أن ذلك التعويض لا يتم، ولا يمكن أن يتم لحد الآن مع الأسف، إلا بشكل جزئي ورمزي. وذلك نظرا لارتفاع عدد ضحايا الجرائم الجماعية واعتبارا لضعف الإمكانيات التي تخصصها الدول لتوفير تعويض مادي مناسب عن الأضرار التي لحقت بضحايا الجرائم الجماعية التي تبث المحكمة الجنائية الدولية في وضعياتها (68 و75 ن.أ).
ـ كما نلاحظ بأن نظامها لا يسمح بمعاقبة الأشخاص الذين تدينهم بعقوبة الإعدام. ومن تم فان بمقدورها فقط أن تحكم بالعقوبات السالبة للحرية التي يمكن أن تصل الى السجن المؤبد وبأداء غرامات مالية. وذلك ديدن كل المحاكم الجنائية الدولية والمحاكم ذات الطبيعة المختلطة الوطنية والدولية سواء تلك التي سبقتها أو التي تلتها.
> وما ذا عن شروط الانضمام للمحكمة؟
< الانضمام للمحكمة مفتوح في وجه كافة الدول (وبالمقابل لا يمكن لأي كيان ليست له صفة دولة أن ينضم إليها). وعلى أي، فإن الانضمام إلى معاهدة روما، يعني أن الدولة التي انضمت اليها مقتنعة بضرورة مكافحة الإفلات من العقاب؛ الذي يكاد يكون مع الأسف هو قاعدة عامة بالنسبة للجرائم الخطيرة التي تختص بها المحكمة. ومن هذا المنطلق أيضا، وانسجاما مع أحكام المعاهدة، يجب على الدولة التي تصادق عليها، أن تراجع مقتضيات دستورها وتشريعاتها وتلغي ما يتعارض منها مع التزاماتها بموجب المعاهدة. وعلى رأس كل ذلك، إلغاء كل الحصانات الجنائية التي ينص عليها دستورها وقوانينها في حق كافة الموظفين السامين بما فيهم رئيس الدولة (انسجاما مع مقتضيات المادة 27 ن.أ). وعلاوة على ذلك، فإن انضمام أي دولة إلى معاهدة روما، يعني أن الدولة المعنية تقبل أن تتعاون مع المحكمة وهو تعاون تفرضه عليها بنود المعاهدة التي صادقت عليها. وبما أن اختصاص المحكمة يعتبر تكميليا لاختصاص الدول بمحاكمة نفس الجرائم التي تختص بها المحكمة، فإن على الدول الأطراف أيضا أن تعمل على تنسيق قوانينها مع مقتضيات المعاهدة (مثلا بتجريم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في صلب قوانينها الجنائية وبالحرص على اعتماد إجراءات مسطرية تلتزم بشروط وضمانات المحاكمة العادلة التي تقرها القواعد الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان).
> ما هي التقاطعات أو القواسم المشتركة بين المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية؟
< هناك تقاطعات عديدة بين المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الوطني. وربما يكفي هنا أن أقف عند أهمها. وفي هذا، هناك مسألة هامة يجب التأكيد عليها. ومفادها أن المحكمة الجنائية الدولية لا تنزع اختصاص محاكمة جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب من الدولة المصادقة على المعاهدة. بل إن أولوية القيام بالمحاكمة تقرها المعاهدة لعدالة الدولة الطرف في المعاهدة وليست للمحكمة الجنائية الدولية. وهكذا، فإن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها مبدئيا الحق في أن تتدخل إلا في حالتين: إذا لم تكن الدولة الطرف في المعاهدة راغبة في المحاكمة أو إذا لم تكن قادرة على القيام بها جديا (المادة 17 ن.أ.). فالمحكمة الجنائية الدولية لم تنشأ مبدئيا لتنزع الاختصاص من الدول الأطراف بقدر ما أنشئت لكي تحثهم على استعمال اختصاصهم الوطني لمكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم الخطيرة التي تختص بها.
