تشارك حاليا الفنانة التشكيلية بهيجة عبد العالي الشرقاوي بجديد أعمالها الفنية في معرض جماعي يضم أزيد من خمسين فنانة وفنان من مختلف مدن المغرب . المعرض تنظمه جمعية الفن بلا حدود بشراكة مع مؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء ، واختارت له عنوانا عميقا من حيث الدلالات الفنية والرؤى الجمالية ” انسجام ” ، ويحتضنه رواق مسجد الحسن الثاني . حفل افتتاح المعرض عرف حضور عدة فعاليات من عالم الفن ، والنقد الجمالي ، والاعلام ، ومهتمين بالفن التشكيلي الراقي والجميل ، حيث لقيت أعمال هذه الفنانة الموهوبة التي أتت الى عوالم التشكيل من باب التكوين الذاتي والبحث المستمر والدؤوب ، استحسان الكل ، وتنبأوا لها بمستقبل واعد ومسيرة موفقة على اعتبار أن الفنانة بهيجة عبد العالي تشتغل على مشروع فني متجدد ، متنوع ، ومواكب للتجارب والحركات التشكيلية بالمغرب وخارجه .
ضمن المسارات الاختلافية داخل خرائطية الابداع التشكيلي المعاصر بالمغرب ، تطالعنا تجربة الفنانة المبدعة بهيجة عبد العالي الشرقاوي ، والتي تعتبر من الحساسية الجديدة على مستوى التشكيل الفني الحداثي بكل مغامراته الصباغية . ، فقد روضت هذه الفنانة العصامية الموهوبة الألوان بسلاسة، وحولتها إلى بنيات حركية وأشكال تجريدية، موظفة التقنية المختلطة على مستوى المعالجة الصباغية :معالجة تزاوج بين تلقائية الإنجاز وصرامة الإعداد .
و الفنانة التشكيلية بهيجة عبد العالي فنانة متعددة في طرائقها الفنية ، حيث تشتغل وفق مشروع جمالي متناهي في الدقة والوصف ، و تعتبر من الفنانات التي تدافع عن المرأة كوجود قوي وحاضر في المجتمع ، والأبعد أن المرأة حاضرة في لوحاتها من خلال تجسيد معاناتها سواء تلك المتعلقة بالاضطهاد والقهر والاحتقار ، أو تلك المتعلقة بسمو الذات والرفعة والتحدي ، مؤكدة في ذات الوقت من خلال لوحاتها الرائعة بحق أن المرأة هي المجتمع ، هي ذواتنا ومستقبلنا الراقي والحضاري … بهيجة الى جانب حضور المرأة في لوحاتها وفي دواخلها الجمالية … تحمل مشروعا موازيا تدافع عنه بقوة وباستماتة ، ذلك المشروع البيئي التي تستمر في تحقيقه رغما عن أعداء الطبيعة والبيئة السليمة… اضافة الى حضور الفن الروحاني في لوحاتها الجميلة . لقد ظلت الفنانة بهيجة، ترى أمالتها في الذهاب إلى الماضي بروحانياته، مضيفة معنى آخر لا يتنافى على الإطلاق مع الانتماء الديني أو الاجتماعي ولمكوناتها تفسيراً يتحدد ويتضح في ضوئه الموقف و الرؤية الفلسفية ،فلقد سيطر الفن الروحاني على جزء كبير من ابداعات الفنانة بهيجة وعلى ما أنتجه فكرها و أبدعته يدها الماهرة ، التي خدمت طبيعة المجتمع واستجابت لعنصري الزمان و المكان. إن القيمة الإبداعية لأعمالها الجمالية لا تأتي من عدم بل من فيض الذات الجوهرية ، لذلك ذهب الكثير من النقاد والمهتمين بالفن التشكيلي الى أن لوحاتها الفنية تتميز برؤية صوفية لما تحمله هذه الرؤية من مكنون عقائدي و رؤية روحانية للعالم من حولنا هذا العالم الذي قلت فيه الجوانب الروحانية بسبب تراكم الماديات.
ومن منظور بعض النقاد الجماليين أيضا ، فان أعمال الفنانة بهيجة عبد العالي الشرقاوي ، تعتبر امتدادا لمجال الحياة التشكيلية، اختارت الاشتغال على موضوع “التوازن البيئي” كمدخل عام لتأمل جمالي في الحياة والوجود معا. انها تعالج المجال الطبيعي تشكيليا بمعنى أنها تضع جانبا كل مظاهر الأشياء وملحقاتها الثانوية، و تنصت بعمق إلى صوت الحياة بداخلنا الذي يقاوم في عناد مكابر شراسة الرأسمالية اللاإنسانية التي تحاول تسييد الرؤية الواحدة للعالم. إن المجال الطبيعي مقام التأمل في بعده الروحي ، حيث يتعمق الإدراك البصري للفنان، وتصبح اللوحة جوهرا يمثل البعد الخفي للحياة .
في هذا المقام، تعلمنا لوحات الفنانة بهيجة بأن في هذا العالم شيئا ملغزا وعلينا أن ننتبه إليه جيدا وأن ننصت إليه بكل حواسنا وفرائسنا.
تتمثل الفنانة بهيجة عبد العالي وجودها الخاص معتبرة الفن جزءا لا يتجزأ من النسق الثقافي العام ، وذلك في تفاعل تام مع الهوية كمخيلة وجودية وكعلاقة دائرية مع الفكر والثقافة والشعور . كل ما تمثله هذه الفنانة المفرطة في انسانيتها والعميقة في أعمالها الفنية، عبر الرسم هو من صلب ما اختمر في ذاتها وانطبع في عينها ومتخيلها ….
> محمد معتصم