أبرز مشاركون في ورشة بالرباط، نظمت مؤخرا في إطار الندوة الدولية حول موضوع: “دور البرلمانات والمجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة لها في إفريقيا إزاء التحديات الجديدة للهجرة”، تبعات التغيرات المناخية بالقارة الإفريقية على قضية الهجرة.
وشدد المشاركون في الجلسة الثانية حول “الهجرة والبيئة”، على أن اطراد التغيرات المناخية الفجائية ينتج انعكاسات متعددة ومتشعبة بشأن الهجرة بالقارة الإفريقية، مشيرين إلى أن ” أعدادا مهمة من ساكنة إفريقيا مرغمون على الهجرة لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية ومناخية، وحتى عرقية”.
وأمام “تطرف” المناخ، اعتبر رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في البنين، تابي غيبيان، في كلمة بالمناسبة، أن العلاقة السببية بين الهجرة والبيئة “بادية للعيان، بالنظر لتأثير الثاني على الأول وتأثره به”، مؤكدا أن حلحلة قضية الهجرة تتجاوز طاقات الدول.
وأكد غيبيان مسلمة تدهور القطاع الفلاحي بالتغيرات المناخية، وانعكاساتها على المحاصيل الزراعية، في قارة تتأسس اقتصادياتها في جزء كبير منها على هذا القطاع الحيوي، لما له من تبعات إيجابية على المعيش اليومي للمواطن الإفريقي ومن شأنها ضمان استقراره في بلده وعدم تغليبه لخيار الهجرة، داعيا إلى صياغة اقتراحات ملموسة، ” عبر تحليل الواقع الراهن، وإرساء إطار قانوني ومؤسساتي وسياسي ملائم بغية الاستثمار في الأراضي الفلاحية”.
كما دعا المسؤول البينيني، بالإضافة إلى ذلك، إلى تنمية تدبير منظومة فلاحية تتوسل بالأنظمة الحديثة من قبيل الري الحديث، واللجوء إلى منظومة إنذار حديثة لمواجهة التغيرات المناخية الفجائية، مشيرا إلى أن التحديات التي تؤثر سلبا على البيئة، وامتداداتها على قضية الهجرة، تقتضي “إرساء سياسة بيئية فضلى، وتنمية مسؤولة تأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي بكل مكوناته، لاسيما الثروات الغابوية، والتربة، وصياغة استراتيجية مستدامة تحمي البيئة وتحافظ عليها، وكذا حفز المبادرات المحلية التي تعد عاملا في غاية الأهمية لإشراك الساكنة”.
من جانبه ألقى مدير مرصد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالسنغال، ماكوبي كومي، الضوء على تقاطعات التغيرات المناخية بالهجرة، داعيا إلى التملك المفاهيمي لمفاهيم من قبيل اللاجئ الإيكولوجي، والهجرة المناخية بغية فهم أعمق للظاهرة التي تستلزم إعمال العدة البيداغوجية والأكاديمية.
وأكد كومي أن التلازم بين الهجرة والبيئة ولج ، أواسط السبعينيات من القرن الماضي، الأجندة العالمية من خلال برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وبلغ مداه عبر إعلان ستوكهولم سنة 1972، وتبنت منظمة الأمم المتحدة فعليا سنة 1985 مفهوم اللاجئ البيئي، ودور تدهور المناخ في تنقل الساكنة وترحالها، مستشهدا بتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي جعل التغيرات المناخية السبب الرئيس للهجرة التي تعرفها بلدان عديدة من المعمور.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد إدريس الكراوي، الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن من أهم مخرجات هذه الندوة الدولية هو إلقاء الضوء على المكانة التي تحتلها الهجرات المناخية في تدفقات الهجرة بالعالم، مستعرضا الأرقام التي ساقتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها الذي قدر بلوغ عدد المهاجرين جراء التغيرات المناخية 85 مليون مهاجر في أفق 2050.
وقال الكراوي إن إفريقيا “ستكون القارة الأكثر تأثرا، وستشهد ارتفاعا في تعداد المهاجرين الإيكولوجيين، وسينتقل العدد من 20 مليون مهاجر إيكولوجي في الوقت الراهن إلى الضعف”، مضيفا أن من ضمن البلدان العشرة التي ستتأثر بالتغيرات المناخية، ستة من إفريقيا، وسيتأثر جزء مهم من الساحل الإفريقي بهذه الانعكاسات المحتملة، والإشكالات المتصلة من قبيل تنقل الساكنة، واللاأمن الغذائي، وإزالة الغابات والتصحر، واللاأمن.
وذكر المسؤول في هذا الصدد بسياسة صاحب الحلالة الملك محمد السادس في ما يتصل بالتغيرات المناخية، من خلال قمة المناخ كوب 22 التي احتضنتها مراكش، والتي “جعلت قضية المناخ في قلب الرهانات الإفريقية”، مشيرا إلى الاستراتيجيات الثلاث التي صاغتها المملكة في هذا الباب، من قبيل المبادرة المغربية الرامية إلى تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية بغية ضمان الأمن الغذائي للقارة، والاستراتيجية التي تمت صياغتها مع السنغال التي تحمل شعار “أمن واستقرار ودعم”، وكذا المشروع المغربي “الماء من أجل إفريقيا” بدعم من البنك الإفريقي للتنمية، ومؤكدا أن الرهانات المناخية ستصبح مستقبلا ” الرهانات المحددة والحاسمة لقضية الهجرة”.
وشكلت هذه الندوة الدولية التي نظمها مجلس النواب والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، واتحاد المجالس الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات المماثلة لها بإفريقيا، مناسبة للإسهام في النقاش الدولي بشأن قضايا الهجرة. كما مثلت منصة قارية سانحة للتداول في الموضوع بين مؤسسات الديمقراطية التمثيلية والتشاركية، وذلك في أفق احتضان مدينة مراكش، في شهر دجنبر 2018، “المنتدى العالمي للهجرة والتنمية” الذي سينظم تحت إشراف الأمم المتحدة و”المؤتمر الدولي لاعتماد الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية”.
ووضع المنظمون من بين أهداف هذه الندوة الدولية كذلك، تدارس سياسات التعاون التي توفق بين المساهمة في دينامية النمو وضمان حقوق المهاجرين، خاصة ما يتعلق بالولوج إلى الخدمات الاجتماعية، والأمن، والحماية الاجتماعية مع ضبط أفضل لحركية الهجرة، ومواكبة الرؤية الرائدة والطموحة للمغرب في معالجة مسألة الهجرة بالقارة الإفريقية، بأبعادها الإنسانية والتنموية والتضامنية لفائدة مواطنيها وشعوبها.
وعرفت هذه الندوة مشاركة مسؤولين حكوميين، وبرلمانيين، وممثلين عن المجالس الاقتصادية والاجتماعية الإفريقية والأوروبية والمنظمات البرلمانية الإفريقية الجهوية، ومنظمات دولية، ومنظمات غير حكومية، فضلا عن خبراء مختصين في قضايا الهجرة.
“تطرف” المناخ يفاقم قضية الهجرة في القارة الأفريقية
الوسوم