بيد أنه إذا قررت دولة طرف في المحكمة أن تحيل قضية تدخل في اختصاص المحكمة على قضائها الوطني، فإن عليها (وهذا أيضا وجه من وجوه التقاطع) أن تسهر على البث فيها بجد. وعلى الخصوص، لا يجوز أن يكون الغرض من وضع الدولة الطرف يدها على النازلة هو مساعدة الجناة على الإفلات من العقاب. وإلا فإن المحكمة تسترد اختصاصها وتستعمله مجددا إذا رغبت في ذلك. أما إذا تمت المحاكمة من طرف الدولة في ظروف لا غبار عليها، فإن القرار الذي ينتهي إليه القضاء الوطني يصبح، مبدئيا وبشروط معينة، حائزا لقوة الشيء المقضي به ولا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تتصدى لمحاكمة نفس الأشخاص عن نفس الأفعال الجرمية. وبالمقابل أيضا، فإن مقررات المحكمة تحول، مبدئيا وبشروط معينة، بين أي دولة طرف وبين محاكمة نفس الأشخاص الذين قاضتهم المحكمة الجنائية الدولية عندما يتعلق الأمر بنفس الأفعال الجرمية.
أما عندما تضع المحكمة يدها على وضعية معينة، فإن أهم وجوه التقاطع بين أجهزة المحكمة والقضاء الوطني هو التزام الدولة الطرف بالتعاون مع المحكمة أثناء القيام بأبحاثها. وعلى رأس ذلك إمكانية قيام المدعي العام بتحريات فوق إقليم الدولة المصادقة على المعاهدة. وهو ما يتمخض عن قبول الدولة ببنود المعاهدة. علما بأن هذا القبول يعد ممارسة لسيادة الدولة المعنية وليس نفيا لها. وعلما أيضا بأن التعاون الدولي ليس مسألة جديدة ولا نادرة بالنسبة للدول. إلا أن التعاون مع القضاء الجنائي الدولي له خصوصيات تتطلبها طبيعة الجرائم الدولية الخطيرة جدا. وهذا لا يمنع من أن مسطرة التعاون مع المحكمة التي اعتمدت في صلب نظامها الأساسي حرصت بقدر الإمكان عدم التطاول على سيادة الدول. وقد اثبتت التجربة لحد الآن أن الدول الأطراف في معاهدة روما غالبا ما تتعاون مع المدعي العام للمحكمة ومع قضاة المحكمة. لكنها في حالات نادرة ترفض ذلك التعاون بحيث تضل المفاوضات بشأنه رائجة لمدة طويلة. وغالبا ما تصل تلك المفاوضات في النهاية إلى نتيجة إيجابية. ولكنها أحيانا تقف عند باب مسدود. المثال على ذلك رفض دولة كوت ديفوار تسليم سيمون كباكبو (حرم الرئيس السابق لوران كباكبو) للمحكمة الجنائية الدولية. وقد عللت دولة الكوت ديفوار موقفها هذا بأن قضاءها الوطني أصبح قادرا على أن يقوم بمحاكمة المتهمة بطريقة تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة فلا داعي إذن، في نظر السلطات الإيفوارية، لتدخل المحكمة إعمالا لمبدأ التكامل بين قضاء المحكمة والقضاء الوطني.
كذلك من جملة التقاطعات المهمة بين نشاط المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الوطني، أن تنفيذ العقوبات السالبة للحرية التي تقررها المحكمة يتم بإحدى المؤسسات السجنية التي توجد بدولة من الدول التي تعاقدت مع المحكمة بشأن تنفيذ العقوبات الصادرة عنها.
> كيف تنفذ مقررات المحكمة؟
< يوجد بلاهاي (مقر المحكمة) جناح بأحد السجون الهولندية يستعمل للاحتفاظ بالمتهمين الذين يمثلون أمام المحكمة في حالة اعتقال. والاعتقال المعني ليس سوى اعتقالا احتياطيا في انتظار المحاكمة. لكن ذلك السجن لا يستعمل لتنفيذ عقوبة السجن الصادرة في حق المتهمين الذين أدينوا من طرف المحكمة بعقوبة سالبة للحرية. بل إن هؤلاء المتهمين يحالون على إحدى الدول التي قبلت استقبال الأشخاص المدانين من طرف المحكمة بموجب اتفاق سابق بين الدولة المعنية وبين المحكمة (103 ن.أ). وهي نفس الطريقة التي تم اعتمادها أمام المحكمتين الجنائيتين الدوليتين المؤقتتين لرواندا ويوغوسلافيا السابقة. وهناك أيضا أحكام تصدر عن المحكمة الجنائية الدولية بشأن تعويض ضحايا الجرائم التي تختص بها المحكمة. وفي هذا المعرض يوجد بالمحكمة صندوق خاص بدعم ضحايا الجرائم التي تختص بها المحكمة مهمته الأساسية هي الإشراف على كل ما يتعلق بتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.
