يطيب لي أن أقف أمامكم هذا اليوم، في محطة مفصلية من تاريخ نقابتنا العتيدة ومن تاريخ العمل النقابي الفني المغربي، محطة تزاوج ما بين توسع الطموح، وانفتاح آفاق جديدة، واعتزاز بماض يتجدد باستمرار… وإذا اخترنا لهذه المحطة شعار «ربع قرن من الفعل.. ونستمر..»، فلكي نركز في أذهاننا نحن الفنانين أن الحاضر لا ينبغي أن ينسلخ من ماض قرر فيه الفنانون المغاربة أن يلجوا خضم العمل النقابي، بكل ما تحمله كلمة نقابي من حمولات واقعية ونضالية وإصرار، قد تبدو لدى البعض غير ملائمة لعمل إبداعي ما إن يذكر حتى تتداعى كل عبارات الحلم و الطوباوية.
لقد كان ذلك بفعل إصرار نساء ورجال لهم علينا أياد بيضاء في إقناع ذواتنا الحالمة، التواقة إلى صنع الجمال بأن الإبداع عمل، وشغل، وجهد جسدي وفكري، وبأن مفهوم العمل والفن لا يتعارضان، وبأن الفنان في خصوصيته وحميميته وفرادته وأحلامه، كائن حي وجزء لا يتجزأ من المجتمع. له عليه حقوق وعليه إزاءه واجبات. فبفضل هؤلاء النساء والرجال، تحقق الانتقال التدريجي من وضع الصرار إلى وضع النملة كما ذهب إلى ذلك عالم اجتماع فرنسي استنادا إلى حكاية لافونتين الشهيرة.
أيتها السيدات أيها السادة، ينعقد مؤتمرنا أيضا في وقت تحققت فيه مكاسب لا يستهان بها لصالح الفن والثقافة المغربيتين، ولكن لازال أمامنا الكثير أيضا من العمل. تحقق جزء مما نصبو إليه جميعا من تألق مشرق للفنانين المهنيين المغاربة في المنتديات والمحافل العربية والدولية، وأصبح الفن المغربي يحتل مكانة مهمة كقوة ثقافية صاعدة عربيا وإفريقا ودوليا، وذلك بفعل الإصرار والعمل الدؤوب الذي أطلق شرارته روادُنا من الفنانين الكبار، وحمله بعدهم شبابُنا التواق إلى الاستمرارية والتجديد والتألق، حتى أضحى الفن المغربي مثالا في التنوع والتعدد والاختلاف الخلاق.
لذا، يبدو لنا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن العمل النقابي الفني في المغرب المتنوع والمتعدد ثقافيا ولغويا، يملك كل فرص النمو والفاعلية وتجاوز كل المطبات سواء ارتبطت بصراع الأجيال أو التيارات أو الخيارات الجمالية أو الفوارق المجالية، لأن ثمة قيمةً من أهم شروط فاعلية العمل النقابي الفني وحسانته في نفس الوقت، هي أنه مجال للتلاقي والتعاضد والتكافل دفاعا عن الشروط المادية والاقتصادية لاستمرارية إشعاع الفن وفاعليته في المجتمع. استمرارية وفاعلية تأخذ بعين الاعتبار تنافسيةَ المبدعين وتنوعَهم واختلافهَم لكونهم في نهاية المطاف فنانين يلتقون في حب المهنة وملتزمين بدور اجتماعي كنخبة تساهم بشكل كبير في تأطير المجتمع والتأثير في توجهاته.
لذا، علينا اليوم جميعا، كفنانين ومبدعين وأيضا كمناضلين، أن نعي جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه بعضنا البعض، وتجاه مجتمع يكن لنا كل التقدير، ويشملنا بكل الاهتمام والمتابعة، ويفتخر لنجاحاتنا كما يتحسر لإخفاقاتنا. مجتمع يحتاج منا أيضا مزيدا من الانخراط في قضاياه وهمومه وانشغالاته… لأنه يشكل لنا السند وينبغي أن نكون له العضد.
أيها السادة والسيدات
سنجد أنفسنا خلال هذا المؤتمر أما أسئلة راهنة، علينا الإجابة عليها بشكل خلاق وفعال. وهي أسئلة لا تنفصل عن الرهانات والتحديات المطروحة في النقاش المجتمعي الدائر اليوم في بلادنا… علينا أن نفكر جميعا أن الفن والثقافة جزء لا يتجزأ من رهانات التنمية الشاملة، وعلينا أن نقتع بذلك وأن نُقنع… ذلك ما يستوجب بالضرورة إحداث القطيعة مع رؤية تحصر الفن والثقافة في عداد الترف، وأن نناضل جميعا من أجل الدفاع عن الثقافة كجزء لا يتجزء من التنمية المستدامة إلى جانب الركائز الاقتصادية والاجتماعية والبيئية… ومن هنا يمكن أن يصبح لنضالنا مرامٍ وأهدافٌ بقدرما تخدم التنمية، بقدرما تضمن العيشَ الكريمَ لكل ممتهني هذه الفنون النبيلة.
كما يتعين على الفاعلين الحكوميين والجماعات الترابية والخواص المرتبطين كليا أو جزئيا بقطاعنا المهني، أن يتمثلوا أن الهدف الأساس والأسمى من العناية بالثقافة والفنون هو أن يحضى المواطنون المغاربة بحق الولوج إلى خدمات ثقافية متكافئة ومتوازنة. وهو الأمر نفسُه الذي يجعل من الثقافة والفنون مجالا يساهم في تنشيط الاقتصاد.
سيكون لزاما أيضا أن نتداول، في هذا المؤتمر، العديد من القضايا التي تهم مهننا وحياتنا الداخلية وعلاقاتنا الشغلية. وسيكون المؤتمر كذلك مناسبةً لتقييم عمل النقابة واستشراف آفاققها المستقبيلة. وفي هذا الصدد سيشكل مشروعُ الوثيقة التوجيهية المعروضُ في هذا المؤتمر بعد مصادقة المؤتمرين عليه، خارطةَ طريق ومنهاجَ عمل لنقابتنا في المرحلة المقبلة وقاعدةً أساسية لعملها النضالي والترافعي.
في كلمة رئيس النقابة في الجلسة الافتتاحية
الوسوم