لو لم يظهر فيلم مثل «حنا ك» للمخرج الفرنسي كوستا غافراس عام 1983، لما عرفنا الممثل الفلسطيني محمد بكري، ولكن بكري المولود في قرية البعنة بالجليل داخل فلسطين المحتلة، برز حضوره أكثر على الساحة العالمية بعد قيامه بدور البطولة في الفيلم الإسرائيلي «وراء القضبان» عام 1984 الذي أخرجه اليهودي الإسرائيلي «من السفارديين» أوري بارباش، وهو الفيلم الذي رشح لجائزة أحسن فيلم أجنبي في مسابقة «الأوسكار».
قبل ذلك كان محمد بكري الذي درس في جامعة تل أبيب، يقوم بأدوار متعددة في المسرح المحلي، لا يشعر به أحد في العالم العربي أو خارجه.
وقبل ظهور الفيلم الإسرائيلي «أفانتي بوبلو» (1986) الذي ينتقد ويسخر من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لم يكن أحد يعرف شيئا عن الممثل الفلسطيني الموهوب سليم ضو، كما لم يكن أحد يعرف شيئا عن يوسف أبو وردة قبل مشاركته في الفيلم الإسرائيلي الذي ذاع صيته عالميا «رفاق السفر» (1983). وهذه الأفلام كلها تندرج ضمن الموجة النقدية في السينما الإسرائيلية، إنها ليست بالقطع، أفلاما «ثورية» مناهضة للصهيونية أو لوجود إسرائيل نفسها، لكنها على الأقل، تكشف وتدين السياسات الإسرائيلية، وتبدي قدرا كبيرا من التوازن في نظرتها إلى «الآخر» الفلسطيني، فليس من المنطقي أن ننتظر أن يصنع لنا الإسرائيليون أفلامنا «الثورية الفلسطينية» فهذه مهمة السينمائيين الفلسطينيين أنفسهم.
مضى بكري ليشق طريقه إلى العالمية من خلال العشرات من الأفلام التي أخرجها إسرائيليون، معظمهم يعترفون بحقوق الفلسطينيين، ولكن بكري لم يسلم مع رفاقه، من الاتهام بالتطبيع، كما لم ينج من الاتهامات الصهيونية له بتشويه صورة إسرائيل، كما منعت فيلمه «جنين» الذي يكشف المجزرة الإسرائيلية في المخيم.
وعندما ذهب بكري مؤخرا إلى بيروت، أدلى بتصريحات اعتبرتها السلطات الإسرائيلية «معادية لإسرائيل» وطالبت بمحاكمته، ولكن كان من المؤسف أيضا أن بعض «المتشنجين» الفلسطينيين والعرب، وجهوا له التهمة الجاهزة «التطبيع»!
أثبتت أجيال عديدة من الممثلين الفلسطينيين العاملين داخل فلسطين المحتلة، أنهم يتمتعون بمواهب بارزة في التمثيل، عبر مشاركتهم في الكثير من الأفلام الإسرائيلية، أو في أفلام يخرجها وينتجها الفلسطينيون في الداخل، وهناك العشرات من الأمثلة على هذه المواهب الفلسطينية أمثال: سليم ضو، يوسف أبو وردة، سهيل حداد، هشام سليمان، بسام زعمط، ميساء عبد الهادي، سامي سمير، حوني عربيد، هيام عباس، فيكتور قمر، غسان عباس، سمر قبطي، سلوى نقارة ومريم أبو خالد.
ما الموقف الذي يجب اتخاذه إزاء هؤلاء؟ هل نطالبهم بالامتناع عن العمل في الأفلام الإسرائيلية أو الفلسطينية التي تنتج داخل إسرائيل؟ وهل في حالة استمرارهم في العمل، ندينهم بالتهمة الشهيرة التي أصبحت سيفا مسلطا على رقاب الكثيرين حاليا، أي «التطبيع»؟
من حق الممثل الفلسطيني أن يعمل وأن يكتسب الخبرات طالما أنه لا يخون قضيته، ولا يكرّس فنه وموهبته في الترويج بأي شكل للسياسة العنصرية الصهيونية أو تبرير استيلائها على الأرض الفلسطينية، وبالتالي تبرير ممارساتها القمعية بأي شكل من الأشكال.
إن الخبرات التي يكتسبها الممثلون الفلسطينيون، الذين لا مجال أمامهم، داخل الأرض المحتلة، سوى القبول بالعمل في الأفلام الإسرائيلية والأفلام الفلسطينية التي حصلت على دعم، إثباتا لمواهبهم وإمكانياتهم، هذه المواهب يمكنها أن تجد طريقها ذات يوم، لتقديم إبداعاتها الفنية «الفلسطينية» الخالصة المتميزة، وهو التطوّر الذي أصبح الآن – لحسن الحظ – أمرا واقعا مع بروز موجة جديدة من الأفلام الفلسطينية من الداخل الفلسطيني.
ينبغي الاعتراف أيضا بأن مشاركة الممثلين الفلسطينيين في بعض الأفلام الإسرائيلية، يمكن أن تساهم في تطوير الأفكار التي تتردّد في هذه الأفلام، ولعل فيلم مثل «مفرق 48» الذي أخرجه الإسرائيلي المناهض للصهيونية أودي أللون بالتعاون مع الفنان الفلسطيني تامر نفار، خير دليل على هذا.
*كاتب وناقد سينمائي مصري
> بقلم: أمير العمري*