>ما هي أهم إنجازات المحكمة لحد الآن؟
< للمحكمة موقع الكتروني يمكن الاطلاع فيه بسهولة على تلك المنجزات (www.icc-cpi.int). نذكر فقط بأن عدد القضايا التي راجت أمام المحكمة (وجزء منها لا زال رائجا) بلغ مجموعه 25 قضية أصدرت فيها المحكمة لحد الآن ثلاثة أحكام بعقوبات حبسية نافذة. وعلاوة على ذلك، هناك 10 تحقيقات رائجة من جملتها تسعة بشأن وضعيات تتعلق بدول افريقية وواحدة كذلك تتعلق بجورجيا. ومن الجدير بالذكر، أن جل هذه الوضعيات ما عدا ثلاثة أحالتها الدولة الطرف المعنية بها على المحكمة. وتلك الدول هي الكونكو الديموقراطية وأوغندا وإفريقيا الوسطى (إحالتان بالنسبة لنفس الدولة) وكوت ديفوار ومالي وجورجيا. أما الحالات الثلاث المتبقية، فإن اثنتين منها أحالها مجلس الأمن على المحكمة وتتعلقان بليبيا وبدارفور بالسودان. أما الحالة المتبقية فإنها تخص كينيا وهي الحالة الوحيدة التي بدأت بمبادرة من المدعي العام السابق مورينو أوكامبو ووافق قضاة المحكمة على فتح تحقيق فيها. وقد أضيفت مؤخرا للحالات المشار إليها سلفا وضعية البوروندي.
فضلا عن ذلك، هناك لحد الآن 10 حالات تقوم فيها المدعية العامة تلقائيا ببحث أولي قبل إمكانية عرض الوضعية على قضاة المحكمة لتطلب منهم إعطاءها الإذن للقيام بتحقيق. وتتعلق بعض تلك الحالات بوضعيات على جانب كبير من الحساسية على المستوى الدولي وعلى رأسها الجرائم التي ارتكبت في العراق وفي فلسطين وأفغانستان. ومن جملتها أيضا وضعية كولومبيا والفلبين وفنزويلا وأكرانيا وجمهورية كوريا والهندوراس.
ومن جملة أهم إنجازات المحكمة يمكن ذكر دورها في دعم المجهودات المبذولة محليا ودوليا لمكافحة ارتكاب المجازر الجماعية. كما يمكن الإشارة إلى أنها شجعت الدول الأطراف في معاهدة روما وغيرها من الدول بأن تعدل قوانينها لكي تجرم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
> ما هي أهم التحديات التي تواجهها المحكمة؟
< التحدي الأساسي للمحكمة، هو أنها مع الأسف لحد الآن، لم ترق إلى مرتبة العالمية، universalité بمعنى أن عددا مهما من الدول لم تصادق بعد على معاهدة روما. عدد الدول المصادقة عليه لحد الآن هو 124 في حين أن المنظومة الدولية التي تتكون منها الأمم المتحدة تحتوي على 194 دولة. والأدهى والأمر من ذلك، أن بعض تلك الدول تعتبر على رأس قائمة الدول العظمى، وأن ثلاثة منها عضو في مجلس الأمن الذي يمكنه أن يحيل وضعيات على المحكمة حتى بالنسبة للدول التي لم تصادق على معاهدة روما. والمقصود بتلك الدول الولايات المتحدة والصين وروسيا. كما أن بعض الدول التي لم تصادق على معاهدة روما، تعد من جملة البلدان التي تعرف كثافة سكانية جد مرتفعة مثل الصين والهند واندونيسيا وإيران وغيرهم. وهذا يعني أن جزءا مهما من ساكنة العالم لا زال مبدئيا غير معني بمعاهدة روما. ومن الطبيعي أن يكون لهذه الوضعية وقع سلبي على الصورة التي ينظر بها للمحكمة بصرف النظر عن كون هذا التصور صحيح أو خاطئ عادل أو مجحف. وهكذا يمكن القول بأن المحكمة الجنائية الدولية تعاني من التناقضات العديدة التي يعرفها النظام الدولي الراهن فهي ضحية قبل أن تكون مذنبة.
وهناك تحد آخر يتمثل في أن المحكمة تبدو وكأنها تحرص فقط على متابعة الجرائم التي تقترف من طرف مواطني الدول الضعيفة وخاصة الدول الافريقية نظرا لكون أغلب القضايا الرائجة أمامها تتعلق بجرائم ارتكبت في إفريقيا كما أن المتهمين فيها هم أفارقة. والواقع أن تلك القضايا أحيلت على المحكمة من طرف الدول الإفريقية نفسها لأنها عجزت عن ملاحقتها أمام قضائها الوطني. وكيف يعقل مع هذا الوضع أن تحتج نفس الدول الإفريقية التي أحالت وضعياتها عن طواعية واختيار على المحكمة بأن هذه الأخيرة لا تتابع سوى في قضاياهم؟ ويجب الاعتراف بأن مكتب المدعية العامة يحاول في الوقت الراهن أن يبدد هذا الانطباع السلبي عن طريق فتحه تلقائيا لتحريات أولية حول وضعيات تتعلق بدول غير افريقية كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن منجزات المحكمة.
في هذا الإطار، يمكن أن أضيف بأن العدالة الجنائية الدولية كانت ولا تزال حلما غاليا لدى الحقوقيين الذين يؤمنون بقيم العدل والإنصاف ولدى المناضلين من أجل احترام وتنمية حقوق الانسان. لكن الطريق إلى تحقيق ذلك الحلم، تبدو شائكة ومليئة بالمعوقات. والساذج من كان يتوقع عكس ذلك. وهنا ينبغي أيضا ألا ننسى بأن العدالة الجنائية الدولية لا زالت فتية وفي بداية مسيرتها. وعسى أن يأتي المستقبل بما هو أفضل في سبيل تحقيق عدالة دولية ووطنية تحترم مبدأ مساواة الجميع أمام القانون.
هل تعتقد أن على المغرب أن يصادق على معاهدة روما ليصبح عضوا في المحكمة الجنائية الدولية؟
< مبدئيا، هناك جملة من المؤشرات توحي بأن بلدنا شرع في تعبيد الطريق المؤدي إلى الأهداف التي تنشدها معاهدة روما. ومن جملة تلك المؤشرات حرص دستور 2011 على تجريم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وهي نفس الجرائم التي تختص بمقاضاتها المحكمة الجنائية الدولية. وقد سبقه إلى ذلك مشروع القانون الجنائي الذي صدر سنة 2007 والذي اقترح تجريم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. ولا يفوتنا أيضا أن نذكر بأن المغرب قد صادق منذ فترة طويلة على معاهدة زجر ومكافحة جريمة الإبادة الجماعية (بتاريخ 24 أكتوبر 1958) وعلى معاهدات جنيف الأربعة. هذا علاوة على البروتوكولين الإضافيين لنفس المعاهدات وكذا على عدد من المواثيق المهمة المتعلقة بحقوق الإنسان التي تصب في نفس الاتجاه. ومن جملتها مثلا اتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقية المتعلقة بحظر الاختفاء القسري. وعلى أي، فإن إقدام أي دولة على المصادقة على نظام روما يعني أن تلك الدولة تفرد عناية خاصة لحماية البشر، ومن جملتهم طبعا مواطنيها، من غائلة الجرائم الدولية الفظيعة ومن بطش مرتكبيها. ولا شك أن هذا الهدف النبيل يستحق الحرص عليه والنهوض به. أمام المعطيات السالفة الذكر، لا يسعنا من حيث المبدأ إلا أن نشجع بلدنا على الانضمام إلى معاهدة روما. ومع ذلك ليس خافيا على أحد أن المصادقة على ميثاق دولي من حجم معاهدة روما ينبغي أن ينبع من اختيار وطني مدروس بدقة وعناية وأن يأخذ بعين الاعتبار تطورات الساحة الدولية وتقاطعاتها مع مصالحنا الوطنية وهي مسألة مشروعة في حد ذاتها. ثم إن هذا الاختيار يعد ممارسة للسيادة الوطنية في أعلى مستوياتها. ومن ثم يجب علاوة على تدارسه بشكل مكثف أن تهيأ له الأرضية المناسبة ليتم في أحسن الظروف.
حاوره: حسن عربي